
Arab
تتجه وزارة الموارد المائية إلى تعزيز خطط حصاد مياه الأمطار والسيول مع اقتراب موسم الشتاء، في محاولة للحد من استنزاف الموارد المائية والحفاظ على الخزين الجوفي الاستراتيجي الذي يشهد تراجعاً مقلقاً. وتأتي هذه الإجراءات في وقت يحذر فيه خبراء من ارتفاع ملوحة المياه الجوفية وتزايد التجاوزات في حفر الآبار العشوائية، الأمر الذي يهدد الأمنين المائي والغذائي للبلاد.
وتسعى الوزارة، من خلال خططها، إلى إعادة تغذية الطبقات الجوفية صناعياً واستثمار مياه الأمطار بدلاً من فقدانها بالجريان السطحي، بالتوازي مع إجراءات صارمة للحد من الحفر غير النظامي للآبار ومتابعة الاستخدام المفرط للمياه في الزراعة. كما يدعو الخبراء إلى تبني سياسة مائية متكاملة توازن بين حصاد المياه والحفاظ على المخزون الجوفي للأجيال المقبلة.
يستهلك العراق سنوياً نحو 17 مليار متر مكعب من المياه، في حين تبلغ الموارد المتاحة من الأنهار الداخلية والجوفية أقل من 14 مليار متر مكعب، ما يخلق عجزاً سنوياً يقارب 3 مليارات متر مكعب ويهدد الأمن المائي والزراعي للبلاد. ويُعد الخزين الجوفي أحد أهم الأعمدة الاستراتيجية للموارد المائية، إذ يُقدّر حجمه بنحو 3.4 مليارات متر مكعب سنوياً، إلا أن ارتفاع معدلات التجاوزات في الحفر غير المرخص وازدياد نسبة الملوحة في العديد من المناطق يجعلان الاستفادة من هذه الموارد محدودة.
خطط حكومية
كشفت وزارة الموارد المائية عن وضع خطة شاملة لحصاد مياه الأمطار والسيول استعداداً لموسم الشتاء، مؤكدة جاهزية السدود والخزانات لاستيعاب كميات كبيرة من المياه وتوجيهها نحو الأهوار والمناطق الزراعية لتعزيز الخزين المائي. وقال معاون المدير العام للمشاريع في الوزارة، غزوان السهلاني، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن الوزارة وضعت خطة متكاملة لحصاد المياه تعتمد على استثمار السيول والأمطار في تعزيز الخزين المائي داخل السدود والخزانات الكبرى، مثل سد الموصل وسد حديثة ومنخفض الثرثار، إلى جانب سدود دوكان ودربندخان وحمرين وبحيرتي الرزازة والحبانية.
وأضاف السهلاني أن الوزارة تعمل على توجيه جزء من مياه السيول نحو الأهوار الجنوبية للاستفادة منها في إنعاش بيئتها الطبيعية وتقليل آثار الجفاف، مبيناً أن غرف العمليات في المحافظات بدأت عملها ميدانياً لمتابعة تصريف المياه ومعالجة الاختناقات في مجاري الأنهر. وأوضح أن عمليات الصيانة والتحصين مستمرة في السدود رغم محدودية التخصيصات المالية، ولم تُسجل أي مؤشرات ضعف في منشآت الوزارة، مؤكداً أن العراق قادر على استيعاب أي موجات مطرية قادمة من الداخل أو من دول المنبع بفضل كفاءة منشآته وإدارته الفنية.
خطر الآبار والعقوبات بحق المتجاوزين
من جانبه، قال مدير الهيئة العامة للمياه الجوفية التابعة لوزارة الموارد المائية، ميثم علي خضير، في حديث صحافي، إن حجم التجاوزات الحاصلة على ثروة البلاد من المياه الجوفية كبير جداً، نتيجة سقي الأراضي الزراعية بالطرق التقليدية واستنزافها في المناطق الصحراوية البعيدة عن الرقابة، عبر حفر آبار بأعماق تتجاوز 80 متراً اكتُشفت مؤخراً.
وأضاف أن الهيئة اتخذت سلسلة إجراءات حازمة تمثلت في غلق وردم الآبار المتدفقة وضبط ومصادرة أجهزة الحفر غير المرخصة، خصوصاً في مناطق بحر النجف وبحيرة الرزازة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين ورفع الدعاوى القضائية ضدهم. وأشار خضير إلى أن الهيئة رفعت نحو خمسة آلاف قضية تتعلق بالتجاوز على المياه الجوفية منذ عام 2020 وحتى الآن، بينها أكثر من 100 قضية خلال العام الحالي، مبيناً أن العقوبات تتضمن غرامات تصل إلى أكثر من 3 ملايين دينار، وفي حال تكرار المخالفة تصل العقوبة إلى السجن ثلاث سنوات.
وأفاد بأن وزارة الموارد المائية أصدرت تعليمات جديدة للحفاظ على المخزون الجوفي، وشكلت لجاناً متخصصة لمتابعة الحفر العشوائي وردم الآبار غير النظامية، ومعالجة الوضع القانوني لأكثر من 13 ألف بئر محفورة تجاوزاً، وردم ما يزيد على 1600 بحيرة أسماك مخالفة. لافتاً إلى أن الوزارة وضعت ضمن خططها تعزيز تغذية الخزانات الجوفية من خلال مشاريع حصاد المياه، حيث تم تنفيذ آبار تجريبية قرب سدود حصاد المياه في محافظتي كربلاء المقدسة والأنبار بهدف إعادة تغذية الطبقات الجوفية صناعياً واستثمار مياه الأمطار والسيول المتوقعة في الموسم المقبل.
استنزاف المياه الجوفية
من جانب آخر، حذّر الخبير المائي عادل المختار، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، من أن الخزين الجوفي للمياه في العراق يواجه خطراً حقيقياً بالاستنزاف، في ظل تراجع مناسيب التغذية الطبيعية وازدياد الاعتماد على الآبار العشوائية، في وقت تعاني فيه الكثير من الآبار من ارتفاع نسب الملوحة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية والمناطق القريبة من الأنهار. وأوضح المختار أن حجم المياه الجوفية في العراق يُقدّر بنحو 3.4 مليارات متر مكعب سنوياً، في حين يبلغ الخزين المستدام أكثر من 5 مليارات متر مكعب. وأكد أن سوء الإدارة واستمرار التجاوزات في الحفر غير المنظم واستنزاف المياه للزراعة بالطرق التقليدية تهدد هذا المخزون الذي يمثل رصيداً استراتيجياً للأجيال المقبلة.
وأشار إلى أن العراق يستهلك سنوياً نحو 17 مليار متر مكعب من المياه، في حين تبلغ الموارد المتاحة من الأنهار الداخلية والجوفية أقل من 14 مليار متر مكعب، ما يخلق عجزاً سنوياً يقارب 3 مليارات متر مكعب، ويهدد الأمنين المائي والزراعي للبلاد. وشدّد المختار على ضرورة أن تعمل الحكومة على تفعيل مشاريع حصاد مياه الأمطار واستثمار السيول ضمن خطط مدروسة، مشيراً إلى أن العراق بحاجة ماسة إلى سياسة مائية متوازنة وواضحة، بعيداً عن العشوائية والتخبط، لضمان استدامة الموارد المائية وحماية الأمن المائي الوطني.

Related News

«الشتاء»... تأملات في الفصل الأكثر غموضاً
aawsat
7 minutes ago