المدرجات الزراعية.. إرث يجسد براعة المزارع اليمني
تقارير وتحليلات
منذ 5 ساعات
مشاركة

تُعد المدرجات الزراعية المعلقة في قمم الجبال شاهدًا حيا على براعة الإنسان اليمني منذ العصور الغابرة، حيث أبدع في نحتها وتشييدها بطرق هندسية مبهرة، ولا يزال يتفنن في تشييدها، وتجديد البناء المتميز فيها حتى وقتنا الحاضر.

في جبال إب الخضراء، كما في المحويت وصنعاء وحجة وريمة، تتناثر هذه المدرجات كلوحات فنية طبيعية، تأسر الناظرين بجمالها الأخّاذ، وهي تتدرج على هيئة حلقات خضراء متناغمة، تبدأ من أعالي القمم وتنحدر بانسياب نحو السفوح، في مشهد بديع يختزل عراقة الزراعة اليمنية وروعة الطبيعة الجبلية.

البدايات الأولى

تشير المصادر التاريخية إلى أن البدايات التاريخية الأولى لفكرة المدرجات الزراعية تعود إلى قرون ما قبل الميلاد بعد أن تحول الإنسان من حياة الصيد وما رافق ذلك من انعدام للاستقرار إلى حرفة تساعد الإنسان على البقاء.

وشيد اليمنيون القدماء المدرجات الزراعية لزراعة الحبوب المتنوعة كالذرة الرفيعة والذرة الشامية والبقوليات وغيرها من خلال الاستفادة من مياه الأمطار الموسمية في بلد يخلو من الأنهار ويعاني منذ الأزل من شحة الموارد المائية.

 

المدرجات الزراعية.. إرث متجدد يحكي براعة الإنسان اليمني
المدرجات الزراعية في مناطق الأعبوس بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن(محمد الخرباش -فيسبوك)

يقول الخبير الزراعي اليمني الدكتور محمد الغشم إن” إنشاء المدرجات الزراعية في الجبال الشاهقة كانت ضرورة ملحة للإنسان القديم ولاتزال هذه الضرورة الملحة قائمة إلى اليوم”.

وأضاف في حديث لمنصة ريف اليمن :”تكمن الضرورة لوجود هذه المدرجات في الاعتماد المتنامي لسكان المناطق الجبلية في اليمن وخاصة في المناطق الوسطى والشمالية والذين يشكلون غالبية سكان البلاد على الزراعة في حياتهم”.

كما أن إيصال مياه الري إلى أعالي الجبال ليس أمرا سهلاً فكان لابد من المدرجات لتحقيق الاستفادة القصوى من الأمطار الموسمية حيث لم تكن هذه المدرجات من نتاج الطبيعة، بل كانت تقنية متعمدة من السبئيين القدامي لأحداث نهضة زراعية كبيرة.

تراث متجدد

ويؤكد المهندس الزراعي عبدالكريم ناصر أن استغلال المناطق الجبلية شديدة الوعورة وتطويعها كأراضي زراعية  من خلال بناء هذه المدرجات وتقديم نموذج مميز في هندسة البناء الزراعي الذي لايزال تراثا حيا ومتجددا في حياة اليمنيين .

ووفقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2014 فان مساحة اراضي المدرجات الزراعية في اليمن حوالي 661,504 الف هكتار ومساحة الاراضي الزراعية المزروعة بالمحاصيل قرابة 1,1 مليون هكتار.

وبحسب المركز الوطني للمعلومات تحتل الجبال في اليمن قرابة 18٪ من المساحة الإجمالية للبلاد ويعيش فيها حوالي 70٪ من السكان المعتمدين على الزراعة كمصدر للدخل بحسب التعداد السكاني لسنة 2004.

أساليب البناء

أخذت المدرجات الزراعية في اليمن شكلها الجمالي الحالي بعد مرورها بعدة مراحل عبر أزمنة مختلفة، وتشير المصادر التاريخية إلى انه لم يكن يوجد هناك جدران للمدرجات مبنية من الأحجار العادية في بداية الأمر إذ أن عملية البناء بالأحجار تطورت مع اتساع حاجة الإنسان للتربة.

وأصبحت الجدران الحجرية المشيدة بإحكام حالياً أهم ما يميز المدرجات والتي تحتل كل متر مربع توجد فيه تربة في سفوح الجبال إذ يقول المهندس عبدالكريم ناصر إن:” المنحدرات الصخرية التي توجد فيها سطور من التربة استخدمت كذلك لبناء المدرجات ناهيك عن المناطق الصخرية الأقل انحداراً”.

ويضيف:” عند إنشاء المدرجات يُحدد مسار المدرج من أعلى المنحدر – القمة – ثم المدرج الذي يليه وصولا إلى أسفل الجبل حيث يتم بناء الجدران الحجرية بطريقة منظمة يختلف ارتفاعها بحسب مستوى انحدار سفح الجبل وبتلك الطريقة المميزة في البناء أمكن الحفاظ على تلك المدرجات وجعلتها قادرة على الاستمرار لعدة قرون لتكون شاهدا حيا على تراث غابر لايزال ينبض بالحياة رغم تقلبات الأيام”.

حفظ التربة

تساهم المدرجات الزراعية في تسهيل العملية الزراعية في الجبال والتضاريس الجغرافية شديدة الوعورة ، وبحسب الدكتور محمد الغشم فإن من أبرز المهام التي تؤديها المدرجات تتمثل في صيانة التربة وحمايتها من الانجراف والتعرية وحفظ مياه الأمطار والحد من انسيابها السطحي وتسربها الداخلي.

كما تعمل على تغذية الينابيع والجداول باستمرارية تدفقها ودعم الاحتياط المائي في الآبار السطحية وتحسين خواص التربة الفيزيائية والكيميائية ورفع خصوبتها فضلا عن أهميتها في الحفاظ على التنوع الحيوي والنباتي والحيواني ودعمه وحماية الطرقات الجبلية من الانهيار وتسهيل عملية الصرف والري وضبط جريان مياه الأمطار.

 

The post المدرجات الزراعية.. إرث يجسد براعة المزارع اليمني first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية