
لا تبدو إسرائيل مقتنعة بأنها أنهت البرنامج النووي الإيراني، أخّرته ربما، لكنها لم تنه التحدي الأساسي الذي ما زال يشكّل هاجسها الأبرز في المنطقة، ولا الولايات المتحدة اقتنعت بأن إيران بصدد تغيير خياراتها أو العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أقل، كما أن إيران لم تقتنع بأنّها "ثأرت" بالقدر الكافي لما لحقها من خسائر في سلسلة القادة وبنيتها النووية التي تضرّرت، ولا اقتنع أحد بأن هذه الحرب غيّرت موازين، لكن قناعة تولّدت بكثافة بأن هذه المواجهة يجب أن تتوقف عند هذا الحد، وأن هناك حاجة لوقف إطلاق نار الضرورة.
ما توقف هو المواجهة التي دامت 12 يوماً، والطرفان المعنيان بشكل مباشر، طهران وتل أبيب، تحدّثا عن "وقف لإطلاق النار"، ما يعني وقفاً للعمليات العسكرية، يترجم في المعنى السياسي على أنه "هدنة"، ذلك أن هذه الحرب من ذلك النوع الذي تبقى كل الأسباب الممكنة لاستئنافها قائمة. فما زال لدى تل أبيب، كما واشنطن، أكثر من سبب لمهاجمة طهران، ولطهران ما لا ينتهي من الأسباب أيضاً.
في الغالب، حسابات الحروب تختلف عن أي حسابات أخرى، لا يجري جرد الخسائر - إلى حد ما - على أساس مادي صرف، إلا إذا كانت ذات علاقة بمسائل حيوية. التقييم المركزي يرتبط بالمكاسب السياسية الأكثر أهمية وتأثيراً، وبتقييم سريع، يمكن أن تكون إسرائيل حققت مكاسب ولا شك، لكن يحسب لإيران أنه على مدى 12 يوماً في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة لوجستياً وسياسياً من الولايات المتحدة، دافعت عن نفسها ونجحت في توجيه ضربات مؤلمة إلى داخل الكيان فاقمت من انكشافه، ولا شك في أن تأثيراتها على المجتمع الإسرائيلي من حيث تكثيف قلقه الوجودي ومفاقمة هواجسه الأمنية المعقدة ماثلة وستبرز بشكل أكبر في المستقبل القريب.
لكن التحدي الأبرز بالنسبة لإيران الآن تصحيح علاقاتها مع جوارها العربي والإقليمي، خصوصاً بعد خطيئة الهجوم على قاعدة العديد في قطر التي أثارت استياء واسعاً داخل الدوحة وخارجها، والاستفادة من زخم المواقف والمزاج العربي الذي كان يميل لصالح دعم إيران، أو على الأقل لم يكن يتمنّى هزيمتها. وسيكون من المؤسف القول إن إسرائيل ظلت في كل تجارب الحروب والمواجهات السابقة الأنجح في الاستثمار السياسي للنتائج، حتى في الحالات التي تخسر فيها ميدانياً. وسيكون على عاتق إيران أيضاً منع إسرائيل من استثمار هذه المواجهة لصالحها في الإقليم.
لم تكن غزة عنواناً في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على نحو بارز، لكنها كانت حاضرة بشكل ما، ولم يكن أي تقدير بحاجة إلى جهد للربط بين المسارين من حيث السياق والدوافع. ما يمكن أن يكون محل نقاش الآن هو انعكاسات هذه المواجهة على الحرب الإسرائيلية على غزة، وما إذا كانت تأثيرات الضربة الإيرانية في الداخل الإسرائيلي ستدفع بنيامين نتنياهو إلى القبول بصفقة تعيد الأسرى، بما يعزز مكاسبه من وجهة نظره، المنطق السياسي يقول بذلك، وإن كان نتنياهو بلا عقل ولا منطق.

أخبار ذات صلة.
