
في ميناء الصيد البحري بمدينة قصيبة المديوني في تونس، ركن البحار عادل الفريقي قاربه الصغير معلناً توقفه عن نشاط الصيد إلى أجل غير معلوم، بعدما أصبحت مياه خليج المنستير عالية التلوث.
يقول الفريقي (48 عاماً) الذي يعمل في الصيد الساحلي منذ أكثر من 25 عاماً، لـ"العربي الجديد": "لم أتوقع يوماً أن تؤول الحياة البحرية في خليج محافظة المنستير إلى حالها هذه الأيام، بعدما تحوّل البحر على امتداد أكثر من 2.5 كيلومتر إلى بركة مياه آسنة لا تصلح لأي نشاط بحري أو للسباحة".
في خليج المنستير، أحد أشهر سواحل وسط تونس، استفاق أهالي مدينة قصيبة المديوني قبل أيام على فقدان مياه البحر لونها الطبيعي وتحوّلها إلى اللون الوردي، ما دفع المنظمات البيئية إلى المطالبة بإعلان الطوارئ بسبب درجة التلوث العالية في المنطقة البحرية.
وقالت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إن "تغيّر لون مياه البحر نتج من ظاهرة تكاثر الطحالب المجهرية التي تسببت في نفوق بعض الكائنات البحرية في خليج المنستير خلال أيام بين 18 و21 يونيو/ حزيران الجاري". وأوضحت أن "الظاهرة شملت السواحل من قصيبة المديوني إلى لمطة وصيادة جنوب شرقي خليج المنستير"، وأعلنت أنها كلّفت فريقاً يضم خبراء متخصصين بإجراء تحاليل فيزيائية وكيميائية وبيولوجية، وأن نتائج الاختبارات الأولية أظهرت أن الظاهرة الحالية، بخلاف تلك السابقة، نتجت غالباً من تكاثر البكتيريا المختزلة للكبريت التي تعود أساساً إلى تكاثر الطحالب المجهرية".
وأدت هذه العوامل، بحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلى انخفاض حاد في الأكسجين الذائب في المياه أو حتى انعدامه، ما تسبب في نفوق كائنات بحرية توجد في المنطقة.
أما الناشط في قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية محمد قعلول فيؤكد أن الوضع السائد على سواحل المنطقة نتج من رواسب ملوثات عمرها أكثر من 20 عاماً، ويشرح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "سواحل خليج المنستير كانت على مر عقود مكباً لنفايات المنطقة الصناعية ومياه الصرف الصحي، ما تسبب مع مرور السنوات في كارثة بيئية قد تنهي الحياة البحرية في المنطقة التي تعد واحدة من أهم مناطق الصيد البحري في تونس".
يضيف: "تسبب السكب العشوائي للمياه المستعملة في نفوق أنواع عدة من الكائنات البحرية على غرار السلطعون، وأصناف أخرى، إلى جانب تغيّر لون البحر في مشهد غير معتاد، ما أجبر الصيادين على ركن مراكبهم والاحتجاج في الشوارع".
ويعد الصيد البحري وفق الفريقي مصدر رزق لمئات من الأسر في خليج المنستير الذي يضم أربعة مرافئ للصيد البحري كانت تعرف بسخاء البحر ونوعية الأسماك الجيدة.
ويشير الفريقي إلى أن "معظم صيادي المنطقة يعتمدون على الصيد الساحلي، ويستعملون قوارب صغيرة الحجم في كسب رزقهم اليومي، لكن التلوث يُجبرهم على التخلي عن مهنة الصيد، والتحول إلى نشاطات أخرى أو البطالة".
ويعاني سكان مدن خليج المنستير منذ نحو 20 عاماً من التلوث الناجم عن محطة التطهير التي أصبحت خارج الخدمة منذ سنوات، ما خلّف تداعيات بيئية واقتصادية واجتماعية خطيرة لم تتدخل الجهات المعنية بالشأن البيئي لمعالجتها.
ويقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"العربي الجديد": "رغم الاتفاقات التي أبرمت مع المجتمع المدني بإشراف السلطات الجهوية والمركزية بقي الجزء الخاص بإغلاق المحطة وتحويلها إلى محطة ضخ غير مفعّل حتى الآن، ما جعل البحارة والأهالي في حالة احتقان كبيرة، نتيجة تكرر الانتهاكات البيئية".
ودعا المنتدى في بيان السلطات المعنية بالشأن البيئي إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، وإيقاف نزيف التلوث، وأيضاً إلى محاسبة كل الأطراف التي تسببت في هذه الكوارث البيئية، نتيجة تمسّكها بخيارات وسياسات بيئية فاشلة.
وأعتبر أن "غياب الإرادة السياسية في هذا الملف يخلق توتراً واحتقاناً اجتماعياً تتحمل مسؤوليته سلطة الإشراف المسؤولة عن الشأن البيئي".
في المقابل، يُبدي المدير العام للهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، محمد الرابحي، قلقه على سلامة الأسماك في المناطق المهددة بالتلوث البحري، ويؤكد وجود تأثيرات محتملة على الصحة العامة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كثفت الهيئة حملاتها الرقابية للتصدي لمحاولات ترويج أسماك يشتبه في أنها ملوثة، ونفوق الأسماك قد يكون ناجماً عن تراكم رواسب عضوية في البحر، نتيجة تصريف المياه المستعملة والأسمدة الكيميائية المحمّلة بمركبات أزوت وفوسفور".
وأوصت الهيئة الوطنية للسلامة الصحية بالإبلاغ فوراً عن أي تجاوزات تتعلق بسلامة المنتجات البحرية أو غيرها من المواد الغذائية. ويصف الخبير البيئي حمدي حشاد، في حديثه لـ"العربي الجديد" أسباب تحوّل لون المياه إلى الوردي والبنفسجي، بأنه "إنذار بيئي حقيقي، يؤكد التكاثر المفرط والمفاجئ لأنواع من الطحالب المجهرية، بعضها سام، وتسرّب مواد مؤذية تتضمن فوسفات ونترات".
ويشرح أن "التأثيرات المحتملة للظاهرة تبدأ في انخفاض نسبة الأكسجين في الماء، الذي يخنق الأسماك والكائنات البحرية، ويخلق مخاطر صحية على الإنسان، خاصة في حالات السباحة أو استهلاك أسماك ملوثة. وحذر من احتمال تحوّل هذه الحالة الاستثنائية إلى تهديد موسمي دائم.
