"جائزة علي معاشي" لجزائريين واعدين أفلام معقولة تُبشِّر بمستقبل جيّد
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

 

جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب (علي معاشي) ـ فرع السمعي البصري معيارٌ أساسي، يُمكِّن المهتمّين وصنّاع السينما في الجزائر من فهم الاتجاهات الفنية والأدوات الفكرية والتقنية، التي يستعملها شباب السينما ممن تقلّ أعمارهم عن 35 عاماً (أحد شروط الجائزة ألّا يتجاوز المرشّح هذا السنّ)، عبر أفلامٍ لهم تُقدَّم للجائزة.

دورة عام 2025 (أعلنت النتائج في الثامن من يونيو/حزيران الجاري) لم تخرج على تلك القاعدة. تلقّت لجنة تحكيمها (كاتب المقالة عضو فيها ـ المحرّر) أكثر من 40 فيلماً، تتراوح جودتها بين متوسّط وأقل من المتوسّط. لكنْ، بين هذا كلّه، برزت أفلامٌ معقولة تُبشّر بمستقبل جيّد لأصحابها، منها الفيلمان الروائيان القصيران الفائزان بالجائزتَين الأولى والثانية: "أمواج الصمت" لأحمد بلمومن، الذي صاغ معادلة سينمائية غاية في الشعرية والألم والذكاء، في تعبيره عن شعور الفَقْد والضياع، والذي أبرز صوت الضمير بطريقة فنية متقدّمة، وابتكر لغة بصرية قوية، استغنى بفضلها عن الحوار.

بذلك، ترك الصورة تُعبّر عن فيوضات الشخصية وجراحها بطريقة مؤثّرة، مُبتعداً عن الثرثرة التي يُمكن حدوثها، كما استحضر صُوَراً سيمولوجية عدّة، تُفكّك المعاني، وتوصلها إلى المتلقّي على نحوٍ أقوى. في الموضوع، أظهر أوجاع الأب (عبد القادر معروف)، الذي يستحضر صورة طفله (يحيى بلمومن) الضائع في البحر، فأصبح شعور الفَقْد منطلقاً لجلد الذات والضمير، وللوحدة والضياع الكبير.

المنطلق نفسه اختاره بن يوسف عز الدين سفيان لـ"موعد": مُسنّ يعيش صراعاً يبحث فيه عن منفذ يُمكّنه من تمضية لحظات مهمة مع زوجته الراحلة مُجدّداً، إضافة إلى رغبة كبيرة له في النسيان. لكنّ الصُوَر تتجدّد دائماً، وترسم له طرقاً مختلفة تقود إليها مباشرة.

أبان سفيان عن فهمٍ جيّد لمنطلقات السينما، بعد ابتكاره أبعاداً جمالية عدّة، بإذابته الألوان واستعانته بالرمادي القاتم، مع أنّه يرمز عادة إلى الغموض والهلامية، لكنّه (الرماديّ) في "موعد" مُطابق للنفس البشرية وتشظّيها في الحياة، مع إحساس الفَقْد والضياع والوحدة أيضاً. عولجت هذه المعطيات الجمالية بلغة سينمائية راقية، تعكس المنطلقات السينمائية لسفيان، المائلة إلى لغة بصرية سلسلة، تُعبّر عن هواجس النفس البشرية، وكيفية تعاملها مع الفَقْد، وما يتركه من أثر في قلب الانسان، وهذا يتقاطع مع "أمواج الصمت".

 

 

في المرتبة الثالثة، حَلّ "علجة" لحجاج شرف الدين فرحات، الذي عكس الرغبة في التغيير وتحقيق الحلم، مع استثمار الماضي في رسم أبعاد الحاضر فنياً. فيه، أظهر فرحات تمكّنه من العناصر المختلفة لفيلمه، مع حسن إدارة الممثلة الرئيسية، وتأجيج مشاعرها مع القصة، كما أظهر تمكّنه من التقنيّ إلى حدّ كبير. بهذا، يمكنه هو الآخر الانطلاق في السينما إلى أبعد حّد، مثلَ بلمومن وسفيان، إذا فُتحت لهم الأبواب المناسبة لدخول هذا العالم الواسع والضيّق في الوقت نفسه.

أفلام أخرى مشاركة امتلكت روح السينما وأبعادها، لكنْ بدرجات أقلّ من المتوسّط، وانحصرت ثيماتها في المشكلات الاجتماعية، كالبؤس والشقاء والفقر والحرمان والظلم، لتنتهي بخاتمة سعيدة، أي تحويل الحكايات المجتمعية من السرد الشفهي إلى السرد السينمائي، وبالتالي غُيِّب الجانب الفلسفي والثيمات العميقة، ما أنقصها وهجها الفني السينمائي الذي وجب توفّره، بعد محاصرتها بمنطلقات محلية. النتيجة؟ تجفيفها من البعد الإنساني، ما ضيّع على المخرجين والأفلام عنصر خلق لغة سينمائية وشعرية، تعطيها قيمتها الجمالية الكبرى.

"يمينة" لطارق سليمي مثلاً، الذي رأى أنّ القصة التي يعرفها يجب أنْ تروى، فغيّب فنيّتها وعناصرها الإبداعية، ما أسقط عنها التصنيف. و"الرحلة الأخيرة" لبلعمرية عمر، ذو السيناريو الضعيف، المدفوع بقصة حالمة، والباحث عن نهايات سعيدة. هناك الوثائقي "أصوات" لعبد المنعم لعجال، الذي غاب عنه الجانب الفني والحسّ السينمائي، و"فانتبلاك" لأكرم بن سعيد، الذي ركّز على الفكرة، وأعطاها بُعداً فلسفياً مُجرّداً، لكنّه ألغى الجانب البصري والخلق السينمائي.

لذا، وجب القول إنّ الفيلم السينمائي كُلٌّ متكامل، لا يمكن إغفال جانب منه، أو إهمال توجّه على حساب آخر. لكنّ الجائزة آليّةٌ جيدة، يمكن عبرها فهم الميول السينمائية للشباب، وتقديم قراءات عملية للتغطية على تلك النقائص، لخلق صورة سينمائية، وتوفير ظروف صناعة واقعية.

يُذكر أنّ هذه الجائزة، المؤسَّسة عام 2006، تُمنح سنوياً في الثامن من يونيو/حزيران، يوم "وفاة" الشاعر والفنان والمغنّي علي معاشي عام 1958 (مواليد 12 أغسطس/آب 1927)، الذي أُجبر، كشباب جزائريين كثيرين، على تأدية الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، الذي أعدمه بعد خطفه من حفلة موسيقية أحياها ورفاق له وهم يرتدون العلم الجزائري، فبات ذاك التاريخ يوماً وطنياً للفنان.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية