
في تطور قضائي يعيد إلى الواجهة واحدة من أبرز قضايا الكسب غير المشروع المرتبطة برموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك، قرر المستشار محمد أبو زيد سليم، رئيس محكمة استئناف طنطا وعضو مجلس القضاء الأعلى، إحالة قضية ورثة وزير مجلسي النواب والشيوخ والأمين العام للحزب الوطني المنحل كمال الشاذلي إلى المحاكمة في القضية رقم 24 لسنة 2017 حصر تحقيق كسب غير مشروع، إلى الدائرة الأولى بمحكمة الجنايات الاستئنافية لجرائم أمن الدولة.
وتعقد المحكمة برئاسة المستشار خالد الشباسي، جلسة مرتقبة بتاريخ 13 يوليو/تموز المقبل. وبدأ التحقيق بالقضية، بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بتوجيه اتهام رسمي لأبناء الوزير الراحل كمال الشاذلي وهم معتز، ومحمد، ومنى، وأحد أقاربه إيهاب ناصف خليفة، بالإثراء غير المشروع والتربح من المال العام. ونسب المحققون إلى مورثهم، استغلال منصبه السياسي والنيابي لتحقيق ثروة طائلة لا تتناسب مع مصادر دخله المشروعة، ثم انتقال هذه الثروة إلى أفراد عائلته.
وشملت التحقيقات السابقة اتهام "ناصف"، بإخفاء ممتلكات منسوبة إلى الشاذلي الأب وأبنائه، عبر كتابة بعض الأصول باسمه بهدف تمويه الجهات الرقابية والقضائية، وهي التهم التي تضمنت طمس أدلة كسب غير مشروع ومساعدة آخرين على الإفلات من المساءلة القانونية.
وكان جهاز الكسب غير المشروع قد أصدر قراراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحق أبناء كمال الشاذلي الثلاثة والمتهم إيهاب ناصف، بعد ردهم مبالغ مالية ضخمة قدرت بعشرات الملايين من الجنيهات وأراضٍ مملوكة للدولة، بعضها يقع في مواقع سياحية وصناعية، مثل بحيرة قارون بمحافظة الفيوم غرب العاصمة وأخرى بمحافظتي القاهرة والمنوفية.
وجاء في القرار استبعاد نيرة محمد أمين عامر، أرملة الشاذلي، من لائحة المتهمين، بعدما بادرت برد ما نُسب إليها من ممتلكات محل التحقيق، كجزء من مسار تصالحي كان متبعاً وقتها مع عدد من المسؤولين السابقين المتهمين في قضايا مشابهة، غير أن النائب العام وقتها، وبموجب ما نص عليه القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع، تقدم بطعن رسمي على القرار الصادر من جهاز الكسب، استناداً إلى المادة 15 من القانون ذاته، التي تلزم الجهاز بإخطار النائب العام بالأمر الصادر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى خلال 7 أيام من صدوره، مع منحه الحق في الطعن خلال 30 يوماً.
وقبلت محكمة الجنايات الطعن المقدم من النيابة العامة، وألغت قرار الجهاز، معتبرة أن هناك شبهة استمرار وجود ممتلكات وأموال لم يجر ردها إلى الدولة، وهو ما يستوجب إعادة تحريك الدعوى من جديد. وعلى هذا الأساس، أُعيدت أوراق القضية إلى رئيس محكمة الاستئناف الذي حدد جلسة 13 يوليو/تموز المقبل للنظر بها من قبل الدائرة المختصة بمحاكمة جرائم الكسب غير المشروع، مع التأكيد على ضرورة إعلان المتهمين ومثولهم شخصياً أمام المحكمة في تلك الجلسة.
وبحسب ما ورد في التحقيقات الأصلية التي أجراها جهاز الكسب غير المشروع في عام 2011، فقد تبين أن الوزير الأسبق كمال الشاذلي، الذي ظل لثلاثة عقود أهم أعمدة نظام "مبارك"، حيث شغل مناصب برلمانية وتنفيذية رفيعة، استغل نفوذه السياسي والنيابي لتحقيق ثروة ضخمة تمثلت في أراضٍ وعقارات وأموال سائلة، بعضها جرى تسجيله باسم أفراد أسرته أو بتحويل ملكيته إلى مقربين منهم.
وأثبتت تقارير الخبراء وتحريات هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة أن الشاذلي تحصل على أصول مالية وعقارية لا تتسق مع الدخل المعروف للراحل، الذي قضى حياته في العمل السياسي عضواً بارزاً بمجلس الشعب ووزيراً للدولة ورئيساً سابقاً للمجالس القومية المتخصصة.
وتسلط هذه القضية الضوء مجدداً على مسألة تضارب القرارات بين جهات التحقيق المختلفة، من جهاز الكسب غير المشروع إلى النيابة العامة، وصولاً إلى محكمة الجنايات، بما يفتح النقاش حول طبيعة التوازنات داخل المنظومة القضائية في التعامل مع الملفات ذات الحساسية السياسية والتاريخية.
