
تصدّر السوريون قائمة المغادرين من تركيا خلال العام الجاري، بنحو 273 ألف شخص، وفقاً لتصريحات رسمية أدلى بها مؤخراً نائب الرئيس التركي، جودت يلماظ. وتشير عضو اللجنة التركية السورية المشتركة، إيناس النجار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى احتمال وصول عدد اللاجئين السوريين العائدين من تركيا إلى وطنهم إلى نحو مليون شخص.
في المقابل، لم تُسجّل تركيا خلال الأيام الماضية من الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران، موجات نزوح كبيرة من الجانب الإيراني. وبحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" من المعابر الحدودية بين البلدَين، لم يتجاوز عدد الداخلين من إيران إلى تركيا يومياً ألفي شخص، بعضهم من رعايا دول أجنبية، كما لم يتوقف العبور المعاكس من تركيا إلى إيران، إذ عاد العديد من الحجاج والتجار الذين كانوا قد دخلوا قبل اندلاع الحرب، إلى جانب بعض السائحين الإيرانيين.
غير أن هذا ليس سوى جزء من المشهد في تركيا التي تحوّلت، منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي" وتصاعد النزاعات في أفريقيا، إلى وجهة رئيسية للهاربين من نيران الحروب، أو للحالمين بعبور الحدود نحو القارة الأوروبية بطرق غير قانونية، وفق ما يؤكده مدير "أكاديمية الفكر للدراسات" في إسطنبول، باكير أتاجان.
ويضيف الباحث التركي لـ"العربي الجديد" أن تركيا استقبلت، خلال العقدين الماضيَين، أكثر من 5 ملايين لاجئ من مناطق الحروب والثورات، قبل أن تعمل على تقنين اللجوء وتشديد الرقابة على حدودها للحد من الهجرة غير النظامية، وهو ما تسبب لها في العديد من المشكلات، سواء مع الأوروبيين الذين اشتكوا من تسهيلات أنقرة التي أدّت إلى عبور مهاجرين غير نظاميين إلى بلدانهم، أو حتى داخل تركيا نفسها، خاصة في ظل تراجع مستوى المعيشة، وغلاء الأسعار، وارتفاع نسب البطالة، ويؤكد أن ورقة اللاجئين استُغلّت سياسياً من بعض أحزاب المعارضة خلال كل استحقاق انتخابي داخلي، لكنّها اليوم بدأت تغيب عن الخطاب السياسي، في ظل تراجع مستوى العنصرية التي غذّتها تلك الأطراف في وقت سابق.
وحول مسألة الإيرانيين وتوقعات قدومهم، يشير الباحث التركي إلى أن توقّف الحرب يوم أمس ألغى هذه الفرضية، موضحاً أن تركيا لم تكن الخيار الوحيد للإيرانيين خلال الأسبوعين الماضيين من التصعيد، إذ فضّل بعضهم التوجّه إلى باكستان أو أفغانستان، فيما اختار آخرون أرمينيا، وجورجيا أو أذربيجان، أما الإيرانيون المنحدرون من أصول تركية، فقد فضّلوا التوجه إلى ولاية فان التركية، لقربها الجغرافي من مدينة تبريز الإيرانية.
في المقابل، تشير البيانات الرسمية التركية إلى تراجع وتيرة الهجرة باتجاه تركيا، وكذلك الخروج منها. وتعزو عضو اللجنة التركية السورية المشتركة إيناس النجار هذا التراجع إلى حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها بعض بلدان "الربيع العربي"، إضافة إلى تشدّد السلطات التركية في ضبط الحدود ومنع دخول اللاجئين بطرق غير نظامية، والتزامها بالاتفاقيات الموقعة مع الدول الأوروبية بشأن الهجرة واللجوء.
وتظهر بيانات حديثة نشرها معهد الإحصاء التركي (TÜİK) ضمن تقرير "إحصاءات الهجرة الدولية 2024"، تراجعاً ملحوظاً في أعداد المهاجرين الوافدين إلى تركيا والمغادرين منها، مقارنة بعام 2023، وسط هيمنة فئة الشباب على حركة التنقل الدولية، وتصدر إسطنبول مشهد الهجرة في كلا الاتجاهين.
وبحسب البيانات الرسمية، التي نشرتها وسائل إعلام تركية اليوم، فقد انخفض عدد المهاجرين إلى تركيا بنسبة 0.6% مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 314,588 شخصاً، يشكّل الرجال منهم نحو 54.5%. ويتوزع الوافدون بين 103,732 مواطناً تركياً، و210,856 من الرعايا الأجانب، ما يعكس هيمنة الأجانب على موجة الهجرة إلى البلاد.
أما بخصوص الهجرة من تركيا إلى الخارج، لا سيّما نحو أوروبا وألمانيا تحديداً، فتُؤكد البيانات الرسمية أنها شهدت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 40.6% خلال عام 2024، إذ غادر البلاد نحو 424,345 شخصاً، شكّل الرجال منهم 55.7%، وتُظهر المعطيات أن المواطنين الأتراك مثّلوا 35.6% من إجمالي المهاجرين، مقابل 64.4% من الأجانب.
وتلفت البيانات إلى أن فئة الشباب هي الأكثر حركة عبر الحدود، إذ شكّلت الفئة العمرية بين 20 و24 عاماً النسبة الأكبر من الوافدين إلى تركيا بنسبة 14.7%، في حين تصدّرت الفئة العمرية بين 25 و29 عاماً أعداد المغادرين من البلاد بنسبة 14.4%.
وظلت إسطنبول الوجهة الأكثر تفضيلاً وأهم بوابة للهجرة إلى تركيا، إذ استقبلت 32.8% من إجمالي المهاجرين الوافدين، تلتها أنطاليا بنسبة 8.5%، وأنقرة بنسبة 7.4%، ومرسين 5.5%، وإزمير 3.7%، كما كانت إسطنبول المصدر الأكبر للمهاجرين المغادرين إلى الخارج بنسبة 34%، تلتها أنقرة، وأنطاليا، وإزمير، ومرسين بنسب متفاوتة.
وحول الجنسيات الوافدة إلى تركيا والمغادرة منها، أشارت البيانات إلى أنّ الأذربيجانيين احتلّوا المرتبة الأولى بين الجنسيات الأجنبية الوافدة إلى تركيا بنسبة 9.9%، يليهم مواطنو تركمانستان بنسبة 9.8%، وأوزبكستان بنسبة 7.6%، وروسيا بنسبة 7.5%، وإيران بنسبة 5.9%. أما في قائمة المغادرين من تركيا، فتصدّر العراقيون النسبة الأكبر بنسبة 17.4%، تلاهم الأفغان بنسبة 13.1%، ثم الروس بنسبة 10.2%، والإيرانيون بنسبة 5.9%، وتركمانستان بنسبة 5.8%.
ووفقاً للباحث باكير أتاجان، فإن البيانات الرسمية الحالية تبرز اليوم تصدّر السوريين قائمة المغادرين من تركيا، في حين يظل الإيرانيون، رغم قلة أعداد الفارين من الحرب، من أبرز الفئات التي دخلت تركيا خلال الشهر الماضي.
