
مع توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مطلع شهر يونيو/ حزيران الحالي، على تعديلات قوانين مجلسي النواب والشيوخ، التي تبقي على نظام "القائمة المطلقة المغلقة"، يبدأ العد التنازلي للانتخابات التشريعية، التي ستُجرى بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. في موازاة ذلك، تقف قوى المعارضة المصرية أمام مفترق طرق، بين من يدعو إلى المقاطعة التامة، ومن يرى في المشاركة الجزئية حلاً، ومن سيخوض السباق ضمن قائمة مقربة من الدولة، أو بمحاولة تشكيل جبهة مستقلة لمنافسة مرشحي السلطة، وسط انقسامات داخل أبرز تكتلاتها السياسية "الحركة المدنية الديمقراطية".
ما تعيشه "الحركة المدنية" اليوم يُعيد إلى الأذهان بالنسبة إلى البعض، تفكك تحالف 30 يونيو (عام 2013 بمشاركة شخصيات عسكرية وسياسية ودينية وإعلامية إلى جانب رجال أعمال) الذي دعم وصول السيسي إلى الحكم، قبل 12 عاماً. بدأ تفكك التحالف حينها بانسحاب شخصيات مثل محمد البرادعي، ثم تهميش وجوه مثل حمدين صباحي، وانتهى لاحقاً بإقصاء رموز من داخل السلطة نفسها، مثل مدير المخابرات العامة السابق اللواء عباس كامل، ووزير الدفاع السابق محمد زكي. وبالمنطق ذاته، يبدو أن المعارضة المصرية المدنية حالياً، تعيد تجربة "التآكل الذاتي"، لكن هذه المرة من موقع أضعف، ووسط مناخ أكثر انغلاقاً.
تقول مصادر من داخل "الحركة المدنية"، لـ"العربي الجديد"، إن "محادثات تشكيل قائمة موحدة باءت بالفشل، ليس بسبب صعوبات فنية فقط تتعلق بترتيب الأسماء أو توزيع الدوائر، بل لأن الأسئلة الكبرى حول الجدوى من المشاركة من الأساس لا تزال بلا إجابة". فالقانون الانتخابي نفسه، الذي طالما وصفته المعارضة المصرية بأنه يكرّس هيمنة السلطة، لم يتغير، كذلك لم تُنفَّذ توصيات الحوار الوطني، ولا جرى أي انفتاح حقيقي في المجال العام. في المقابل، تفكر بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة المدنية في خوض الانتخابات ضمن القوائم المدعومة من الدولة. هذه الخطوة تعتبرها أطراف أخرى داخل "الحركة المدنية" بمثابة "تنازل سياسي مجاني"، يعيد إنتاج تجربة "التحالفات الرسمية" التي أطاحت لاحقاً أصحابها، كما حدث مع رموز بارزة من تحالف 30 يونيو، الذين خرجوا تباعاً من المشهد السياسي والإعلامي والعسكري.
علاء الخيام: لا يمكن اعتبار المناخ الانتخابي ديمقراطياً أو تنافسياً
تباين مواقف المعارضة المصرية
في ظل هذه الاختلافات، تتباين المواقف داخل "الحركة المدنية". ويوضح منسق "تيار الأمل" وعضو الحركة، علاء الخيام، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قرار المشاركة لم يُحسم بعد"، مشيراً إلى أن "المشهد غير مبشّر، خصوصاً في ظل تجاهل مطالب الحوار الوطني". لكن الخيام يقر بوجود رغبة لدى بعض القوى السياسية في استغلال الانتخابات لتكون منصة للتواصل مع الشارع، مضيفاً أن "النقاش يدور حالياً حول ما إذا كان بالإمكان خوض الانتخابات على المقاعد الفردية فقط، أو تشكيل قائمة مستقلة جزئياً". وبرأيه "ففي جميع الأحوال، لا يمكن اعتبار المناخ ديمقراطياً أو تنافسياً. لا تزال هناك تدخلات أمنية، ورأس المال يلعب دوراً كبيراً، والإعلام منحاز بالكامل".
في المقابل، يتبنى رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، نهجاً أكثر انفتاحاً على المشاركة. ويؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المقاطعة ليست خياراً مطروحاً لدى حزبه"، مشدداً على أهمية الوجود داخل البرلمان "حتى لو لم تتحقق كل مطالب المعارضة". ويكشف السادات عن تحالف انتخابي ثلاثي يركّز على مقاعد الفردي، مع احتمال التنسيق مستقبلاً على القوائم، بل يلمّح إلى إمكانية النقاش مع القوائم الرسمية، بما فيها "القائمة الوطنية" المدعومة من الدولة.
قيادي في "الحركة المدنية": مصر تبدو اليوم، كما كانت قبل 10 سنوات، ساحة لتحالفات تنشأ ثم تنكسر
وبحسب مراقبين، تشير الانقسامات الحالية إلى أزمة أعمق من مجرد خلاف حول المشاركة من عدمها، والمتمثلة بغياب مشروع سياسي واضح وموحّد تقدمه المعارضة المصرية. ففي ظل غلق المجال العام، وتراجع قدرة الأحزاب على الحشد والتعبئة، وفقدانها للمنصات الإعلامية، يبدو أن معظم الأحزاب باتت رهينة للخيارات الفردية لا للمشروع الجماعي. ويرى أحد قيادات "الحركة المدنية" -فضّل عدم ذكر اسمه– أن "الخطأ الأكبر كان الرهان على انفراجة آتية أو حسن نية من السلطة بعد الحوار الوطني". ويوضح بالمقابل أن "الواقع يؤكد أن النظام يواصل اللعب بالقواعد نفسها، ويستفيد من انقسام خصومه، تماماً كما استفاد من تشرذم تحالف 30 يونيو بعد وصوله إلى السلطة".
ويضيف أن "مصر تبدو اليوم، كما كانت قبل 10 سنوات، ساحة لتحالفات تنشأ ثم تنكسر، بينما تبقى السلطة متماسكة ومتفردة بالقرار، فكما تخلّصت من حلفائها في 30 يونيو، يبدو أنها تمضي الآن في طريقها دون الاكتراث بتمثيل معارضة أو إدماج قوى سياسية". وفي هذا السياق، يصبح الحديث، وفق القيادي نفسه، عن "انتخابات تنافسية أو برلمان معبّر ضرباً من الأمنيات". ويحذر القيادي بـ"الحركة المدنية" من أنه إذا ما استمرت الانقسامات داخل الحركة، فإنها "مهددة بفقدان ما تبقى من مصداقيتها، بل وربما تؤول إلى مصير مماثل لتحالف 30 يونيو: التفكك والصمت، في انتظار فرصة سياسية قد لا تأتي".
تنافس بين أجهزة الدولة
حتى داخل حزب "مستقبل وطن"، الذراع السياسية الأبرز للنظام منذ سنوات، يتصاعد التوتر على خلفية ما يعتبره بعض قادته "تنكراً" لدورهم، عبر الدفع بحزب جديد هو "الجبهة الوطنية" أو كما يعرف إعلامياً بـ"حزب العرجاني"، نسبة إلى رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، القريب من أجهزة الأمن وصاحب النفوذ في سيناء. ويعبّر قيادي في "مستقبل وطن"، لـ"العربي الجديد"، عن استيائه مما وصفه بـ"سحب البساط"، معتبراً أن "رجال أعمال الحزب أنفقوا الملايين في خدمة الدولة، فلا يصح أن يُسحب منهم كل شيء فجأة لصالح حزب جديد مدعوم من جهة سيادية مختلفة".
يعكس هذا المشهد طبيعة الصراع داخل الدولة العميقة على تشكيل الخريطة السياسية المقبلة. من جهته، يقول قيادي في حزب الكرامة، أحد أركان "جبهة الإنقاذ" التي دعمت عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، إن حزبه "شارك في الحوار الوطني بنيّة الإصلاح"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "لكن اكتشفنا سريعاً أنه ديكور لتجميل صورة النظام. تجاهلوا مطلبنا بإقرار نظام القائمة النسبية، وتمسكوا بنظام يعيد إنتاج السلطة نفسها".
