المساعدات الإنسانية في غزّة فخاً للإبادة!
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

أتابع تفاصيل الفوضى التي اندلعت عقب توزيع المساعدات في غزّة، والتي تديرها جماعة مثيرة للجدل مدعومة أميركيًا، حيث يهرع يوميًا آلاف الغزيين اليائسين لاستلام الإمدادات الغذائية، بينما تطلق القوات الإسرائيلية النار صوبهم.

بعد 11 أسبوعًا من الحصار المُتواصل، أعلنت إسرائيل استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة، لكن عبر آلية مذلّة تنتهك كرامة الإنسان وتُعرّض حياته للخطر. يُجبر آلاف الفلسطينيين على السير لمسافاتٍ طويلة تحت الشمس الحارقة للوصول إلى نقاط التوزيع، حيث يصطفون في طوابير لساعات وسط فوضى عامة، بينما تحوم طائرات الاحتلال وتطلق النار فوق رؤوسهم، ما أدى إلى وقوع مجازر متكرّرة قرب مراكز توزيع المساعدات.

في مشهد يُجسّد أقصى درجات التناقض الإنساني، تحوّلت نقاط توزيع المساعدات التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للناجين إلى بؤر خطر دائم. فمنذ استئناف عمليات التوزيع في أواخر مايو/ أيار الماضي، قُتل أكثر من 300 فلسطيني وأُصيب آلاف آخرون في حوادث متكرّرة وقعت بمحيط هذه المراكز، وفق ما أفادت به وزارة الصحة الفلسطينية وتقارير صادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA).

تأتي هذه الأرقام في ظلّ آلية جديدة لتوزيع المساعدات، تديرها جهة تُدعى "مؤسسة غزة الإنسانية"، بدعم مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، حسب تقارير صحافية وتحقيقات ميدانية. ورغم ادّعاء هذه الآلية أنها تهدف لتسهيل الإغاثة، إلا أنها تُنفّذ في مناطق مفتوحة غير آمنة، تحت مراقبة مكثّفة من الطيران الإسرائيلي، وفي غياب أيّ إشراف دولي مباشر من وكالات مثل الأونروا أو الصليب الأحمر.

تحوّلت نقاط توزيع المساعدات التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا للناجين إلى بؤر خطر دائم

أمام هذا الواقع، يجد الغزيون أنفسهم أمام خيارين مريرين: الموت جوعًا أو المجازفة بالموت أثناء محاولة الحصول على المساعدات. وتبرز شهادات ميدانية تؤكّد غياب التنظيم في تلك النقاط، وتحدّثت عن حواجز وأسلاك شائكة وتفتيش مُهين، فضلًا عن القنص المباشر أو إطلاق النار التحذيري الذي غالبًا ما يتحوّل إلى نيران قاتلة.

في هذا السياق، حذّرت منظمات حقوقية دولية كـ"هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" من خطورة الوضع، مشيرة إلى أنّ استخدام المساعدات كسلاح سياسي أو أداة إذلال يُعدّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة إذا اقترن باستهداف المدنيين أثناء تلقي الإغاثة.

ما يُثير القلق أنّ هذا الواقع لم يأتِ من فراغ، بل يعكس عقلية إسرائيلية موثّقة منذ سنوات. فقد صرّح المستشار السابق لرئيس الوزراء إيهود أولمرت، دوف فايسغلاس، في عام 2006 لصحيفة هآرتس، بأنّ الهدف هو "جعل الفلسطينيين يتبعون حمية غذائية دون أن يموتوا من الجوع". هذا التصريح، رغم قِدَمه، يبدو أنه لا يزال يُترجم اليوم على الأرض من خلال ممارسات تجويع منهجية لا يمكن تجاهلها.

لا معنى لأي إغاثة تُعرّض الإنسان للهلاك، ولا جدوى من مساعدات تفقد هدفها حين تنتهي بالموت

في المقابل، تنفي إسرائيل مسؤوليتها عن حالات القتل، وتُحمّل الفصائل الفلسطينية أو الفوضى الجماهيرية المسؤولية، بحسب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في تصريحات لـ"رويترز". كما تزعم أنها تفتح ممرات آمنة لتسهيل توزيع المساعدات، إلا أنّ الصور الجوية ومقاطع الفيديو المُتداولة توثّق فوضى ميدانية مروّعة ومشاهد دامية.

ورغم هذه الادعاءات، فإنّ الحقائق على الأرض تتحدّث بلغة مختلفة. فوفق تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة (OCHA) صادر في يونيو/حزيران 2025، فإنّ 90% من سكان غزّة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما تُستخدم آلية التوزيع الراهنة كوسيلة ضغط سياسي تحت عنوان "الإغاثة".

بينما تتحمّل إسرائيل المسؤولية الأساسية كونها قوّة احتلال، فإنّ الدعم الأميركي لهذه السياسات يُثير تساؤلات كبيرة من الناحية الأخلاقية والسياسية. فاختيار واشنطن إيصال المساعدات عبر طرق بديلة، من دون التعاون مع جهات أممية مثل الأونروا، يطرح شكوكًا حول مدى صدق النيات الإنسانية، واحتمال وجود أهداف سياسية خلف هذه التحرّكات.

لا شك في أنّ قطاع غزّة يمرّ بإحدى أشدّ مراحل الحصار فتكًا، لكن المفارقة القاسية أنّ المساعدات، بدل أن تكون شريان حياة، باتت تُدار كأدوات ضغط وقتل غير مباشر. وبينما يُفترض أن يكون هدف الإغاثة هو حماية الحياة والكرامة، تتحوّل "المعونات" اليوم إلى فخاخ موت معلن تُنصب بغطاء دولي.

في الختام، ما يحتاجه سكان غزّة ليس مجرّد مساعدات غذائية مشروطة بالخطر والمهانة، بل منظومة إنسانية عادلة تضمن وصول الدعم من دون تهديد للحياة. إنّ رفع الحصار بشكل شامل، وإعادة تفعيل الآليات الدولية المحايدة، يُعدّان شرطين أساسيين لتأمين استجابة إنسانية تحقّق الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة. فلا معنى لأي إغاثة تُعرّض الإنسان للهلاك، ولا جدوى من مساعدات تفقد هدفها حين تنتهي بالموت.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية