
شهدت مسيرة العديد من المدربين في عالم كرة القدم سجالات حادة مع لاعبيهم داخل غرف تغيير الملابس باستمرار، ما خلق أجواءً متوترة تؤثر سلباً في استقرار الأندية والمنتخبات على حد سواء.
ويعيش مدربو كرة القدم تحت ضغط مستمر، بين رهانات النتائج والتطلعات الجماهيرية، غير أن ما لا يراه الكثيرون من خارج الملعب، أن التحدي الأكبر في حياة المدرب لا يكمن فقط في رسم الخطط التكتيكية، أو تحسين الجوانب البدنية والفنية للفريق، بل في القدرة على إدارة مجموعة من اللاعبين داخل غرفة تغيير الملابس، حيث تتداخل الشخصيات والطموحات. لذلك، تُعد العلاقة مع النجوم الكبار في الفريق واحدة من أكثر المهام تعقيداً، خصوصاً حين يتعلق الأمر بلاعبين معتادين الألقاب والتتويجات، ممن يشعرون أحياناً بأنهم فوق السلطة الفنية، أو أنهم أكبر من التعليمات. وفي مثل هذه الحالات، قد تتحول غرف تغيير الملابس من فضاء محفّز إلى ساحة صراعات صامتة، يختبر فيها المدرب قدراته القيادية وحنكته في احتواء التمردات، لضمان استقرار الفريق وتماسكه في أوقات الشدّة.
ويُعد المدرب البرتغالي، جوزيه مورينيو (62 عاماً) من أبرز الأسماء التي عُرفت بمشاكلها المتكررة مع النجوم داخل غرف تغيير الملابس خلال مسيرته، ولعل أشهرها خلافه مع حارس المرمى الإسباني، إيكر كاسياس (44 عاماً)، خلال فترة تدريبه لريال مدريد، بعدما اتهمه بشكل غير مباشر بتسريب أسرار غرف الملابس إلى وسائل الإعلام من خلال زوجته الإعلامية. هذا التوتر أدى إلى إبعاد كاسياس عن التشكيلة الأساسية، وخلق شرخاً داخل الفريق. كذلك دخل مورينيو في صدام مع لاعب الوسط التركي، مسعود أوزيل (36 عاماً)، ما دفع المدافع الإسباني، سيرخيو راموس (39 عاماً)، إلى إظهار تضامنه مع زميله في الريال آنذاك، بارتداء قميصه تحت القميص الرسمي في إحدى المباريات، في رسالة تحدٍّ للمدرب البرتغالي.
وكما هو الحال مع المدرب مورينيو، لم تخلُ مسيرة المدرب الإسباني، بيب غوارديولا (54 عاماً)، من صراعات داخل غرف تغيير الملابس مع بعض النجوم، إذ برزت خلافاته الشهيرة خلال إشرافه على برشلونة، مع المهاجم الكاميروني، صامويل إيتو (44 عاماً)، الذي اشتكى من تهميشه، رغم مساهمته الكبيرة في تتويجات الفريق، وكذلك مع النجم السويدي، زلاتان إبراهيموفيتش (43 عاماً)، الذي لم يخفِ استياءه من طريقة تعامل غوارديولا معه، ووصفه لاحقاً في مذكراته بشخص "عديم الجرأة في المواجهة". ولم تتوقف التوترات عند أسوار برشلونة، بل امتدت إلى مانشستر سيتي، حين دخل غوارديولا في صراع شهير مع لاعب الوسط الإيفواري، يايا توريه (41 عاماً)، الذي اتهم مدربه صراحة بالتمييز العنصري ضد اللاعبين الأفارقة، ما أثار ضجة إعلامية كبيرة آنذاك، رغم نفي المدرب للأمر.
وعاش المدرب الهولندي، إريك تين هاغ (55 عاماً) بدوره أزمة شهيرة مع المهاجم البرتغالي، كريستيانو رونالدو (40 عاماً)، خلال فترة إشرافه على مانشستر يونايتد الإنكليزي، إذ بلغ الخلاف ذروته بعد قرار المدرب بإبعاد النجم المخضرم عن الفريق الأول، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في الأوساط الرياضية والإعلامية، وانتهى في الأخير بفسخ عقد اللاعب بالتراضي. ولم تقتصر هذه الأزمات على الأندية فحسب، بل امتدت لتضرب المنتخبات الوطنية أيضاً. فقد شهد المنتخب البلجيكي تمرداً لافتاً من الحارس تيبو كورتوا (33 عاماً)، الذي أعلن انسحابه المؤقت من القائمة، احتجاجاً على المدرب الألماني - الإيطالي، دومينيكو تيديسكو (39 عاماً).
أما في بولندا، فقد اندلعت خلافات قوية بين المدرب ميخال بروبيرتش (52 عاماً) ونجم الفريق، روبرت ليفاندوفسكي (36 عاماً) في غرفة تغيير الملابس، بعدما سُحبت منه شارة القيادة، ما دفع الهداف التاريخي للمنتخب إلى إعلان مقاطعته لتشكيلة بلاده، وهو ما تسبب في ضغوط إعلامية وشعبية دفعت الاتحاد البولندي في النهاية إلى الوقوف إلى جانب نجمه، وأُجبر بروبيرتش على تقديم استقالته.
وعلى صعيد آخر، ينجح بعض المدربين في فرض سيطرتهم الكاملة على غرف تغيير الملابس بنسبة كبيرة، رغم امتلائها بالنجوم وأصحاب الأسماء الثقيلة، مستندين في ذلك إلى شخصيتهم القوية، إلى جانب رصيدهم من النجاحات والتجارب. ويُعد المدرب الفرنسي زين الدين زيدان (52 عاماً) مثالاً بارزاً على هذا النوع من القادة، إذ لم يُسجل خلال فترته مع نادي ريال مدريد أي صراع علني مع نجوم الفريق، رغم إشرافه على كوكبة من أبرز اللاعبين في العالم، وتمكّن زيدان من كسب احترام الجميع، ليقود الفريق الملكي إلى تحقيق ثلاثة ألقاب متتالية في دوري أبطال أوروبا بين 2016 و2018، إلى جانب عدة تتويجات محلية.
وعلى غرار زيدان، يُجيد المدرب الإيطالي، كارلو أنشيلوتي (66 عاماً)، فن تسيير غرف الملابس بأسلوبه الهادئ والمتوازن، إذ يحرص على معاملة لاعبيه كأب قبل أن يكون مدرباً، ويمنحهم مساحة من الحرية داخل إطار منضبط يضمن الاستقرار. ويُعتبر أنشيلوتي من أكثر المدربين المحبوبين لدى اللاعبين، ويُعرف بقدرته على امتصاص التوتر وإبعاد المشاكل. غير أن هذه المقاربة، رغم نجاعتها في غالب الأحيان، لم تُجنّبه بعض الانتقادات، خصوصاً في فترات الأزمات، إذ يُؤخذ عليه التراخي في اتخاذ قرارات حاسمة، وهو ما دفع إدارة ريال مدريد في مناسبات معينة إلى التدخل لاحتواء الخلافات وفرض الانضباط، كما حدث قبيل مواجهة أرسنال، في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لموسم 2024-2025.
ووسط هذه النماذج المتكررة عبر الأندية الكبرى، تتجه الأنظار حالياً نحو المدرب الإسباني، تشابي ألونسو (43 عاماً)، الذي يخوض حالياً تجربته الجديدة على رأس الجهاز الفني لنادي ريال مدريد، إذ سيكون على موعد مع اختبار حقيقي في كيفية تسيير غرفة تغيير الملابس مع مجموعة تعجّ بالنجوم. وبخلاف المدرب الألماني، هانسي فليك (60 عاماً)، الذي يبدو أنه وجد أرضاً خصبة في برشلونة لفرض أفكاره، نظراً لغياب الأسماء الثقيلة، واعتماده على لاعبين شبان، فإن مهمة ألونسو ستكون أكثر تعقيداً، نظراً لحجم الأسماء داخل غرفة الملابس في النادي الملكي، على غرار الفرنسي كيليان مبابي (26 عاماً)، والبرازيلي فينيسيوس جونيور (24 عاماً)، والإنكليزي جود بيلنغهام (22 عاماً)، ومواطنه الوافد الجديد ألكسندر أرنولد (26 عاماً).
وسيكون أمام ألونسو خياران لا ثالث لهما: إما المضي على خُطى الإيطالي كارلو أنشيلوتي في اعتماد نهج التهدئة واحتواء النجوم وتسيير المجموعة بعقلانية، بما يسمح له بكسب ثقة اللاعبين وتوفير مناخ تنافسي متوازن، وإما الدخول في مواجهة مباشرة لكسب السيطرة الكاملة على "أم المعارك" داخل غرفة تغيير الملابس، من أجل فرض شخصيته وتمرير أفكاره الفنية والتكتيكية، التي نجح في تطبيقها خلال تجربته اللافتة مع باير ليفركوزن الألماني.

أخبار ذات صلة.
