
في مشهد يقطر ألمًا وتراجيدية، عثرت الأجهزة الأمنية المصرية على جثث ثلاثة أطفال صغار، وُجدوا مخنوقين داخل إحدى الفيلات الهادئة بمدينة الشروق، شرق القاهرة، في جريمة هزّت المجتمع المصري برمّته، وأعادت إلى الواجهة الأسئلة المؤلمة عن العنف الأسري، والانهيار النفسي، ومصير الأطفال في غياب شبكة حماية فعالة.
كان البلاغ الذي ورد إلى قسم شرطة الشروق مختلفًا في نبرته ووقعه، لم يكن من أحد الجيران، ولا من شهود فزعوا لصراخ أو دخان، بل جاء من قلب العاصفة نفسها: من الأم. بصوت منهك ومتهدج، اتصلت بالشرطة لتخبرهم بما اقترفت يداها، وكأنها تفرّ من جحيم داخلي أشدّ قسوة مما ينتظرها في أروقة التحقيقات وساحات المحاكم. حين وصلت قوة أمنية إلى موقع البلاغ في إحدى الفيلات الراقية بالحي الخامس بالشروق، كان الهدوء مطبقًا على المكان، لا أصوات بكاء، ولا حركة أطفال، فقط الأم -وهي سيدة أعمال في الأربعين من عمرها- تجلس في حالة شبه صامتة على درجات السلم الداخلي للفيلا، وقد أسندت رأسها إلى الجدار، عيناها جافتان من الدموع، ويداها ترتعشان دون مقاومة.
عثر رجال المباحث على الأطفال الثلاثة -طفلين وطفلة- وقد فارقوا الحياة بالفعل، جثامينهم ممددة في غرف النوم، وآثار الخنق واضحة على أعناقهم الصغيرة، لم يكن ثمة فوضى في المكان، لا دماء، لا مقاومة، بدا كأنهم ناموا ولم يصحوا، في مفارقة مأساوية مع ما حدث في الواقع. جرى نقل الجثامين إلى مشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة، في حين بدأت النيابة وفرق الطب الشرعي المعاينات اللازمة.
بحسب ما كشفته التحريات الأولية التي أجرتها الأجهزة الأمنية، فإن الأم -وهي المتهمة الوحيدة حتى اللحظة- اعترفت تفصيليًّا بقتل أطفالها الثلاثة خنقًا، مؤكدة أنها تمر منذ فترة ليست قصيرة بحالة نفسية سيئة، وقد أفادت التحقيقات الأولية بأن السيدة لم تكن مدفوعة بعداء لأطفالها، ولا لسلوكياتهم، وإنما باضطراب نفسي عميق جعلها ترى في فعلتها مخرجًا، أو ربما "خلاصًا جماعيًّا" من ألم لا تستطيع تحمّله. اقتيدت الأم إلى قسم الشرطة للتحقيق معها، وجرى تحرير محضر رسمي بالواقعة، فيما بدأت النيابة العامة استجوابها في الاتهامات المنسوبة إليها، في انتظار تقرير الطب الشرعي الذي قد يلقي مزيدًا من الضوء على توقيت الوفاة، وطريقتها، وما إذا كان الأطفال قد خُدّروا قبل الخنق، أم لا.
أسئلة مؤلمة على أبواب النيابة في جريمة قتل
تُعيد هذه الجريمة البشعة تسليط الضوء على صراعات نفسية غير مرئية تعيشها بعض الأسر خلف أبواب مغلقة، وتُطرح من جديد تساؤلات مُرّة: ما حجم الدعم النفسي المتاح للأمهات العالقات بين العمل والتربية والوحدة؟ وهل هناك تقصير مجتمعي في التقاط إشارات الانهيار قبل فوات الأوان؟ ومن يحاسب حين تكون الجريمة ابنة الاكتئاب، والخنق وسيلة "لإنقاذ" أطفال من عذاب متوهم في عقل أم مكسور؟ وفي الوقت الذي ستأخذ فيه العدالة مجراها، وتنتظر الأم مصيرها خلف القضبان، تبقى الحقيقة الأكثر قسوة هي أن ثلاثة أطفال رحلوا مبكرًا جدًّا عن هذا العالم، لا لذنب اقترفوه، بل لأن أقرب الناس إليهم -من كان يفترض أن يكون ملاذهم الآمن- أصبح مصدر خوفهم الأخير.. ونهايتهم.

أخبار ذات صلة.
