
أصدر فريق مرصد فيرا روبين الجديد في تشيلي أوّل صوره، الاثنين، والتي أظهرت مقدرة غير مسبوقة على التقاط أعماق الكون المظلمة، وذلك بفضل كاميرته الرقمية التي تعتبر الأقوى في العالم، بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وأظهرت إحدى الصور سحب غاز وغبار ملونة في منطقة تكوّن النجوم على بُعد تسعة آلاف سنة ضوئية من كوكب الأرض، وهو ما ينبئ بأن التلسكوب الجديد قد يغيّر فهمنا للكون. يتوقع العلماء أن يكون "فيرا روبين" قادراً على اكتشاف الكويكبات القاتلة الموجودة على مسافة قريبة من الأرض، كما على رسم خريطة أوضح لمجرة درب التبانة، إضافةً إلى المساعدة في إيجاد أجوبة حول حول المادة المظلمة التي تشكل الكون.
بدأت مهمة التلسكوب العملاق الممول من الولايات المتحدة، بعد أكثر من عقدين من العمل، على قمة جبل سيرو باتشون في وسط تشيلي، حيث توفر السماء المظلمة والهواء الجاف ظروفاً مثالية لرصد الكون. فيما تشارك بريطانيا في عمليات المسح، وتستضيف مراكز بيانات لمعالجة اللقطات فائقة الدقة أثناء تصوير التلسكوب للسماء.
Introducing...your sneak peek at the cosmos captured by @NSF–@doescience Vera C. Rubin Observatory!
— NSF-DOE Rubin Observatory (@VRubinObs) June 23, 2025
Can you guess what regions of sky they are?
This is just a peek...join us at 11am US EDT for your full First Look at how Rubin will #CaptureTheCosmos!https://t.co/1a74X2edp8 pic.twitter.com/DE3tx2RQI4
وسُمي المرصد تيمناً بعالمة الفلك الأميركية الرائدة فيرا سي روبين، التي قدّمت أبحاثها أوّل دليل قاطع على وجود المادة المظلمة، وهي مادة غامضة تُمارس تأثيراً جاذبياً على المجرات. ويُعتقد أن المادة المظلمة والطاقة المظلمة تُشكّلان معاً 95% من الكون، إلا أن طبيعتهما الحقيقية لا تزال مجهولة.
وقالت عالمة الفلك الإسكتلندية كاثرين هيمنز، لـ"بي بي سي": "عملت شخصياً للوصول إلى هنا طوال 25 عاماً. لعقود، أردنا بناء هذه المنشأة الهائلة وإجراء هذا النوع من المسح"، لافتةً إلى أن "فيرا روبين" قادرٌ أن يزيد عدد الأجرام المعروفة في نظامنا الشمسي 10 أضعاف. وفي غضون 10 ساعات فقط من الرصد، اكتشف التلسكوب 2104 كويكبات لم تُرصد من قبل في نظامنا الشمسي، بما في ذلك سبعة أجسام قريبة من الأرض، وجميعها لا تُشكّل أي تهديد. فيما تكتشف جميع المراصد الأرضية والفضائية الأخرى مجتمعةً نحو 20 ألف كويكب جديد طوال العام.
لطالما اعتبر جبل سيرو باتشون موقعاً مثالياً لمشاهدة النجوم، وهو ما جعله مركزاً لعددٍ من المراصد المخصصة للأبحاث الفضائية، حيث يعد الحفاظ على الظلمة لرصد السماء أمراً مقدساً. في مرصد فيرا روبين، توجد وحدة هندسية مهمتها ضمان إظلام القبة المحيطة بالتلسكوب، منعاً لتداخل أضواء أخرى مع أضواء سماء الليل.
أوضحت العالمة إيلانا أورباخ، لموقع بي بي سي، أن أحد أهم أهداف المرصد هو "فهم تاريخ الكون"، مما يعني القدرة على رؤية المجرات الخافتة أو انفجارات المستعرات العظمى التي حدثت "قبل مليارات السنين"، مضيفة: "لذلك، نحن بحاجة ماسة إلى صور فائقة الوضوح".
مميزات تلسكوب فيرا روبين
صمّم المرصد الذي يبلغ وزنه 2800 كيلوغرام، بشكل فريد وعناية شديدة، وهو يقوم على ثلاث مرايا رئيسية. يدخل الضوء إلى التلسكوب من سماء الليل، ويصطدم بالمرآة الرئيسية التي ببلغ قطرها 8.4 أمتار، ثم ينعكس على المرآة الثانية، وقطرها 3.4 أمتار، وبعدها على المرآة الثالثة (4.8 أمتار) قبل أن يدخل الكاميرا. لكن للحصول على صور ذات نوعية عالية، يتوجب الحفاظ على المرايا في حالة ممتازة، فحتى ذرة غبار واحدة قد تؤثر على الجودة.
تتيح الانعكاسية العالية والسرعة العالية للتلسكوب التقاط كمية كبيرة من الضوء، وهو أمر مهم جداً لرصد الأشياء من مسافات بعيدة جداً، بحسب خبير البصريات العامل في المرصد، غييم ميجياس. كما يتميز بكاميرا تبلغ دقتها 3200 ميغابيكسل، ما يجعله قادرةً على التقاط صورة كرة غولف على سطح القمر.
على مدار السنوات الـ10 المقبلة، ستلتقط الكاميرا داخل التلسكوب كل ثلاثة أيام صوراً متكررة لسماء الليل لإجراء مسح كامل للمكان والزمان. في هذه الفترات سيلتقط "فيرا سي" صورةً كل 40 ثانية تقريباً، لمدة تتراوح بين 8 و12 ساعة في الليلة الواحدة، وذلك بفضل إعادة التمركز السريع للقبة المتحركة وحامل التلسكوب.
وقال ميجياس: "كانت لحظة مميزة للغاية عندما التقطنا أول صورة"، مضيفاً: "عندما بدأت العمل على هذا المشروع، التقيت بشخص يعمل عليه منذ عام 1996، أنا من مواليد عام 1997، وهو ما جعلني أدرك أن هذا مشروع جيلٍ كامل من علماء الفلك".
مهمات منتظرة
سيتولى مئات علماء الفلك حول العالم تحليل البيانات والصور الواردة من المرصد، والتي من الممكن أن تبلغ ذروتها 10 ملايين تنبيه في الليلة الواحدة.
من المتوقع أن يعمل المرصد على أربعة مجالات: رسم خرائط التغيرات في السماء أو الأجرام العابرة، وتكوين مجرة درب التبانة، ورسم خرائط النظام الشمسي، وفهم المادة المظلمة التي تشكل الكون. وهو سيقوم بمسح نفس المناطق مراراً وتكراراً، وفي كل مرة يرصد فيها تغييراً، سينبه العلماء. بحسب هيمنز فإن هذه الميزة "جديدة وفريدة"، وتسمح لعلماء الفلك "بالحصول على معلومات لم يفكروا بإمكانية الوصول إليها من قبل".
كذلك، من الممكن أن يساعد "فيرا روبين" في حماية الأرض من الأجسام الخطرة التي قد تقترب بشكل فجائي من كوكب الأرض، بما في ذلك الكويكبات مثل "واي آر 4" الذي أثار مخاوف من اصطدامه بالأرض لفترة وجيزة مطلع العام الحالي.
"خطوة ثورية" في اكتشاف الفضاء
واعتبرت عالمة الفلك والأستاذة في جامعة دورهام، آليس ديسون، أن انطلاق المرصد "خطوة ثورية"، مضيفةً: "ستكون لدينا أكبر مجموعة بياناتٍ الإطلاق لمجرتنا، ما يشكل دفعة للعمل الذي نقوم به منذ سنواتٍ طويلة".
ستكون ديسون واحدة من العلماء الذي سيتولون تحليل صور "فيرا روبين" لتحديد مدى بُعد النجوم المتواجدة في مجرة درب التبانة. في الوقت الحالي، تعود معظم بيانات النجوم إلى 163 ألف سنة ضوئية، لكن "فيرا روبين" يستطيع الرؤية حتى 1.2 مليون سنة ضوئية. كذلك، توقعت ديسون أن ينجح المرصد في التقاط هالة درب التبانة النجمية، أو مقبرة النجوم التي دُمرت بمرور الوقت، بالإضافة إلى المجرات الصغيرة الخافتة للغاية والتي يصعب العثور عليها.
بدورها، قالت العالمة هيمنز لـ"بي بي سي": "سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لفهم كيفية عمل هذا المرصد الجديد الرائع. لكنني مستعدٌّ تماماً لذلك".

أخبار ذات صلة.
