الشرق الأوسط بعد المواجهة بين إسرائيل وإيران
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

ما أن تضع الحرب الإيرانية- الإسرائيلية الأولى أوزارها حتى تسارع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية، والمؤسّسات البحثية والأكاديمية، ومراكز التفكير، لإجراء تقييمات متنوّعة لنتائجها وتداعياتها على أطراف الصراع المباشرين، موازين القوى الإقليمية، والرابحين والخاسرين من حرب الـ 12 يوماً، كما صار يحلو للرئيس ترامب تسميتها، فما أبرز نتائج الحرب وما التوقعات المستقبلية بشأنها؟

نبدأ من إيران، حيث يرجّح أن ينكفئ النظام على نفسه لمعالجة آثار الضربات التي ألحقت دماراً كبيراً بالبنية الدفاعية للبلاد، وهذا يعني أن إيران سوف تنشغل سنوات عديدة بإعادة بناء قدراتها العسكرية، خصوصاً دفاعاتها الجوية وبرنامجها الصاروخي، لأنها إذا لم تفعل فسوف تصبح ساحة مستباحة لإسرائيل، شأن سورية ولبنان والعراق. لكن هذا لن يكون شاغل النظام الوحيد، في الفترة المقبلة، فما أن تغيب أصوات الطائرات عن سماء طهران حتى يبدأ طرح الأسئلة الصعبة عن أسباب انهيار العقيدة الدفاعية للبلاد مرّة واحدة، وعن جدوى سياسات النظام الخارجية والأمنية، التي تقدر كلفتها بنحو 500 مليار دولار ما بين نفقات على البرنامجين، النووي والصاروخي، ودعم للحلفاء والوكلاء، يضاف إليها تكاليف العزلة والحصار وعقود من التنمية الضائعة. وفي بلدٍ لديه تاريخ طويل من الثورات (مرة كل عقد تقريبا) يرجّح أن يواجه النظام موجة من الاحتجاجات قد تكون أكثر اتساعا من أي مرحلة سابقة، يقودها سؤال "ماذا الذي جرى ولماذا؟". ويرجّح أن يكون هدف إسرائيل من تدمير سلاح الجو الإيراني، الضعيف أصلا، بما في ذلك المروحيات، وضرب مقرّات الحرس الثوري والباسيج، والشرطة والأمن العام، هو إضعاف قدرة النظام على مواجهة أي حركات تمرّد أو انفصال.

سوف تظهر بوضوح آثار ضعف إيران وانشغالها بنفسها في الفترة المقبلة في المشهد الداخلي في كل من لبنان والعراق وسورية واليمن وفلسطين، وهي مناطق أقامت فيها إيران لنفسها نفوذاً على امتداد العقود الماضية. يرجّح هنا أن ينتزع حلفاء إيران، خصوصاً في العراق ولبنان، هامش استقلال كبيرا عن المركز، وسوف يحاول بعضهم التأقلم مع الواقع الجديد والانخراط بشكل أكبر في البنى الداخلية لدولهم. وقد يذهب آخرون أبعد في الاستقلال عن القرار الإيراني، وقد يأخذون حتى توجّهات مختلفة تماماً عن التي تتبنّاها إيران. في فلسطين، يرجّح أن يصبح الوضع أكثر صعوبة مما هو عليه الآن، وقد تذهب إسرائيل نحو تبنّي سياسات قصوى في التعامل مع القضية الفلسطينية، في غزّة والضفة الغربية. وفي اليمن قد نشهد إعادة إطلاق العملية السياسية مع توقع أن يبدي الحوثي مرونة أكبر لإيجاد حل سياسي للصراع المستمر منذ سقوط صنعاء عام 2014.

إقليميا، سوف يؤدي إضعاف إيران إلى صعود الأدوار الإقليمية لتركيا خصوصاً (في عموم المشرق العربي، وآسيا الوسطى والقوقاز، والقرن الأفريقي)، وكذلك السعودية، وسوف تشعر المنطقة كلها بوطأة تنامي النفوذ الإسرائيلي (إنما ليس حد الهيمنة، كما يشاع)، وقد نشهد بداية تنافس قوي بين هذه الأقطاب الإقليمية الثلاثة، إنما تحت المظلّة الأميركية، مع تراجع أكبر لدور مصر، التي بدت وكأنها تخسر من إضعاف إيران بسبب تلاشي حاجة الخليج لها في موازنة الدور الإيراني. سوف تسقط، مع ضعف إيران، سردية "البعبع" الإيراني التي طالما غذّت سباق التسلح في الخليج، واستخدمتها الولايات المتحدة لدفع دوله إلى التطبيع مع إسرائيل، وإنشاء تحالف إقليمي في مواجهة إيران. وسوف تنتفي، كذلك، (نظرياً على الأقل) الحاجة إلى تخصيص موازنات هائلة للتسلح، كما تقل حاجة دول الخليج إلى قواعد عسكرية غربية، وضمانات أمنية، أميركية خصوصا، تكلف مليارات الدولارات سنوياً، وتسخيرها بدلاً من ذلك في عملية التنمية والبناء.

دولياً، سوف تراقب الصين وروسيا عن كثب تداعيات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الداخل الإيراني، ووضع إيران الإقليمي، ومع أن البلدين فشلا في تقديم أي دعم لإيران، خلاف البيانات الكلامية، إلا أنهما قد يلعبان أدواراً أكبر في حال تعرّض النظام نفسه لخطر السقوط. وسيشكل احتمال تغيير النظام الإيراني، واستبداله بنظام أقرب إلى الولايات المتحدة، كما حصل في سورية، أكبر ضربة تتعرّض لها المصالح الصينية والروسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب الباردة، بحيث يبدو أمامها سقوط نظام الأسد مجرّد تفصيل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية