
ناقش وزير المالية السوري محمد يسر برنية خلال لقاء له مع سفير السعودية فيصل بن سعود المجفل في دمشق، آفاق التعاون الاقتصادي والمالي ومسارات الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين، وفق ما أعلنت وزارة المالية السورية اليوم الثلاثاء. ولفتت الوزارة إلى أن الطرفين شددا على تشجيع الاستثمارات الخاصة وتوفير البيئة المواتية، ونقل المعرفة والخبرة والتجربة السعودية.
وحول اللقاء، أوضح الباحث الاقتصادي مجد أمين لـ"العربي الجديد" أن لقاء وزير المالية السوري مع السفير السعودي "لا يمكن النظر إليه كمجرد بروتوكول دبلوماسي، بل هو امتداد واضح لمسار سياسي واقتصادي جديد بين دمشق والرياض"، لافتاً إلى أن هذا المسار اتسم منذ سقوط نظام الأسد بإشارات سعودية متكررة إلى رغبة جادة في دعم استقرار سورية سياسياً واقتصادياً.
وأضاف أمين: "يمكن القول إن السعودية كانت اللاعب الأبرز في إعادة فتح المسار الدولي أمام سورية. فقد دفعت بفاعلية نحو إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات الاقتصادية، وهي خطوة لم تكن لتتحقق لولا الجهد السعودي المتواصل". وتعد الخطوة السعودية للإسهام في رفع العقوبات عن سورية "أكبر دعم اقتصادي حقيقي"، وفق ما أشار أمين، لأنها أزالت العوائق التي كانت تمنع التدفقات المالية، وفتحت الباب أمام الشركات الخليجية والدولية للنظر في الاستثمار في سورية، كذلك سمحت بتمويل رواتب الموظفين من قبل السعودية وقطر. ويأتي اللقاء، وفق أمين، في سياق تحركات أوسع تشمل مشاورات اقتصادية وأمنية، وهو إشارة واضحة إلى أن السعودية تتبنى الآن مقاربة تنموية طويلة الأمد تجاه سورية، بهدف دعم الاستقرار ومنع الفوضى.
وقال أمين إن تطوير العلاقات بين البلدين "بحاجة خطوات متكاملة، منها اتفاقيات رسمية لحماية الاستثمارات وضمان الحقوق القانونية، وتعديل القوانين السورية لتحسين البيئة الاستثمارية وجذب رؤوس الأموال، وتعديل القوانين السورية لتحسين البيئة الاستثمارية وجذب رؤوس الأموال. بالإضافة إلى إعادة دمج سورية في النظام المالي العالمي (مثل العودة لنظام SWIFT)، وتنفيذ مشاريع نموذجية مشتركة تعزز الثقة، وتطوير الربط اللوجستي والتجاري بين الموانئ السورية والسعودية". أما أبرز القطاعات التي يمكن التعاون فيها بين البلدين، وفق أمين، فهي قطاعات الطاقة والكهرباء، لأن "سورية تعاني من نقص حاد في إمدادات الكهرباء نتيجة تدمير البنية التحتية خلال سنوات الحرب"، موضحاً أن التعاون السعودي يمكن أن يشمل بناء محطات توليد كهرباء جديدة.
وإلى جانب قطاع الطاقة، أشار أمين إلى التعاون في مجال الزراعة والأمن الغذائي، فـ"سورية تمتلك أراضي زراعية واسعة وخصبة، لكنها متضررة، وبحاجة لتقنيات ري حديثة وتطوير زراعي. يمكن للسعودية الاستثمار في مشاريع زراعية متقدمة، مستفيدة من التكنولوجيا والخبرة في الإدارة الزراعية، لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، ما يدعم الأمن الغذائي في كلا البلدين". ولفت إلى أهمية التعاون في القطاع المالي والمصرفي، لكون السوق المالية السورية بحاجة إلى تحديث وهيكلة جديدة بعد سنوات الأزمة. و"يمكن للسعودية تأسيس بنوك وشركات تمويل مشتركة تقدم حلولاً مصرفية متطورة، خصوصاً في مجال التمويل الإسلامي، والتأمين، وتسهيل عمليات تحويل الأموال، ما يدعم بيئة الأعمال ويسهل حركة رؤوس الأموال بين البلدين".
ووفق الباحث الاقتصادي ذاته، من القطاعات المهمة أيضاً التي يمكن التعاون فيها بين البلدين "البنى التحتية والاتصالات والتكنولوجيا، لكون شركات المقاولات السعودية تمتلك خبرة واسعة في مشاريع البناء الكبرى. يمكنها الإسهام في إعادة إعمار المستشفيات، المدارس، الطرق، الجسور، والمطارات، بالإضافة إلى إنشاء مجمعات سكنية حديثة، ما يسرع عملية إعادة البناء ويوفر فرص عمل كبيرة في سورية، ومن ناحية أخرى تحتاج سورية إلى تحديث بنيتها التحتية الرقمية وتطوير قطاع الاتصالات. يمكن للسعودية المساعدة في نشر شبكات الألياف الضوئية، بناء مراكز بيانات حديثة، وتوفير خدمات الإنترنت عالية الجودة. كذلك دعم مشاريع التعليم الرقمي والحكومة الإلكترونية، لتعزيز التحول الرقمي في سورية".
وعن أهمية الدعم الاقتصادي السعودي والتعاون في سورية، أوضح المتحدث ذاته أن السعودية تُعَدّ لاعباً اقتصادياً إقليمياً ودولياً مهماً، وتبرز أهميتها لسورية للأسباب الآتية: أنها تمتلك فوائض مالية قادرة على تمويل مشاريع ضخمة، وتمتلك شبكة علاقات دولية تساعد على إعادة إدماج سورية في الاقتصاد العالمي، كذلك فإنها كانت الدافع الرئيسي وراء رفع العقوبات الأميركية، وأسهمت مباشرة مع قطر في تمويل رواتب الموظفين الحكوميين السوريين، وتعد شريكاً موثوقاً في مجالات الطاقة والإعمار والتنمية". وأكد أمين أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذا التعاون، منها الوضع الأمني الداخلي الهش في بعض المناطق السورية، وغياب إصلاحات قانونية كاملة لحماية المستثمرين، ضعف الجهاز الإداري والإرث البيروقراطي، ومخاوف المستثمرين من عودة عدم الاستقرار، والرقابة الدولية التي تشترط الشفافية والإصلاح مقابل تدفق الأموال.

أخبار ذات صلة.
