
في سابقة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية وتدهور الأمن الغذائي في سورية، تجاوز سعر كيلو الليمون في الأسواق المحلية عتبة 2.5 دولار أميركي، أي ما يزيد عن 25,000 ليرة سورية، بعد أن كان يباع بدولار واحد ليغيب بذلك هذا المكون الأساسي عن موائد غالبية السوريين، وبينما يتبادل المواطنون الاتهامات مع التجار والمزارعين، تكشف الوقائع عن سلسلة معقدة من الأسباب تبدأ من العوامل المناخية القاسية، ولا تنتهي عند أبواب سوق "الهال" وغياب الرقابة الرسمية.
ففي الوقت الذي شهد فيه موسم الليمون هذا العام تراجعاً كبيراً في الإنتاج نتيجة موجات صقيع غير مسبوقة، وجدت الأسواق نفسها أمام نقص في العرض، استغله بعض التجار للمضاربة والاحتكار، وسط عجز حكومي عن ضبط الأسواق أو دعم الفلاحين.
وبينما تتحدث الجهات الرسمية عن التصدير وتحسين الإنتاج، يشتكي المزارعون من موسم "خاسر قبل أن يبدأ"، ويؤكدون أن ما يعرض في الأسواق لا يمثل الإنتاج الحقيقي لهذا العام، بل بقايا مواسم سابقة أو واردات بأسعار مرتفعة.
شكاوى مزارعي الليمون
وقال المزارع أيمن الديري لـ"العربي الجديد"، الذي يملك حقل ليمون في دركوش بريف إدلب الغربي، إن ارتفاع سعر الليمون ليس بسبب جشع التجار فقط، بل يعود إلى "ضربة موجعة" تلقاها المزارعون نتيجة العوامل المناخية. ويضيف بحسرة"موجة الصقيع اللي ضربت الموسم بشهر شباط/فبراير دمرت الزهر قبل أن يتكون الثمر، الأشجار خضراء لكنها خالية على عروشها، وخرجنا من الموسم بخسائر فادحة".
وينفي المزارع الديري وجود أي تصدير لهذه الثمار فالمزارع الذي كان ينتج حقله أطناناً من الليمون، اليوم لا يكاد يجني نصف طن، لا يمكن أن يكون هناك تصدير لأنه بالأصل لا يوجد إنتاج يكفي للسوق المحلي.
ويطالب الديري بعودة الدعم الحكومي، وتوفير السماد والمبيدات بأسعار مدعومة أو مجانية، وتأمين شبكات حماية ضد التقلبات المناخية، إضافة إلى خطط تصدير واضحة ومضمونة، تعيد الحياة إلى القطاع الزراعي الذي لطالما كان ركيزة الأمن الغذائي في البلاد.
أما التاجر عمر العبد الله فيقول لـ"العربي الجديد": إن التاجر غالباً ما يكون كبش الفداء في الخطاب العام وأمام ساحة مفتوحة للفوضى والتقديرات الفردية، فهو يشتري بأسعار مرتفعة ويبيع بأسعار مرتفعة، محكوماً بعرض قليل وطلب لا يتراجع.
وينفي العبد الله الاتهامات الموجهة إليهم بالتلاعب بالأسعار. ويوضح لـ"العربي الجديد": "المعروض قليل جداً هذا العام، ما تسبب بارتفاع الأسعار تلقائياً. نحن لا نتحكم في أسعار السوق، نشتري الكيلو غرام من الليمون من المزارع بدولارين نبيعها ما بين دولارين ونصف وثلاث دولارات بحسب الجودة والكمية، وهناك فرق النقل والتخزين الذي يزيد من الأسعار أيضاً".
ويشير إلى أن بعض التجار اضطروا إلى استيراد كميات محدودة من الليمون من تركيا لتغطية النقص، لكن ذلك رفع الكلفة أكثر، وهذه التفاصيل لا يعرفها الزبائن الذين يبحثون دائماً عن الأسعار الأرخص.
أسباب الأزمة
من جانبه يوضح الخبير الاقتصادي أنور الحسن لـ" العربي الجديد": أن غياب السياسات الزراعية عمق الأزمة الحالية التي هي ليست حالة طارئة بل نتيجة تراكمات من السياسات الزراعية الخاطئة والإهمال الحكومي المستمر للقطاع الزراعي".
ويرى أن "الاعتماد الكامل على الظروف المناخية دون أي تدخل وقائي كالتأمين الزراعي، أو دعم البيوت المحمية، جعل الزراعة السورية هشة أمام التغيرات المناخية".
ويضيف الحسن"غياب خطط التسويق والتخزين المبرد، وافتقار الفلاحين إلى الدعم، يساهم في كل عام بخروج المزيد من المزارعين من السوق. نحن لا نواجه فقط أزمة ليمون، بل أزمة زراعة عامة".
ويؤكد أن ارتفاع الأسعار الحالي لا يعكس ربحاً حقيقياً لأي من أطراف السلسلة الإنتاجية، "هو مجرد نتيجة لنقص العرض، في ظل طلب مستمر وثابت على الحمضيات. " فالمزارع اليوم يزرع خيبته قبل أن يزرع الأرض، والمستهلك يدفع ثمن فوضى لم يخلقها، وبينهما، تستمر السياسات الراكدة في الهروب إلى الأمام، بانتظار موسم آخر يخسره الجميع".

أخبار ذات صلة.
