
خرجت الخلافات والتباينات داخل المجلس الرئاسي اليمني إلى العلن بعد أن كانت خلف الجدران لأشهر طويلة. ويضم المجلس أطرافاً سياسية متعددة، بما تحمله من مشاريع متضادة ومتعارضة. وعلى الرغم من أن المعركة ضد الحوثيين أجبرت الأطراف المختلفة على الدخول في المجلس منذ عام 2022، ولكن المحاصصة والمصالح المتضاربة استمرت في إحداث توترات وخلافات داخل مجلس القيادة، تهدأ في فترات ثم تعود في فترات أخرى، وهو ما تتحدث عنه أطراف سياسية منضوية داخل الحكومة المعترف بها دولياً. كما تخرج بعض تفاصيل الخلافات للإعلام سواء من قبل أعضاء المجلس أو من معلومات تتحدث عنها مصادر مقربة. ويترأس المجلس الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي، ويضم سبعة أعضاء آخرين.
خلافات المجلس الرئاسي اليمني
ومنذ عودة العليمي في أوائل يونيو/ حزيران الماضي إلى عدن، بعد زيارة رسمية إلى روسيا، لم يعقد المجلس الرئاسي اليمني أي لقاء، وكان واضحاً وجود تباينات داخل المجلس بين رئيسه وبعض المكونات السياسية. لكن الخلاف ظهر إلى العلن مع بيان لـ"المقاومة الوطنية" بقيادة عضو المجلس الرئاسي اليمني طارق صالح، قبل نحو أسبوع، انتقد فيه ما اعتبره إقصاءً لبعض شركاء العمل الوطني وتجاوز المصلحة الوطنية والإضرار بها، وتجاوز الصلاحيات والدستور والقانون. البيان الذي علّق على لقاءات العليمي مع شخصيات من هيئات مختلفة، وآخرها اجتماعه مع قيادات هيئة التشاور وقيادات حزبية، جاء فيه: "إن أمانة المقاومة الوطنية تؤكد ضرورة الالتزام بعدم مناقشة القضايا إلا في إطارها الذي ينظمه الدستور والقانون وإعلان نقل السلطة، وترفض مناقشة مواضيع من صلب عمل الحكومة ومسؤولياتها دون دعوتها لحضور الاجتماع رغم أنها المعني الأول بمناقشتها واستجلاء رأيها في ما يعانيه اليمنيون من ضائقة اقتصادية".
ورد المستشار في الرئاسة اليمنية مروان دماج عبر صفحته في "فيسبوك" على بيان "المقاومة الوطنية" بالقول "الجدل العلني لا يخدم أحداً، ومن المهم ألا يُزجّ بهذا الرجل (طارق صالح) في مسارات لا تليق بطبيعة مسؤوليته. القضايا تُناقش وتُعالج ضمن الأطر الرسمية والحوارات المؤسسية، أما البيانات المفتوحة، فغالباً ما تُفهم إما باعتبارها تعبيراً عن ضعف أو مظهراً من مظاهر التمرد". وأضاف: "نُقدّر إخلاصكم في مواجهة الحوثي، ولا نشك في نواياكم، لكن التقليل من دور الآخرين لا يخدم وحدة الصف". وأعقب ذلك الإعلان عن اتصال هاتفي أجراه طارق صالح بالعليمي في 28 يونيو الماضي عبّر فيه صالح "عن أمله في أن يتحقق النصر والتمكين للقضية الوطنية في العام الجديد (الهجري)".
أجرى صالح اتصالاً بالعليمي في 28 يونيو الماضي بعد انتقادات من "المقاومة الوطنية"
من جهته، قال رئيس تحرير صحيفة "يافع نيوز" ياسر اليافعي في منشور على صفحته في "فيسبوك" إن "بيان المقاومة الوطنية التابعة لطارق صالح، الذي انتقد أداء رئيس مجلس القيادة (رشاد العليمي) وأساليب تفرده في إدارة الدولة، يُعد موقفاً جديراً بالاحترام. لكن المؤسف هو صمت المجلس الانتقالي الجنوبي". واتهم العليمي بأنه "لا يلتزم بالشراكة، بل يختار المسؤولين وفقاً للانتماء السياسي والمناطقي الذي يريده هو، متجاهلاً قرارات وترشيحات الانتقالي، ومماطلاً في تنفيذها، في إهانة واضحة للجنوب وتضحياته. ما يثير الاستغراب هو غياب أي موقف حازم من أعضاء مجلس القيادة الجنوبيين".
وأكدت مصادر خاصة في المجلس الرئاسي اليمني لـ"العربي الجديد" أن هناك تباينات حول ممارسات العليمي، وأن الفترة الماضية شهدت توترات بين الأخير وبعض أعضاء المجلس بسبب تجاهل العليمي طلبات وملاحظات الأعضاء حول الكثير من الملفات، وعدم التوازن بين الأطراف في اتخاذ القرارات. وبحسب المصادر نفسها، وصل الأمر إلى أن البعض لمحوا خلال النقاشات إلى ضرورة التدوير في رئاسة مجلس القيادة بعد اقتراب انتهاء السنوات الأربع الأولى (أعلن المجلس في إبريل/ نيسان 2022)، كما أن البعض ذهب إلى حد الحديث أن "مجلس القيادة مجرد كيان لممارسة مهام الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي المدنية والعسكرية" الذي أبعد في 2022 عن المشهد عبر "تشكيله" مجلس القيادة، متجاهلين أن الإعلان الرئاسي الخاص بتأسيس المجلس ينص في مادته الأولى على أن هادي فوّض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان "تفويضاً لا رجعة فيه" بكامل صلاحياته وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. كما أن المصادر لمّحت إلى عودة النقاشات حول تقليص مجلس القيادة الرئاسي رغم عدم وجود إجماع على هذه الفكرة، وتطرح من جديد فكرة تشكيله من رئيس ونائبين.
وبحسب المصادر، فإن نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، اعتكف خلال الأشهر الأخيرة عن حضور أي لقاءات أو اجتماعات للمجلس الرئاسي، ورفض أي نقاشات بسبب رفض العليمي الاستجابة لعديد من الطلبات والملاحظات ولطريقة إدارة الملفات والأوضاع التي تعيشها البلاد من تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والخدمات. علماً أن الزبيدي أنهى اعتكافه وتوجه إلى الرياض حيث عقد اجتماعاً مع عضو مجلس القيادة سلطان بن علي العرادة، يوم الجمعة الماضي، وشددا خلاله على "ضرورة الاصطفاف لمواجهة التحديات الراهنة، وفي طليعتها خطر مليشيات الحوثي".
تقليل من أهمية الخلافات
في المقابل، قال مصدر في المعاشيق (قصر الرئاسة في عدن)، لـ"العربي الجديد"، إنه لا توجد تباينات بقدر ما هي ملاحظات تقدمها بعض المكونات وأعضاء المجلس، فيما يرى العليمي أنه يمارس صلاحياته الممنوحة له، مضيفاً أن هناك أولويات تحتاج للعمل على حلها فيما بعضها، والتي تدور حولها ملاحظات، تحتاج إلى التأجيل قليلاً، نافياً أي تجاهل أو تمييز ضد أي طرف، ومثل هذه المشاكل يمكن أن تحل في إطار المجلس.
وبشأن هذا الوضع، قال الكاتب والمحلل السياسي فؤاد مسعد، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي موجودة حول كثير من المواضيع، وبعض القضايا تم تأجيل حسمها بسبب الخلافات"، لافتاً إلى أن "ظهور الخلافات في الفترة الأخيرة يرجع إلى إعلان فصيل المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح موقفاً رافضاً لآلية عمل المجلس لأن هذا الفصيل يشعر بأنه غير ممثل في أجهزة الدولة مثل بقية المؤسسات، ولديه قائمة طويلة من المطالب، خصوصاً الحصول على مناصب عليا لممثليه". وأضاف أنه "نتيجة إعلان هذا الموقف من خلال التصريحات والبيانات، أصبح الخلاف معلناً، وهذا بالتأكيد انعكس على الشارع اليمني الذي يتابع بعض هذه التطورات، ولكن المؤسف أن الخلافات ليست حول معالجة حقيقية للأزمات بقدر ما هي جزء من الصراعات السياسية على المصالح الخاصة بكل مكون أو فصيل يشارك في السلطة، معتبراً أن ذلك "يعني أن القيادات العليا لديها أولويات مختلفة عن قضايا الناس الحقيقية وفي مقدمتها التدهور الاقتصادي والمعيشي وانهيار سعر العملة المحلية وتدني الخدمات الأساسية".
مصدر في الرئاسة: لا توجد تباينات بقدر ما هي ملاحظات تقدمها بعض المكونات وأعضاء المجلس
وكان المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية قد دعا، في بيان بعد اجتماع استثنائي له يوم الجمعة الماضي، مجلس القيادة الرئاسي إلى تحمّل مسؤولياته التاريخية لإنقاذ الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وضبط الأوضاع الأمنية، وتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية تحت مظلة الدولة، والانفتاح على الأحزاب والمكونات السياسية، وتوسيع دائرة الشراكة الوطنية للعمل الجاد على إصلاح الأوضاع الراهنة وتجاوز الأزمات، بما يساهم في استعادة الاستقرار وتحقيق تطلعات المواطنين. كما جدّد المجلس الأعلى تأكيده مواصلة دوره الوطني، والعمل مع مختلف القوى السياسية والمجتمعية لحماية المكتسبات، وإسناد مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لتحقيق هدف استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب والعمل على التخفيف من معاناة المواطنين، والدفع نحو بناء دولة مدنية حديثة، عادلة، وقوية، قائمة على القانون، والمؤسسات، والشراكة، والاستقرار.
