
على الرغم من تصاعد الحديث في الفترة الأخيرة عن توتر مكتوم بين القاهرة ومعسكر شرق ليبيا، جاءت زيارة "رئيس أركان القوات البرية الليبية" صدام خليفة حفتر إلى مصر، أخيراً، لتؤكد أن الخلافات، وإن وُجدت، لم تصل إلى مستوى القطيعة. ووفقاً لمعلومات خاصة حصل عليها "العربي الجديد"، فإن المباحثات التي جرت في القاهرة تناولت ملفات أمنية واقتصادية حساسة، بينها التعاون في مجال التدريب العسكري، وتنسيق المواقف بشأن تعيين الحدود البحرية، واستغلال حقول الغاز في شرق المتوسط.
وكان صدام حفتر، نجل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قد التقى يوم الأحد الماضي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة، بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع في القاهرة. وتضمنت الزيارة مراسم استقبال رسمية، عُزف خلالها النشيد الوطني للبلدين، قبل أن تبدأ جلسة مباحثات موسعة، حضرها عدد من كبار القادة العسكريين من الجانبين. وأشار البيان الرسمي الصادر عن المتحدث العسكري المصري إلى أن اللقاء تناول "عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز آفاق التعاون بين القوات المسلحة لكلا البلدين، في مختلف المجالات العسكرية والأمنية"، مع تأكيد على "ضرورة تنسيق الرؤى لضبط الحدود والحد من الهجرة غير النظامية".
لكن مصادر مطلعة أكدت لـ"العربي الجديد" أن المباحثات لم تخلُ من مراجعة لمستوى التنسيق الراهن بين القاهرة وبنغازي، لا سيما بعد بروز مؤشرات على وجود تباينات في الرؤية بين الجانبين، خصوصاً حول إدارة الملف الأمني على الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا، وعلاقات حفتر الإقليمية التي تتحرك أحياناً خارج الإطار المصري التقليدي. وبحسب المعلومات، ناقشت المباحثات بشكل تفصيلي خطط تدريب جديدة للقوات البرية الليبية على أيدي ضباط مصريين، ضمن برامج تنسيق طويلة الأمد، كانت قد شهدت فتوراً نسبياً خلال العام الأخير، على خلفية تحفظات مصرية على ما تعتبره "نزعة فردية" في إدارة الملف العسكري ببرقة، يقودها صدام حفتر.
إلى جانب ذلك، طُرحت ملفات استراتيجية ذات طابع اقتصادي، على رأسها مسألة تعيين الحدود البحرية بين مصر وليبيا، في ضوء اكتشافات الغاز شرق المتوسط. وتسعى القاهرة، بحسب مصدر رسمي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى ضمان تنسيق مباشر مع الجانب الليبي، قبل أي اتفاقات تنقيب جديدة قد تعقدها بنغازي مع شركات إقليمية أو دولية، في مناطق بحرية متداخلة أو متجاورة.
وتكتسب هذه النقطة حساسية مضاعفة في ظل سابقة توقيع حكومة الوحدة الوطنية الليبية في طرابلس مذكّرات تفاهم بحرية مع تركيا، ما أثار اعتراضات مصرية ويونانية واسعة، وأعاد تسليط الضوء على الحاجة إلى ترسيم متوافق عليه بين مصر وليبيا لتفادي أزمات دبلوماسية مستقبلية. وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية الليبي، سعد سلامة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن التطورات الإقليمية الأخيرة المرتبطة بليبيا تُقرأ في ضوء مستجدات عدة، على رأسها التحركات الجارية بشأن الاتفاقية البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا، والتي عاد مجلس النواب في طبرق لبحث إمكانية التصديق عليها رسمياً. وأشار إلى أن هذا التوجه، إن تم، سيُعيد خلط الأوراق في شرق المتوسط، ويمثل تحدياً مباشراً لمصالح مصر واليونان في المنطقة الاقتصادية البحرية.
وأضاف سلامة أن السبب الثاني الذي يفسر تسارع الاتصالات بين القاهرة وبنغازي هو "التنسيق الميداني المتزايد بين قوات اللواء خليفة حفتر وقوات الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الجنوب الليبي"، مشيراً إلى أن هذا التنسيق أتاح لقوات الدعم السريع في الأسابيع القليلة الماضية فرض سيطرة فعلية على المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان، وهو ما "يشكل تهديداً مباشراً لمصالح مصر الأمنية في حدودها الجنوبية".
وكشف سلامة عن وجود زيارة مرتقبة لوزير الخارجية اليوناني إلى ليبيا هذا الأسبوع، تشمل كلاً من الشرق والغرب، في محاولة لإعادة تنشيط الدور اليوناني في التوازنات البحرية والسياسية، المتصلة بالاتفاقيات المثيرة للجدل، وعلى رأسها اتفاق أنقرة-طرابلس، وهو ما يضع مصر أمام ضرورة التحرك المكثف لإعادة التموضع في المشهد الليبي. وفي خلفية هذه الزيارة، كان "العربي الجديد" قد نشر في وقت سابق تقارير تؤكد وجود تباين في أولويات القاهرة ومعسكر حفتر، خاصة في ما يتعلق بإدارة العلاقات الإقليمية والتعامل مع الصراع في السودان المجاور، حيث أظهرت تقارير أمنية مصرية انزعاجاً من دور مفترض لمعسكر حفتر في دعم قوات الدعم السريع السودانية، التي تخوض صراعاً عسكرياً ضد الجيش السوداني الذي تجمعه علاقات بمصر.
لكن مصدراً مصرياً مطلعاً أكد لـ"العربي الجديد" أن القاهرة، ورغم هذه التحفظات، لا تزال تعتبر الجيش الليبي في الشرق حليفاً استراتيجياً لا غنى عنه في تأمين حدودها الغربية الممتدة، ومواجهة شبكات الهجرة والتهريب والسلاح. وتأتي زيارة صدام حفتر إلى مصر في توقيت يشهد فيه نجل اللواء المتقاعد صعوداً لافتاً داخل المؤسسة العسكرية الليبية، بعد سلسلة من الترقيات والتحركات التي أثارت تساؤلات في الداخل الليبي بشأن مركزية القرار، وسط حديث عن تحضير تدريجي لخلافة والده على رأس المؤسسة العسكرية في الشرق.
ويُنظر إلى تحركات صدام حفتر الإقليمية، بما فيها هذه الزيارة إلى مصر، على أنها جزء من محاولة لإعادة تموضعه واجهةً "مؤسسية" للعلاقة مع الشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم القاهرة، مع الحرص على إظهار انفتاح على المسارات السياسية والاقتصادية، وليس فقط العسكرية. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن استضافة القاهرة لرئيس أركان القوات البرية الليبية تأتي ضمن محاولة مصرية لإعادة ترتيب أوراقها في ليبيا، خصوصاً بعد تحركات متسارعة من أطراف إقليمية، منها الإمارات وتركيا، للعودة إلى الملف الليبي بقوة، سواء عبر عقود تسليح أو اتفاقيات اقتصادية.
وتستعد مصر لاستضافة لقاءات جديدة ضمن المسار الأمني الليبي-الليبي، بحسب ما أكدته مصادر مصرية، فيما تراهن القاهرة على دور محوري في أي معادلة جديدة لإعادة هيكلة الجيش الليبي، وضمان ألا تتكرر تجربة غرب ليبيا، في الشرق.

أخبار ذات صلة.
