ضحايا الجنرالات الأفغان... إرث الفساد يعقّد المصالحة المجتمعية
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

لا يزال إرث الجنرالات الأفغان، سادة البلاد في عهدها السابق، حاضراً فانتهاكاتهم وخصوماتهم القبلية المعتمدة على نفوذهم تسبّبت في تفكيك الثقة بين مكونات المجتمع، وزادت من حدّة الانقسامات، ما أضعف فرص المصالحة الوطنية.

- أثناء عمل الخمسيني الأفغاني محمد ولي خان وابنه سلمان (22 عاماً) في حقلهم، بمنطقة خواجه بهاء الدين في ولاية تخار شمالي البلاد، اقتحمت عناصر تابعة للجنرال عبد الرشيد دوستم، نائب الرئيس الأفغاني السابق المكان في يناير/كانون الثاني 2018، وأطلقوا الرصاص باتجاه مزرعته والحقول المجاورة لإرغامه وجيرانه العشرة على تركها ومغادرة المنطقة بأكملها.

قتل سلمان مع ثلاثة آخرين في تلك العملية التي سبقتها اقتحامات أخرى، راح ضحيتها ستة أشخاص، كما يقول ولي خان، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "بعد مقتل ابني، سيطر رجال دوستم على الأرض وأجبرونا على مغادرة المنطقة"، وهو ما تكرّر في أماكن متعدّدة على يد ما يسمى بمليشيات "جونبش" الموالية للجنرال دوستم المنتمي إلى عرقية الأوزبك، والذي تورطت قواته في انتهاكات وجرائم عديدة استهدفت الإثنيات المختلفة، من بينها "قتل خمسة أشخاص وإصابة 12 آخرين، ينتمون لعرقية البشتون (إحدى أقدم وأكبر الجماعات السكانية في أفغانستان وباكستان) في ولاية فارياب شمالي أفغانستان"، بحسب تقرير "أفغانستان: قوات مرتبطة بنائب الرئيس تُرهب القرويين"، الصادر عن منظمة هيومن رايتس وواتش في يوليو/ تموز 2016.

وعلى غراره، استغل الجنرال عبد البصير سالانغي (من عرقيّة الطاجيك)، منصبه حاكماً لولاية فراه غربي البلاد، وشنّ حملات ضد منافسيه القبليين من البشتون، بحسب ما يوضحه العميد صديق الله راغب محمد، المدير السابق للمخابرات - فرع كابول، مؤكداً في شهادته لـ"العربي الجديد"، أن الأجهزة الأمنية كانت بمثابة أداة لخدمة المصالح الشخصية والقبلية بدلاً من خدمة المواطنين.

 

استغلال النفوذ في تصفية الخصوم

بلغ عدد جنرالات الجيش الأفغاني 1200 جنرال في عام 2018، بعضهم حصلوا على هذه الرتبة الرفيعة على أساس الانتماء القومي والعرقي، والمحاباة، أو جزء من التسويات السياسية، كما يقول العميد محمد، مضيفاً: "هذا السلوك ساعد على ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب وخلق بيئة أمنية مسيّسة وفاسدة وصراعات قبلية لا تزال آثارها وأحقادها حتى اليوم".

استخدم الجنرالات الأجهزة الأمنية لخدمة مصالحهم الشخصية والقبلية

تتضح إفادة محمد عبر رصد انتهاكات وتصفيات للخصوم من ثمانية جنرالات آخرين، منهم عطاء محمد نور الحاكم السابق لولاية بلخ شمالي البلاد، وقد كان يمول مليشيات محلية تورطت في جرائم خطف وابتزاز، وعبد الحكيم شوجويي، الجنرال في الحرس الوطني السابق وقائد مليشيا هزارية (مجموعة عرقية ودينية)، تورطت في قتل 17 شخصاً في مناطق مختلفة من ولاية أروزکان وسط البلاد، والجنرال بسم الله خان محمدي، الذي شغل مواقع عسكرية وسياسية بارزة عدّة، ابتداء من رئاسة هيئة أركان الجيش الوطني بين عامَي 2002 و2010، ثم وزيراً للداخلية حتى عام 2012، ووزيراً للدفاع حتى عام 2021، وأسد الله خالد، الذي ارتكب شخصياً أو أمر بارتكاب أعمال تعذيب وقتل عندما كان رئيساً لجهاز الأمن الوطني حتى ديسمبر/كانون الأول 2012، والجنرال عبد الرزاق أشاكزاي، الذي تولى قيادة شرطة الحدود في عام 2011، ثم قاد شرطة قندهار حتى عام 2018، ومارس خلال تلك الفترة عمليات تعذيب في مراكز الاحتجاز، ونفذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر إفادات المصادر وتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس وواتش في مارس/آذار 2015 بعنوان "كلّنا سنموت اليوم"، ويتطابق ما جاء فيه مع إفادة محمد سفير أختر أحد زعماء قبيلة نورزي (تنتمي إلى فرع بانجباي من البشتون الدراني) في ولاية قندهار جنوبي البلاد، والذي يقول: "على سبيل المثال لا الحصر، الجنرال أشاكزاي، كان يقتل أو يسجن كلّ مَن كان يقف في وجهه، مستهدفاً خصومه من قبيلة نورزي وكلّ من تجرأ رافضاً الخضوع لفساد المقربين منه"، ويضرب مثالاً برجل من قبيلة نورزي أراد أحد المقربين من أشاكزاي، أن يتزوج بابنته القاصر لكنّه رفض، فداهمت قوات الأمن منزله في قندهار واعتقلته بتهمة انتمائه لحركة طالبان، ليجري إخفاؤه في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للجنرال أشاكزاي، قبل أن تدفع أسرته 20 ألف دولار للإفراج عنه.

وضمن هذا النمط كوَّن بعض الجنرالات مليشيات محلية، مارست الخطف والقتل وفرض الإتاوات على السكان، كما يقول الثمانيني عبد الستار خان، أحد زعماء قبيلة وزير (مجموعة عرقية من قبائل البشتون)، الذي عايش فترة الحكومة الشيوعية المدعومة من الاتحاد السوفيتي، والحرب الأهلية المعروفة بفترة المجاهدين، وما تلا ذلك من أحداث، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "الجنرالات استخدموا مناصبهم الأمنية والحكومية لأغراض شخصية وانتقامية لتصفية خصومهم واليوم ما تزال آثار تلك الانتهاكات مستمرة".

 

الانتقام على أساس عرقي

تحوّل الصراع القبلي إلى جزء من معادلة الاستحواذ على النفوذ السياسي والأمني في أفغانستان، وفق أختر، الذي تعرض أبناء قبيلته نورزي، لانتهاكات مختلفة من الجنرال عبد الرزاق الذي ينتمي إلى قبيلة أشاكزاي (إحدى قبائل البشتون)، مستخدماً نفوذه قائداً لشرطة قندهار. ومن بينهم المولوي بعث الله خان نورزاي، الذي اعتقلته عناصر تابعة للجنرال أشاكزاي، في السابع عشر من أغسطس/آب 2016، ليجري إخفاؤه في مركز احتجاز بمدينة قندهار، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، ذهب شقيقه محمد داد الله خان، إلى أشاكزاي الذي شغل قائد شرطة قندهار حتى أكتوبر/تشرين الأول 2018، برفقة عدد من أفراد قبيلته، لمعرفة مصير شقيقه، فأخبره بأنه محتجز في أحد سجون الاستخبارات، بسبب انتمائه لحركة طالبان، كما يقول خان لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن أحد أفراد قبيلة أشاكزاي القريب من عبد الرزاق، ويدعى شمس الله أشاكزاي كان يعاقب وينتقم من كل شخص من قبيلة نورزي خاصة التجار منهم وأصحاب النفوذ، نافياً أن يكون لشقيقه الذي أُفرج عنه لاحقاً بعد دفع 60 ألف دولار أميركي، دون محاكمة، أي صلة بحركة طالبان.

وبالعودة إلى محمد خان أحد المقربين من الجنرال أشاكزاي، أقر أن الصراع القبلي كان سائداً في أفغانستان، لكنه يقول لـ"العربي الجديد" إنّ الجنرال أشاكزاي كان مسؤولاً أمنياً، والكثير من القبائل أو الزعماء القبليين جرى توقيفهم بناءً على التقارير الاستخباراتية مع أن بعضها تكون خاطئة أحياناً".

لكنّ اللواء المتقاعد في الجيش الأفغاني نور ولي نورزاي، يقول إنّ التنافس للسيطرة على طرق التهريب في مناطق حدودية مهمة جنوبي أفغانستان، كان سبب تفاقم التوتر بين القبيلتَين، مضيفاً أن الصراع بين قبيلتَي نورزي وأشاكزاي، بدأ في تسعينيات القرن الماضي بعد مقتل والد الجنرال أشاكزاي، مالك خان، على يد عناصر من قبيلة نورزي، ما أشعل نار الثأر بين الطرفَين، ليتطور الأمر مع مرور الوقت إلى مواجهات مسلحة بينهما.

وتجدّدت الأعمال الانتقامية من فصائل من قبيلة نورزي ضد خصومهم من أشاكزاي حتى بعد انسحاب القوات الأميركية في عام 2021، وفق ولي نورزاي، قائلاً لـ"العربي الجديد": "هذا الصراع القبلي لم يعد مجرد خلاف محلي، إذ تحوّل إلى جزء من معادلة للسيطرة في المنطقة". وهو ما يؤكده مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات الأفغانية السابقة (فضل عدم الكشف عن اسمه، حفاظاً على أمنه الشخصي)، مشيراً إلى تورط بعض الجنرالات في تهريب المخدرات إلى البلاد، مستغلين بذلك عملهم في أجهزة أمنية أو قربهم من المسؤولين في الحكومات السابقة.

 

نار تحت الرماد

ساد مناخ من الخوف خاصّة بعد تصفية الخصوم وتهجير الكثير من الأسر، وتفجر النزاعات المسلَّحة بين القبائل، كما يقول اللواء المتقاعد نورزاي، موضحاً أن تصفية الجنرالات لخصومهم السياسيين أو القبليين، أدى إلى تفكّك الثقة بين مكونات المجتمع، وزاد من حدة الانقسامات القبلية والعرقية، الأمر الذي أضعف فرص المصالحة الوطنية.

الصراعات القبلية زادت من حدّة الانقسامات بين مكونات المجتمع

والسبب في ذلك، كما يقول المحامي الأفغاني محمد فؤاد يوسفي، عدم تحقيق العدالة من خلال ملاحقة ومعاقبة الجنرالات الذين تورطوا بانتهاكات ضدّ خصومهم، بينما يشير الأستاذ الجامعي السابق في كلية الحقوق بجامعة كابول، الدكتور عبد القوي نصرتي، إلى وجود عقبات أمام ملاحقة هؤلاء، منها العفو العام من حكومة طالبان لوقف أعمال الانتقام والخصومات الدائرة بين القبائل، خاصة أن كل جنرال ينتمي إلى قبيلة ويمكن أن تدافع عنه إذ لزم الأمر، فضلاً عن خوف الضحايا من عودة الجنرالات مرة أخرى إلى الحكم ومعاقبتهم مجدّداً.

وللرد على ما سبق، قال الناطق الرسمي باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، لـ"العربي الجديد": "إذا كان ملف القضية معزّزاً بالأدلة فلا داعي للخشية من التقدم بشكوى ضد أي شخص، استغل قوته للبطش بالناس"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة الحالية "ستقدم الحماية لكلّ من يرفع شكوى ضد من ارتَكب انتهاكات ضدّه أو بحق فرد من عائلته".

وهذا ما كان يتمناه ولي خان، لكنّه اكتفى بعد عودته من ولاية قندوز شمالي البلاد، التي نزح إليها مع عائلته، باستعادة أرضه من عناصر الجنرال عبد الرشيد دوستم الذين هربوا منها بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد في أغسطس/آب 2021، كما يقول، مضيفاً أن دوستم هرب إلى تركيا، فيما فرّ جنرالات آخرون إلى أوزبكستان وطاجيكستان، ومنهم "الجنرال إسماعيل خان الحاكم السابق لولاية هرات غربي أفغانستان، وعبد البصير سالانغي"، كما الضابط السابق بوزارة الدفاع، صديق الله راغب محمد، لكنّ إرثهم من الظلم والانتهاكات لا يزال باقياً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية