
تلقّفت الأسواق العالمية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بعد 12 يوماً من الهجمات المتبادلة وتدخل الولايات المتحدة بشن ضربة على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، لتخفت فورة أسعار النفط بشكل سريع، بعدما اشتعلت مع انطلاق أولى شظايا الحرب وأثارت مخاوف واسعة من تضرر الاقتصاد العالمي، ولا سيما الأميركي، كذلك هدأت أسعار الذهب الذي اندفع إليه المستثمرون كملاذ آمن، فيما صعدت أسواق الأسهم لتطل مجدداً برأسها بعدما انحنت للهبوط تحت وطأة شظايا الحرب المتطايرة.
وشهدت أسعار النفط تراجعاً حاداً إلى أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع، أمس الثلاثاء، على الرغم من أن الوضع لا يزال غامضاً مع استمرار الهجمات، مما هدّأ المخاوف من اضطراب الإمدادات في منطقة الشرق الأوسط المنتجة الرئيسية للنفط. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت صوب 69 دولاراً للبرميل متراجعة بأكثر من 4% خلال التعاملات، قبل أن تقلص الهبوط قليلاً، مسجلة أدنى مستوى لها منذ 11 يونيو/ حزيران الجاري قبل اندلاع الحرب بيومين. كذلك هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنحو 6% إلى أدنى مستوى له منذ التاسع من الشهر الجاري خلال التعاملات قبل أن تتقلص الخسائر إلى نحو 3% ليدور في نطاق 66 دولاراً للبرميل.
وقالت بريانكا ساشديفا كبيرة محللي السوق لدى شركة الوساطة فيليب نوفا: "إذا التزم الطرفان بوقف إطلاق النار كما أُعلن، فقد يتوقع المستثمرون عودة أسعار النفط إلى طبيعتها". وأضافت "في المستقبل، سيلعب مدى التزام إسرائيل وإيران ببنود وقف إطلاق النار المعلنة في الآونة الأخيرة دوراً مهماً في تحديد أسعار النفط". وإيران هي ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، وسيتيح خفض التصعيد لها تصدير المزيد من النفط ومنع اضطراب الإمدادات، وهو ما شكّل عاملاً رئيسياً في ارتفاع أسعار النفط في الأيام الماضية.
وهوت أسعار النفط بأكثر من 7% عند التسوية في جلسة الاثنين الماضي، بعد أن ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في خمسة أشهر عقب الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية (فوردو، نطنز، أصفهان) فجر الأحد الماضي، والذي أثار مخاوف من اتساع رقعة الصراع الإسرائيلي الإيراني.
وفاقمت الضربة الأميركية مخاوف أسواق النفط من إقدام إيران على غلق مضيق هرمز، ذلك الشريان الحيوي للإمدادات العالمية، أو حتى اللجوء إلى خيارات أخرى لا تقل تأثيراً. ولطالما هددت إيران على مر السنين بإغلاق المضيق، وهو ممر مائي ضيق تمر عبره خُمس إمدادات النفط العالمية يومياً بما يقارب 20 مليون برميل يومياً. ويُعد الإغلاق الكامل لمضيق هرمز لأكثر من بضع ساعات أو أيام سيناريو كارثياً، ذلك أنه سيؤدي إلى وقف التدفقات النفطية وارتفاع كبير في أسعار الخام، إذ توقع محللو بنك "جيه بي مورغان آند كو" ارتفاعاً يقارب 70%، ما سيؤجج التضخم العالمي ويثقل كاهل النمو الاقتصادي. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت خلال الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل بنحو 11%، فيما صعدت منذ بداية الشهر بنحو 18%.
وقبل الهجوم الأميركي على إيران، وضع محللون في شركة أوكسفورد إيكونوميكس للاستشارات ثلاثة سيناريوهات تتراوح بين خفض التصعيد في الصراع، والتعليق الكامل للإنتاج الإيراني، وإغلاق مضيق هرمز، وقالت المؤسسة في مذكرة إن "لكل منها تأثيرات كبيرة متزايدة على أسعار النفط العالمية". وأضافت أنه في أسوأ الحالات، ستقفز أسعار النفط العالمية إلى نحو 130 دولاراً للبرميل، لتدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 6% بحلول نهاية العام الجاري 2025.
وقالت إنه على الرغم من أن صدمة الأسعار ستؤدي حتماً إلى إضعاف الإنفاق الاستهلاكي بسبب تضرر الدخل الحقيقي، فإن أي فرصة لخفض أسعار الفائدة الأميركية هذا العام ستتدمر بسبب مدى زيادة التضخم والمخاوف من تداعيات لاحقة من التضخم". وقبيل الضربة الأميركية، كثفت صناديق التحوط رهاناتها على نفط برنت بأعلى وتيرة منذ أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2024. وزاد مديرو الأموال صافي مراكزهم الشرائية للمرجع العالمي بمقدار 76 ألفاً و253 عقداً إلى 273 ألفاً و175 عقداً، في الأسبوع المنتهي في 17 يونيو/ حزيران الجاري، وفقاً لبيانات بورصة "آي سي إي فيوتشرز يوروب". في المقابل، هبط عدد المراكز البيعية إلى أدنى مستوى له في أكثر من أربعة أشهر. ويبدو أن المتداولين كانوا يتحوّطون من احتمال نشوب مواجهة أوسع في الشرق الأوسط أو من اضطراب التدفقات عبر مضيق هرمز، ما عزّز ميل المراكز الاستثمارية للرهان على الصعود، وهو ما تجلّى بالفعل الأسبوع الماضي.
لكن ما إن جرى الإعلان عن وقف إطلاق النار، تنفّست الأسواق العالمية الصعداء، فقد ارتفعت الأسهم الأوروبية بأكثر من 1%، حيث تدعم التهدئة معنويات المستثمرين عالمياً وإقبالهم على أسواق الأسهم. كذلك صعدت مؤشرات الأسهم الآسيوية، حيث ارتفع مؤشر "نيكي 225" الياباني بنسبة 1%. ونما مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 1.7%، وارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.9%. وصعد مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3% ومؤشر "ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200" الأسترالي بنسبة 0.9%.
في الأثناء ارتفعت العقود الآجلة الأميركية، إذ زادت عقود مؤشري "ستاندرد آند بورز 500" و"داو جونز" الصناعي بنسبة 0.5%. وكانت مؤشرات الأسهم الأميركية قد أغلقت تعاملاتها الاثنين على صعود، حيث ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 1%. وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.9%، كما زاد مؤشر ناسداك المركب بنسبة مماثلة.
وبينما يعود المستثمرون إلى أسواق الأسهم، يهدأ بريق الذهب الذي شهد صعوداً كملاذ آمن مع تصاعد التوترات خلال الأيام الماضية. وانخفضت أسعار المعدن النفيس الفورية بنحو 0.5% هلال تعاملات، أمس، إلى حوالي 3353 دولار للأونصة (الأوقية). ويُعد تصاعد التوترات الجيوسياسية واحداً من أبرز العوامل التي دفعت الذهب للصعود بنسبة 28% منذ بداية العام الجاري 2025، إلى جانب المخاوف من الأثر الاقتصادي للرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، وزيادة مشتريات البنوك المركزية من المعدن النفيس.
