مجلس الشعب في سورية... أسئلة التمثيل والصلاحيات وحدود الرقابة
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الجمعة، مرسوماً بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب (البرلمان)، وذلك استناداً إلى أحكام الإعلان الدستوري، و"في إطار تفعيل السلطة التشريعية كركيزة أساسية لبناء الدولة بسلطاتها الكاملة"، وفق المرسوم. وقضى المرسوم بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب برئاسة محمد طه الأحمد، وعضوية كل من: حسن إبراهيم الدغيم، عماد يعقوب برق، لارا شاهر عزوقي، نوار إلياس نجمة، محمد علي محمد ياسين، محمد خضر ولي، محمد ياسر كمالة، حنان إبراهيم البلاغي، بدر جاموس، أنس العبدة.

وتتحدد مهمة اللجنة، وفق المرسوم، بـ"الإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، وتنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء مجلس الشعب"، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث الأخير. وحدّد المرسوم عدد أعضاء مجلس الشعب بـ150 عضواً، موزعين بحسب عدد السكان على المحافظات، ضمن فئتي "الأعيان والمثقفين"، و"وفق شروط تقرها اللجنة العليا للانتخابات".

مجلس الشعب يبقى على اسمه

ولفت الباحث السوري محمد الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن كثيراً من أعضاء لجنة الانتخابات المركزية هم أعضاء سابقون في الائتلاف الوطني لقوى الثورة، أو محسوبون على أعضاء سابقين في "حكومة الإنقاذ"، الذراع التنفيذية السابقة لـ"هيئة تحرير الشام" عندما كانت تحكم في محافظة إدلب ومحيطها. وأوضح أن رئيس اللجنة، محمد طه الأحمد، كان وزير الزراعة السابق لعدة دورات في "حكومة الإنقاذ" وحكومة تصريف الأعمال اللاحقة بعد سقوط النظام، ثم عُيّن مديراً لإدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية، ومن غير المعروف، ما إذا كان سيبقى في منصبه بوزارة الخارجية أم سيتفرغ لرئاسة اللجنة. ووفق الحاج، فإن سبعة أعضاء من أصل عشرة محسوبون على الائتلاف السابق، وهم حسن الدغيم الذي كان مسؤول التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، وعماد برق، وزير التربية السابق في "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف، ومحمد علي ياسين، عضو الائتلاف، وحنان بلخي سفيرة سابقة للائتلاف في النرويج، ومحمد ولي عضو هيئة عامة للائتلاف من الحركة الكردية المستقلة، إضافة إلى كل من بدر جاموس وأنس العبدة، العضوين البارزين في الائتلاف. ولاحظ الحاج أن نسبة المحسوبين على الإدارة السورية الجديدة هي الأقل مقارنة مثلاً باللجنة التحضيرية للحوار الوطني وأعضاء الحكومة.

لا يوجد أي سلطة لمجلس الشعب على السلطة التنفيذية ويحق له فقط عقد جلسات استماع للوزراء

ومن الملاحظ أن المرسوم أبقى على تسمية "مجلس الشعب" للبرلمان والتي كانت موجودة في العهد السابق، بعد أن كان البعض طرح تسميات أخرى، مثل المجلس التشريعي. كما يلاحظ استخدام تعبير "الأعيان والمثقفين" أساساً لاختيار ممثلي المجلس من جانب اللجان الفرعية، بينما كان "العمّال والفلاحون" هو التعبير الرائج في عهد النظام السابق، وكان يشترط أن يكون نصف أعضاء المجلس على الأقل ممثلين عن هاتين الفئتين، ومن ضمنهم الموظفون.

وأثار محمد الحاج هذه الإشكالية، أي كيفية تحديد من هم "الأعيان والمثقفون" وعلى أي أساس ستقوم اللجنة بتحديدهم؟ ورأى أنه ليس في وسع أحد تحديد معايير دقيقة لهذا التعبير، وسيكون الأمر متروكاً على الأغلب للجان الفرعية التي ستشكل بإشراف اللجنة المركزية التي شكّلها الشرع. كما لاحظ أنه لا يوجد أي سلطة لمجلس الشعب على السلطة التنفيذية (رئاسة ووزارات) ويحق له فقط "عقد جلسات استماع للوزراء".

من جهته، لفت المحلل السياسي بسام السليمان، إلى أنه لا يوجد حتى الآن تصور كامل لعمل هذه اللجان التي سوف تجتمع وتضع التصورات وتتفق على معايير معينة. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن تخصيص ثلثي أعضاء المجلس، أي خمسين عضواً، ليختارهم رئيس الجمهورية، هدفه تحقيق "التوازن والشمولية" في تشكيلة المجلس، بمعنى استدراك أي تمثيل ناقص سواء على مستوى الطوائف أو الإثنيات أو الفئات الأخرى مثل المرأة.

وحول مدى فاعلية هذا الأسلوب في اختيار أعضاء المجلس، وهل سيكون ممثلاً حقيقياً للمجتمعات المحلية، أوضح السليمان أنه من المتعذر في الوقت الحالي إجراء انتخابات بسبب مشكلات لوجستية وفنية عديدة مثل غياب الإحصاء السكاني، ووجود نسبة عالية من السكّان خارج مناطقهم الأصلية، إضافة إلى وجود بطاقات شخصية متعددة كانت تصدر عن الحكومة المؤقتة وأخرى عن حكومة الإنقاذ إضافة إلى بطاقة النظام السابق، مشيراً إلى أن تزوير البطاقات قد يكون سهلاً في الوضع الراهن.

وحول وجود عدد من أعضاء الائتلاف الوطني السابق في عضوية اللجنة المركزية للانتخابات، والانتقادات التي وجّهها البعض إليهم بالضلوع في تزوير الانتخابات التي كانت تجري لدى المعارضة السابقة للنظام، قال السليمان إن أعضاء الائتلاف "هم جزء من الشعب السوري، ولهم حق في المشاركة بالحياة السياسية، ونحن في دولة جديدة تستطيع، ومن واجبها، استيعاب الجميع، والاستفادة من خبراتهم".

حصص وملاحظات

وكان "مؤتمر النصر" الذي عقد نهاية يناير/كانون الثاني الماضي بمشاركة جميع الفصائل العسكرية السورية، أعلن حلّ مجلس الشعب السابق واللجان المنبثقة عنه، بينما قضت المادة 24 من الإعلان الدستوري الصادر في 14 مارس/آذار الماضي، أن يشكّل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب، تشرف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة، و"تنتخب تلك الهيئات ثلثي أعضاء المجلس، فيما يعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي لضمان التمثيل العادل والكفاءة".

ووفق الإعلان، فإن مجلس الشعب يمثل "السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة" محدداً مدة ولاية المجلس بثلاثين شهراً قابلة للتجديد. وحدّد المرسوم الذي صدر أول من أمس، حصص المحافظات السورية في هذا المجلس تبعاً لعدد السكان، وكان نصيب دمشق وريفها 21 مقعداً من أصل 100 (الخمسون الباقية سيحددها الرئيس) بينما حصة حلب وريفها 20 مقعداً وحمص 9 مقاعد، وحماة 8 مقاعد، واللاذقية 6 مقاعد، وطرطوس 5 مقاعد، وإدلب 7 مقاعد، ودير الزور 6 مقاعد، والحسكة 6 مقاعد، والرقة 3 مقاعد، ودرعا 4 مقاعد، والسويداء 3 مقاعد، والقنيطرة مقعدان.

وفق الإعلان الدستوري، يمثل مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم

وأثار هذا التوزيع حفيظة بعض الناشطين معتبرين أنه لا يعكس بدقة الوزن الديمغرافي للمحافظات السورية. ولفت الحاج إلى أنه لا توجد في سورية اليوم إحصائية دقيقة لعدد السكان، وتعود آخر إحصائية رسمية لعامي 2004 و2010 ومسح أجري عام 2014 وتقدير للسكان في 2018. ووفق إحصائية 2004، فإن توزيع المقاعد كان منصفاً، ما عدا محافظة طرطوس التي أخذت 5 مقاعد رغم أن تعداد سكانها أقل من درعا والرقة مثلاً، لكن بحسب حركة السكان داخل سورية في 2014، فإنه بقي في طرطوس عدد من السكان أكثر من درعا والرقة اللتين هاجر وتهجر عدد كبير من سكانهما.

وكان مجلس الشعب في عهد النظام السابق يتكون من 250 مقعداً، نصفها للعمّال والفلاحين، لكن أغلبها من نصيب حزب البعث الحاكم وبعض الأحزاب الصغيرة التي تدور في فلكه في ما كان يسمى أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية". ووفق "الإعلان الدستوري"، فإن من مهام مجلس الشعب خلال ولايته المحددة بمدة عامين ونصف العام، اقتراح القوانين وإقرارها، وتعديل أو إلغاء القوانين السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة للدولة، والعفو العام.

ورأى المحامي باسل سعيد مانع، أنه "من حيث الشكل، يبدو أن تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب يمثّل محاولة لإضفاء طابع مؤسساتي على العملية الانتخابية، عبر لجنة تضم أسماء مدنية ومعارضة سابقة، مما يوحي بإرادة لانفتاح سياسي". وأضاف مانع لـ"العربي الجديد" أنه من حيث الجوهر، فإن "بنية النظام السياسي كما رسمها الإعلان الدستوري المؤقت الذي يحكم هذه المرحلة لا توفّر ضمانات حقيقية للفصل بين السلطات، ولا لاستقلال السلطة التشريعية عن هيمنة السلطة التنفيذية، وتحديداً رئاسة الجمهورية".

وأشار مانع إلى أن اللجنة العليا سوف تشرف بموجب المرسوم على تشكيل الهيئات الفرعية، وتحدّد شروط الترشح وتوزيع المقاعد، ما يعني أن اللجنة، هي بدورها مشكّلة بمرسوم رئاسي، تحتفظ بأدوات التحكم في مسار العملية برمتها، معتبراً أن كون الرئيس يعيّن ثلث أعضاء المجلس بشكل مباشر ويسيطر على الثلثين المتبقيين بشكل غير مباشر، "يكرّس مجلساً بصلاحيات شكلية لا فعلية، ويجعل منه أقرب إلى واجهة ديمقراطية تُستخدم لتلميع صورة النظام، لا لتفعيل سلطة تشريعية حقيقية تستطيع مراقبة الحكومة أو محاسبتها". ورأى مانع ضرورة أن يقترن هذا التشكيل بـ"ضمانات دستورية وقانونية ملزمة تحصّن استقلال اللجنة، وتضمن نزاهة عملها وتوازن السلطات" وإلا فإن المجلس المرتقب "لن يشكل سلطة حقيقية موازية للرئيس، بل سيبقى مجرد أداة لإضفاء شرعية شكلية على سلطة مركزية واحدة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية