البعثة الأممية في ليبيا تواجه اتهامات بالانحياز والفشل المتكرر
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

تواجه البعثة الأممية للدعم في ليبيا موجة اعتراض على سلوكها وطريقة إدارتها للعملية السياسية في البلاد. فقد تجمهر عدد من المحتجين الغاضبين، ليل الثلاثاء الأربعاء، أمام مقرّها في طرابلس، وصدر بيان من حكومة مجلس النواب وصفها بأنها "غير مرغوب فيها" وعليها مغادرة البلاد "فوراً". وحاول بعض المحتجين اقتحام البوابة الأمامية لمقر البعثة، مرددين هتافات تندد بـ"انحياز" رئيسة البعثة هانّا تيتيه، خلال إحاطتها التي قدمتها إلى مجلس الأمن مساء أمس الثلاثاء، واتهموها بـ"التغاضي" عن الأحداث الدامية الأخيرة في طرابلس وتورط حكومة الوحدة الوطنية فيها.

ومن جهتها، أصدرت البعثة بياناً، في وقت متأخر من ليل الثلاثاء، ذكرت فيه أنها استقبلت عدداً من ممثلي المحتجين الذين عبروا عن "إحباطهم إزاء التدهور المستمر في الوضعين السياسي والاقتصادي في جميع أنحاء ليبيا"، ونقلت عنهم تأكيدهم "الحاجة الملحة إلى تغيير الحكومة من خلال مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة"، من دون أن تتبنى أي موقف واضح من الاحتجاج.

ومن جانبها سعت حكومة مجلس النواب في بنغازي لتوظيف الاحتجاج، فأصدرت بياناً، اليوم الأربعاء، طالب البعثة بـ"مغادرة البلاد بشكل فوري"، معتبراً أنها غير "مرغوب فيها" بسبب تجاهل تيتيه، خلال إحاطتها، "مطالب الشعب الذي عبرت عنها التظاهرات بوضوح أمام مقر البعثة" لاستبعاد الحكومة في طرابلس من المشهد، وأشارت إلى أنّ الاحتجاج في العاصمة أمام مقر البعثة يعتبر "تعبيراً صادقاً عن الغضب الشعبي المتصاعد تجاه سياسات البعثة المنحرفة عن مسارها، والتي باتت تسهم في تعطيل الإرادة الوطنية وتعميق الانقسام، وتتجاهل مطالب الأغلبية من أبناء الشعب اللبيي، الرافضين لحالة العبث السياسي". واتهمت الحكومة البعثة بأنها تميل إلى صالح الحكومة في طرابلس، ما حولها إلى "طرف في الأزمة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل، ونحمّلها كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع السياسية في البلاد".

وجاء التصعيد ضد البعثة في توقيت بالغ الحساسية تزامن مع زيارة أجرتها لجنة موفدة من الأمم المتحدة لتقييم أداء البعثة في البلاد، زارت طرابلس وبنغازي على مدى ثلاثة أيام مطلع الأسبوع الجاري، والتقت كبار المسؤولين الليبيين مثل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى قادة أحزاب وناشطين، في جولة استماع نادرة لتقييم أداء البعثة.

ورأى الناشط السياسي محمود المسعودي أن قصور البعثة "ليس جديداً بل هو تراكم فشل سنوات"، معتبراً أن طريقة إدارتها لحوار الصخيرات 2015 وحوار جنيف 2021، "أنتج تناقضاً ظاهراً، فبينما كان هدف هذه الحوارات الوصول إلى تسويات توقف الأزمة، أصبحت الاتفاقات الناتجة عنها كل منها يؤسس لمرحلة صراع وتأزيم جديدة". وفيما يصف المسعودي، في حديثه مع "العربي الجديد" سلوك البعثة بــ"الأحادي" تعمدت فيه إدارة العملية السياسية بشكل منفرد، يلفت إلى أنها لا تزال تنتهج السلوك نفسه، فاللجنة الاستشارية الأخيرة شكلتها البعثة من 20 شخصية من دون معايير واضحة، وبخلاف ما أعلنته في السابق من أن نتائج مشاورات البعثة غير ملزمة، باتت مشاوراتها توصيات ملزمة في شكل الخيارات الأربعة التي حصرت البعثة فيها مسار العملية السياسية واتجاهها.

ويتفق جمعة شليبك، الناشط الحزبي، مع رأي المسعودي، إلا أنه يلفت إلى مسؤولية الليبيين أنفسهم في تعزيز هيمنة البعثة، متسائلاً في حديثه لـ"العربي الجديد": "ما الذي يمنع الليبيين من التوافق خارج مظلة البعثة؟ لا شيء سوى تعارض مصالحهم، فعندما تكون البعثة لصالح طرف، يقبل بها، وعندما تتعارض مع مصالحه، يرفضها، ومن هنا يمكن تفسير موقف الحكومة في بنغازي ببيانها الغاضب، وصمت الحكومة في طرابلس التي لم تذكرها تيتيه بسوء في إحاطتها".

ويعتبر شليبك أنه بالرغم من أن البعثة تواجه نقداً منذ سنوات، لكن تصاعد الموقف منها هو على علاقة بمقترحاتها الأربعة التي بات الرأي العام يميل فيها إلى صالح مقترح إقصاء كل الأجسام السياسية الحالية وإنشاء مجلس تأسيسي جديد يشكل حكومة جديدة، مرجحاً أن التصعيد ضد البعثة سيزيد من كل الأطراف المتنفذة حالياً إذا اتجه الرأي العام إلى هذا الخيار. وفيما يذكّر شليبك باستقالة العديد من المبعوثين السابقين وتغيير في موظفيها، لافتاً إلى أن طريقة قيادة البعثة للعملية السياسية هو نتاج تعاطي البعثة مع نهج العرقلة التي يعمل وفقه قادة الأطراف الليبية، يرجح في الوقت نفسه إمكانية أن تواجه إعادة هيكلة أو تغييراً لطاقمها.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه شليبك أهمية استمرار بقاء البعثة في أطر العملية السياسية على أنه "ضامن وحيد" للتسويات في ظل استحالة التوافق الداخلي، يلفت إلى بُعد آخر يؤثر في عمل البعثة، ويتعلق بأنها تعكس أزمة اختلاف وصراع دولي عميق في الملف الليبي، ما يجعلها عرضة لتأثير العواصم الكبرى والأكثر اتصالاً بالملف الليبي، وتحولها إلى أداة أكثر منها وسيطاً للسلام.

وحتى إن القادة الحاليين الذين قابلوا لجنة التقييم الأممية، مطلع الأسبوع الجاري، لم يخفوا انتقاداتهم لسلوك البعثة، فبينما دعا المنفي إلى أهمية "تنسيق أدوار البعثة الأممية مع تطلعات الشعب الليبي في دعم الاستقرار"، دعا الدبيبة الى "تعزيز الشفافية والحياد في دعم العملية السياسية الليبية"، فيما طالب فيه أعضاء من مجلس النواب لجنة المتابعة بوضع استراتيجيات واضحة للبعثة تسهم في تحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال المؤسسات القائمة، في إشارة إلى رفضهم إقصاء الأجسام الحالية من رسم خريطة التسوية السياسية.

ويأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه البعثة إلى تعزيز مبادرتها الأخيرة القائمة على "الخيارات الأربعة" التي طرحتها اللجنة الاستشارية، في الأسابيع الماضية، من خلال مضاعفة جهودها بتكثيف اللقاءات المحلية والدولية، فبعد اجتماعات عقدتها تيتيه مع القوى السياسية والاجتماعية في شرق ليبيا وغربها، أطلقت استطلاعاً إلكترونياً لإشراك كل الليبيين حول الخيارات الأربعة منطلقاً لعملية سياسية جديدة، وعقدت اجتماعاً للجنة الدولية بشأن ليبيا في برلين، يوم الجمعة الماضي، لحشد الدعم. لكن كل هذه الجهود المضاعفة للبعثة للمضي نحو دفع العملية السياسية، قابلها توجس وقلق واضح كشفت عنه تيتيه في إحاطتها لمجلس الأمن أمس، فبينما كان من المنتظر أن تعلن "خريطة طريق" زمنية للمرحلة القادمة، أرجأت ذلك بحجة الحاجة إلى "مشاورات أوسع" على حد وصفها في نص إحاطتها، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً على ارتباك البعثة إزاء مخاوفها من الرفض والنقد الواسع لسلوكها في إدارة العملية السياسية.

ومنذ تأسيسها، عام 2012، واجهت البعثة نقداً متزايداً لأدائها رغم النجاحات التي سجلتها: مثل إنجاز "اتفاق الصخيرات" عام 2015، الذي أنهى الانقسام السياسي بشكل مؤقت، و"اتفاق وقف إطلاق النار" نهاية 2020، و"اتفاق جنيف" عام 2021 الذي وحد السلطة التنفيذية. إلا أن سلسلة أخرى من الفشل بدت في الاستقالات المفاجئة التي أعلنها عدد من مبعوثيها، كاستقالة غسان سلامة في مارس/ آذار 2020، ويان كوبيتش في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، واستقالة عبد الله باتيلي في إبريل/ نيسان العام الماضي، على خلفية فشلهم في تنفيذ مبادرات أممية لتفكيك فخاخ الخلافات العميقة بين أطراف الصراع الليبي، كانت خلالها البعثة تواجه انتقادات عديدة بالانحياز.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية