
أثار تصويت البرلمان الإيراني لصالح مشروع قانون يجيز إغلاق مضيق هرمز، أول من أمس الأحد، موجة من القلق الدولي، خاصة أن المضيق يعد شريان الطاقة الأهم عالمياً، إذ يعبره نحو خُمس صادرات النفط العالمية يومياً، ما يعني أن أي تحرك إيراني لإغلاقه سيشكل زلزالاً اقتصادياً لدول الخليج والأسواق العالمية على حد سواء.
القرار النهائي لا يزال بانتظار مصادقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ويأتي ذلك في وقت عملت فيه بعض دول الخليج في السنوات الأخيرة على تطوير بدائل جزئية لتصدير النفط بعيداً عن المضيق، مثل "خط أنابيب الشرق–الغرب" في السعودية، وخط أنابيب أبوظبي الذي يصل إلى ميناء الفجيرة على بحر العرب، إلا أن هذه البدائل لا تغطي سوى جزء محدود من الكميات المصدرة عبر هرمز.
فالسعة القصوى لخطوط الأنابيب البديلة لا تتجاوز ربع الكميات التي تمر يومياً عبر المضيق، ما يعني أن أي إغلاق فعلي سيؤدي إلى تقليص صادرات النفط الخليجية بشكل حاد، مع ما يرافق ذلك من خسائر مالية مباشرة تقدر بمليارات الدولارات يومياً، وفقاً لما أورده تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز".
حماية منشآت النفط
على صعيد الإجراءات الاحترازية، فقد كثفت دول الخليج من تنسيقها الأمني مع القوات البحرية الغربية، خصوصاً الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين، كما عززت من قدرات الدفاع الجوي حول منشآت النفط والغاز الرئيسية، بحسب ما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مصادر خليجية مطلعة، لافتة إلى أن هذه الإجراءات تظل ذات طابع دفاعي، إذ إن أي هجوم إيراني واسع النطاق على منشآت الطاقة الخليجية سيقود إلى ردات فعل دولية عنيفة، وربما إلى مواجهة عسكرية مفتوحة في الخليج.
ورغم كل هذه الاستعدادات، لا تزال معظم التحليلات الغربية تميل إلى أن خيار الإغلاق الكامل للمضيق يبقى "ورقة ضغط قصوى" في يد إيران، ولن تلجأ إليه إلا إذا شعرت بأن أمن نظامها مهدد بشكل وجودي، خاصة بعد الضربات الأخيرة التي استهدفت منشآتها النووية، وفقاً لما أوردته شبكة CNN.
مع ذلك، فإن مجرد التلويح الإيراني بخيار إغلاق مضيق هرمز يكفي لرفع منسوب التوتر في الأسواق، ودفع الدول المستوردة للنفط الخليجي للبحث عن بدائل عاجلة، ولو كانت أكثر تكلفة وأقل كفاءة، بحسب إفادة خبيرين لـ "العربي الجديد".
خطوة انتحارية وبدائل غير مجدية
في هذا الإطار، يشير الخبير في مركز استشارات اقتصادية بلندن، علي متولي، لـ "العربي الجديد"، إلى أن مضيق هرمز يشهد مرور نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، ما يعني أن إغلاقه سيؤدي إلى ارتفاع فوري في الأسعار قد تصل تتجاوز تقدير الـ 130 دولاراً، إلى 150 دولاراً إذا استمر الإغلاق لفترة طويلة.
ويضيف متولي أن دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، ستكون الأكثر تأثراً بهذا السيناريو، إذ ستشهد إيراداتها انخفاضاً حاداً، ما يزيد الضغوط على موازناتها المالية، خاصة في حال تحول هذا الإغلاق إلى حالة مستمرة، ما يؤدي إلى عجز مالي مزمن تواجه معه هذه الدول تحديات كبيرة في إدارة ميزانياتها العامة.
ورغم ذلك، ينبّه متولي إلى أن دول الخليج لديها بعض البدائل لتخفيف الاعتماد على مضيق هرمز، منها "خط أنابيب الشرق–الغرب" في السعودية، الذي تبلغ طاقته "النظرية" 7 ملايين برميل يومياً، لكنه يعمل حالياً بنحو نصف طاقته، وربما يواجه تحديات لوجستية في تحمل كامل الصادرات.
وفي الإمارات، يساهم خط أنابيب الفجيرة بقدرة تصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً في تخفيف حدة الاعتماد على مضيق هرمز، لكنه لا يمثل حلّاً كاملاً، بحسب تقدير متولي، لافتاً إلى أن البدائل الإقليمية الأخرى مثل خط "سوميد" في مصر، و"تابلاين" في العراق تحتاج إلى تحديث وإعادة تأهيل لتكون قادرة على المنافسة وتحمل جزءاً من التدفق البترولي، لكن حتى مع وجود هذه الخيارات تبقى الطاقة التحويلية بعيدة جداً عن المستوى المطلوب لاستبدال مضيق هرمز.
ويرى متولي أن التهديد الإيراني بإغلاق المضيق يمثل خياراً استراتيجياً محتملاً، لكن تنفيذه العملي سيكون "خطوة انتحارية"، بحسب تعبيره، إذ يؤثر بشكل مباشر على صادرات إيران نفسها، ويهدد أمنها المالي، فضلاً عن احتمال تدخل عسكري دولي.
وحتى اللحظة، لم تتحول التهديدات بإغلاق المضيق إلى إجراء واقعي، لكن تصاعد التوترات قد يدفع إيران إلى اتخاذ خطوات رمزية مثل التلويح بالإغلاق أو تقليل الشحنات، بهدف ممارسة الضغط السياسي، وليس لإحداث إغلاق شامل، بحسب تقدير متولي، لافتاً إلى أن دول الخليج تعمل على تنفيذ إجراءات أمنية احترازية، مثل الإمارات التي عززت رقابتها عبر نشر منصات بحرية في الفجيرة، وتسيير دوريات بحرية لمراقبة حركة الملاحة.
ويخلص متولي إلى أن أي إغلاق طارئ لمضيق هرمز من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع سريع في أسعار النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل مؤقتاً، لكن في حال تراجع التصعيد فإن السوق قادرة على التعافي بسرعة، بفضل الاحتياطيات الاستراتيجية المتوافرة، وسعة خطوط التصدير الإضافية التي يمكن تفعيلها.
ورقة تفاوضية وأزمة مالية عميقة
في السياق، يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، نهاد إسماعيل، لـ "العربي الجديد"، إلى أن إغلاق مضيق هرمز من أبرز الأوراق التفاوضية الاستراتيجية التي تمتلكها إيران، لكن تنفيذ هذا القرار لا يزال رهناً بحسابات دقيقة ومعقدة، موضحاً أن التوقعات ترجح عدم لجوء إيران إلى هذه الخطوة، لـ 3 أسباب رئيسية: الأول هو أن تصدير النفط الإيراني البالغ نحو مليوني برميل يومياً سيتوقف بشكل مباشر.
ويتمثل السبب الثاني، بحسب إسماعيل، في أن تصدير النفط من دول الخليج، بما فيها السعودية والكويت والإمارات وقطر، وكذلك النفط العراقي من حقول الجنوب، سيتوقف أيضاً، أي ما يعادل 18 إلى 20 مليون برميل يومياً، كما أن تصدير الغاز الطبيعي المسال من قطر سيتعرض لشلل كامل.
أما السبب الثالث فيتمثل، بحسب إسماعيل، في عدم ترحيب الصين، أكبر مستورد للنفط الإيراني، بهذه الخطوة، لما قد يترتب عليها من خسائر مباشرة على الاقتصاد الصيني، الذي يعتمد على استقرار الإمدادات النفطية.
ويعتبر إسماعيل أن تنفيذ هذا الإغلاق سيكون بمثابة دعوة مباشرة للولايات المتحدة للتدخل العسكري، خاصة مع وجود الأسطول الخامس الأميركي في المنطقة، ما قد يكون عاملاً رادعاً أمام إيران.
ومن هنا، يرجح إسماعيل أن تصويت البرلمان الإيراني لصالح إغلاق المضيق لا يعكس بالضرورة قراراً عملياً، بل رسالة تحذيرية تهدف إلى الضغط من أجل حل دبلوماسي أكثر منه تهديداً تنفيذياً.
وينبّه إسماعيل، في هذا الصدد، إلى أن تداعيات إغلاق المضيق ستكون وخيمة على العالم كله، وليس على دول الخليج فقط، إذ سترتفع أسعار النفط لتلامس مستوى 130 دولاراً، وفقاً لتقديرات عدد من البنوك الاستثمارية الكبرى مثل "جي بي مورغان"، وسينعكس هذا الارتفاع على تكلفة إنتاج السلع التي تعتمد على النفط، مثل المنتجات البتروكيماوية، وعلى تكاليف الشحن البحري ورسوم التأمين، التي تراوح علاوتُها بين 8 و10 دولارات لكل برميل.
ستنتقل هذه الأعباء الإضافية إلى المستهلك النهائي في أماكن متعددة حول العالم، خاصة في اليابان والولايات المتحدة والشرق الأوسط، ما يؤدي، وفق إسماعيل، إلى ارتفاع معدلات التضخم، ويمنع البنوك المركزية من خفض أسعار الفائدة المرتفعة، ما يزيد من أعباء الديون على الدول النامية والفقيرة، وكذلك على المقترضين الأفراد.
ويلفت إسماعيل إلى أن خطوة إغلاق مضيق هرمز لن تضر فقط باقتصادات الخليج، بل ستخلق أزمة مالية عميقة في موازناتها العامة، فأيضاً في حال وصل سعر برميل النفط إلى 200 دولار، لن تستفيد دول الخليج منها إذا لم تتمكن من التصدير بسبب الإغلاق.
وفي السيناريو الأكثر سوءاً، وفق تقدير إسماعيل، إذا ما استمر الإغلاق لأسابيع، فمن المؤكد أن ذلك سيؤدي إلى تصعيد عسكري متبادل، ويزيد من حالة عدم اليقين، وقد يدفع العالم إلى ركود اقتصادي أسوأ مما شهده خلال أزمة جائحة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية.

أخبار ذات صلة.
