السويداء: جرائم قتل وانتشار للعنف بسبب السلاح العشوائي
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

شهدت محافظة السويداء في جنوب سورية وقوع سبع حوادث قتل منفصلة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، نجم عنها مقتل تسعة أشخاص بينهم أطفال ونساء وإصابة فتاة، نتيجة استخدام السلاح الخاطئ وإطلاق نار خلال مشاجرات في مؤشر على تفاقم أزمة انتشار السلاح غير المنضبط.

وتوزعت الحوادث خلال الأيام الأربعة الفائتة على النحو التالي:

  • الأربعاء 18 يونيو/حزيران: وفاة الشاب دانيال حمد سالم صلاح (25 عاماً) إثر إصابته برصاصة في القلب، ووثق الطبيب الشرعي الحادثة باعتبارها "خطأ باستخدام السلاح".
  • الخميس 19 يونيو: أصيب شادي مروان عزام بطلق ناري في البطن خلال إطلاق نار مجهول المصدر، بعد نشوب خلاف تطور لاستخدام السلاح قرب الملعب البلدي.
  • الجمعة 20 يونيو: لقيت الطفلة هيا طالب المنور (10 أعوام) مصرعها بطلقة اخترقت صدرها ورأسها داخل منزلها. وأصيب الشاب فارس حسين أبو سرحان (17 عاماً) من قرية لبين في الريف الغربي للمحافظة، بطلق ناري أثناء تنظيفه سلاحاً خاصاً. كما عُثر على جثة ميسون خير (30 عاماً) مقتولة بطلق ناري وملقاة على الطريق بالقرب من قرية سهوة الخضر بعد رميها من سيارة مجهولة.
  • السبت 21 يونيو: توفي الشاب مثنى علاء الغجري بعد إصابته بطلقة في العنق داخل منزله في حي الكوم بمدينة السويداء. كما توفيت الشابة أماني زيد أبو شميس وأصيبت ابنتها ميار بإطلاق نار داخل المنزل، ليتبين أن زوجها هو من قام بإطلاق النار عليهما، ليقتل بدوره في مساء اليوم ذاته ثم يقوم القتلة بإلقاء جثته قرب دوار المشنقة في مدينة السويداء. كما قُتل الشاب وليد خداج بعد إصابته بطلق ناري على خلفية خلاف مالي.  

وتُعزى هذه الموجة من العنف إلى انتشار واسع للأسلحة بين المدنيين في السويداء، وضعف الوجود الأمني واعتماد المواطنين على ذريعة امتلاك الأسلحة للحماية الذاتية. وعلى الرغم من غياب البيانات الرسمية، تشير تقديرات محلية إلى ارتفاع وتيرة حوادث الموت بالسلاح بنسبة 40% في الأعوام الأخيرة، حيث تشكل هذه الحوادث امتداداً لأزمة هيكلية تجمع بين غياب الرقابة الأمنية الفاعلة، انتشار الأسلحة غير المرخصة، وضعف آليات فض النزاعات المؤسساتية. كما لا تزال معالجة هذه الظاهرة مرهونة بتحقيق شروط متكاملة تشمل تعزيز الوجود الأمني، حملات نزع السلاح وتفعيل القضاء.

وفي حديث لـ"العربي الجديد" يُرجع الصحافي والناشط المدني علي الحسين، من أبناء المحافظة، انتشار السلاح بشكل موسع بين أيدي المدنيين في السويداء بشكل أساسي إلى عاملين مترابطين "أولهما انهيار الأمن العام خلال سنوات الصراع السوري، المستمرة منذ 2011، وغياب الثقة بالجهات الرسمية على حماية المدنيين وممتلكاتهم"، مشيراً إلى أن هذه الحاجة  للحماية الذاتية "وصلت إلى ذروتها بعد الهجوم الدامي الذي شنته تنظيمات متشددة، أبرزها هجمات تنظيم "داعش" الممنهجة، على قرى وبلدات ريفي السويداء الشمالي والشرقي في 25 يوليو/تموز 2018، أسفرت حينها عن مقتل أكثر من 250 مدنياً في يوم واحد وإصابة المئات، بالإضافة لاختطاف عشرات النساء والأطفال". ورأى الحسين أن "تلك المجزرة شكلت صدمة عميقة للمجتمع، ورسخت لديه شعوراً بعدم الاعتماد على القوى الأمنية الرسمية، خاصة في المناطق النائية والمتطرفة. وأصبح لدى العامة قناعة بضرورة امتلاك السلاح وسيلة دفاعية للحماية من أي هجمات مماثلة محتملة في ظل بيئة إقليمية ومحلية مضطربة".

غياب الدولة في السويداء

أدى استمرار حالة الضعف النسبي بالوجود الأمني المنظم والفعال في جميع أنحاء المحافظة، وخاصة في المناطق الريفية البعيدة، إلى خلق فراغ أمني. حيث سدّ أبناء هذه القرى الفراغ جزئياً عبر تشكيل مجموعات محلية للحماية الذاتية تعتمد بشكل كبير على الأسلحة الموزعة على أفرادها. ومع مرور الوقت، تحول امتلاك السلاح من أداة دفاعية طارئة إلى ظاهرة مجتمعية واسعة، ورمز من رموز القوة والنفوذ الاجتماعي في بعض السياقات، خاصة مع ضعف مؤسسات الدولة الرسمية وتراجع دورها في فض النزاعات وإدارة الشأن العام المحلي بشكل فاعل.

وتظهر الأحداث الأخيرة في السويداء الآثار المروعة لانتشار السلاح دون ضوابط، ليتحول السلاح من وسيلة دفاع إلى تهديد مباشر لحياة المدنيين والأمن المجتمعي نفسه. ويعبر نشطاء ومتابعون للشأن المحلي في السويداء عن قلق بالغ إزاء استمرار انتشار السلاح، ويرون في الحوادث الأخيرة مؤشراً خطيراً على تآكل النسيج الاجتماعي وتراجع سيادة القانون. ويصف الناشط الحقوقي، خالد حرب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الوضع بأنه "انفلات أمني يهدد الجميع دون استثناء"، ويضيف: "ما حدث من جرائم مؤلمة ضد أطفال ونساء وشباب هو نتيجة حتمية لاستمرار وجود هذا الكم الهائل من الأسلحة بين أيدي أشخاص غير مدربين، وفي بيئة مشحونة بالخلافات وغياب آليات حل نزاعات فعالة"، مؤكداً أن انتشار السلاح "يغذي حلقة العنف، حيث يلجأ الأفراد إلى حمل السلاح خوفاً من الآخرين الذين يحملون السلاح أيضاً، مما يزيد من حدة التوترات ويجعل أي نزاع بسيط قابلاً للتحول إلى مأساة".

من جهته، أكد العميد طلال العيسمي، قائد الشرطة في السويداء، في اتصال بـ"العربي الجديد"، أن قضية انتشار السلاح غير المرخص والاستخدام العشوائي له "تشكل تحدياً أمنياً كبيراً، وخاصة مع تفاقم الظاهرة وصعوبة السيطرة عليها في ظل الظروف الحالية"، مشيراً إلى "صعوبة تغطية جميع المناطق في محافظة السويداء لضبط هذه الظاهرة، نتيجة قلة أعداد المتطوعين في جهاز الأمن الداخلي حالياً، وإلى تعقيدات اجتماعية تتداخل مع العمل الأمني والقانوني"، مشدداً على ضرورة "التعاون المجتمعي في كبح هذه الظاهرة واحتوائها مستقبلا ليسود الأمن في المحافظة".

حلول مطروحة... بين المطالبة بسيادة القانون وتعزيز الوعي

وفي مواجهة هذه الأزمة متعددة الأبعاد، يجد الناشط الحقوقي، سامر الحلبي، أن "تعزيز الوجود الأمني الفعال هو الحل الأفضل"، وأنه على أهالي المحافظة المطالبة بزيادة انتشار دوريات وعناصر الأمن الداخلي في جميع مناطق المحافظة، وخاصة النائية منها، لخلق رادع حقيقي وضمان استجابة سريعة للحوادث. ويرى في حديث مع "العربي الجديد" أن ذلك "يقع على عاتق الحكومة التي لم تقدم حتى هذه اللحظة أي دعم حقيقي لهذه الأجهزة لوجستياً لتمكينها من القيام بمهامها، رغم انخراط ما يفوق 2000 عنصر في الجهاز الشرطي وتفعيله بعد سقوط النظام البائد بفترة قليلة".

ويعتبر الحلبي أن ذلك "سيدفع المواطنين في حال الشعور بالأمان للتخلي عن التسلح الذاتي، وتسليم أسلحتهم والمشاركة في حملات نزع السلاح إن لزم الأمر، بشرط وجود ضمانات أمنية كافية للمتخلي عن سلاحه"، وربط ذلك بجهود مصاحبة لتعزيز الأمن المحلي. كما شدد الناشط على ضرورة "تفعيل دور القضاء ليصبح المرجعية الوحيدة والفاعلة في فض النزاعات ومعاقبة الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم أو قوتهم"، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب دعما حكوميا ومجتمعيا لاستقلالية القضاء وضمان نزاهته وسرعة إجراءاته. ويردف الحلبي: "كما لا يمكن التغاضي عن أهمية دور الواجهات الدينية والعشائرية والعقلاء والمجتمع في حل النزاعات قبل تصاعدها، مع العمل على تحديث آليات هذه الوساطات لتتوافق مع الحد الأدنى من مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، والحد من ظاهرة "الثأر"".

الإحصائيات.. غياب رسمي وصورة قاتمة

يظل الحصول على إحصائيات رسمية دقيقة وشاملة عن عدد حوادث الاستخدام الخاطئ للسلاح، أو الجرائم المرتكبة بواسطته، في السويداء خلال السنوات الأخيرة أمراً صعباً. وتعود أسباب هذا الغياب إلى ضعف التوثيق الرسمي، وإلى عدم الإبلاغ عن العديد من الحوادث بسبب تسويتها محلياً بعيداً عن أروقة القضاء والأمن. ولكن تشير تقديرات غير رسمية صادرة عن ناشطين إلى وقوع عشرات الحوادث سنوياً، تتسبب في سقوط قتلى وجرحى، حيث رصدت بعض التقارير غير الرسمية وقوع ما لا يقل عن 17 حادثة وفاة نتيجة سوء استخدام السلاح أو إطلاق نار عشوائي خلال عام 2023 فقط في المحافظة، دون احتساب حالات القتل العمد المرتبطة بالنزاعات المسلحة. والأحداث المأساوية التي وقعت في الأيام الأربعة المتتالية الأخيرة وتسببت بسقوط وإصابة عشر ضحايا (بما في ذلك طفلتان وامرأة) تعطي مؤشراً صارخاً على حجم الخطر اليومي الذي يواجهه المواطنون.

البيانات العائلية... محاولة للاحتواء ضمن الأطر التقليدية

جاء البيان الصادر عن "آل الريشاني وأقاربهم في جبل العرب"، في أعقاب حادثة مقتل وليد خداج، ليحاول احتواء تداعيات الحادثة ضمن الأطر العشائرية والقبلية التقليدية، مؤكداً رفع "الغطاء" عن المتهم مهدي الريشاني، والمطالبة بتسليمه للقضاء لينال جزاءه. الناشط هاني عزام اعتبر في حديث لـ "العربي الجديد" أن البيانات التي تصدر عادة، ورغم لغة التضامن التي يبديها ذوو الجناة مع ذوي الضحايا واستنكار حالات القتل، تكشف عدة حقائق من أبرزها "استمرار هيمنة الأطر العشائرية والقبلية في فض النزاعات الخطيرة، حتى تلك التي تصل إلى القتل".

كما اعتبر عزام أن هذه  تمثل "اعترافاً ضمنياً بفشل الأطر العشائرية بمنع حدوث القتل والاكتفاء باستنكاره، رغم التمسك المعلن بالأعراف والتقاليد التي تحرم التعدي". ويعتبر أيضاً أنها "محاولات لاحتواء الغضب ومنع تصعيد الثأر، عبر الإحالة للقضاء، وإن كان ذلك يأتي بعد وقوع الفاجعة"، مشيراً إلى أن ذلك يبرز التناقض القائم في المجتمع بين ولاءات العشيرة والولاء للقانون والدولة بوصفهما مرجعية وحيدة للعدالة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية