عامان من مراوغات نتنياهو وإفشاله التفاهمات لإطالة حرب غزة
Arab
9 hours ago
share
على مدى عامين كاملين، منذ بدء حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرص رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على مواصلة حرب الإبادة وإحباط أي محاولة للتوصل إلى صفقة تنهي العدوان، وحتى في المرات التي بدا فيها أن صفقة ما لتبادل الأسرى على وشك أن تتم، كان يخرج وأعضاء حكومته بذرائع لنسفها. كل ذلك في إطار حسابات سياسية للحفاظ على الائتلاف الحكومي، ومن أجل الإمعان في القتل والتجويع والتهجير والهدم، من دون رادع لحجم الإجرام، ومن دون أن يأبهوا لقوانين الحرب، ولا للمجتمع الدولي ولا للأمم المتحدة، وحتى من دون اكتراث لأوامر الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو ووزير أمنه السابق يوآف غالانت. القتل من أجل القتل، والانتقام، تشاركهم في ذلك مختلف أذرع المؤسسة الأمنية، مثل "الشاباك" و"الموساد" والجيش، فالخلافات أو ما صُوّر كذلك منها، لا تتعلق بحجم إراقة الدماء وجرائم الحرب المرتكبة، ولكن بأولوية الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها. ففي حين لم يكن الأسرى الاسرائيليون في حرب غزة على سلم أولويات نتنياهو، الساعي من خلال الانتقام للتغطية على إخفاقات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، المسجّل بالأساس على اسمه، رأت أوساط، منها أمنية، أنه يجب تحرير الأسرى أولاً ومن ثم مواصلة الإبادة وربما احتلال غزة. هناك أيضاً خشية من موجة التظاهرات حول العالم، التي تدين إسرائيل وتدعو لمقاطعتها، وتحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة، وكذلك الإسرائيليين أينما حلوا، فضلاً عن تراجع مكانتها في أوساط أميركية. مراوغات نتنياهو لمنع وقف حرب غزة على مدار عامين راوغت دولة الاحتلال بشأن الصفقة، وراوغ نتنياهو بشكل خاص، حتى أنه رفض من بين المقترحات مقترحاً كتبه بنفسه، وهو ما عُرف بمقترح نتنياهو، قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف. كما حرص على إحباط المرحلة الثانية من الصفقة السابقة. وحتى خلال جولات المحادثات على مدار عامين حرص على تعيينات أشد تطرفاً، ربما لن يكون رئيس "الشاباك" الجديد دافيد زيني، ومن قبله رئيس الأركان إيال زامير، آخرها، وإن كانت بعض التعيينات جاءت بسبب خلافات مع من سبقوهم، لا تتعلق بالضرورة بمسار حرب غزة فضلاً عن تسليمه رئاسة المفاوضات لوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يده اليمنى، الذي لم يتمكّن من إعادة أي أسير إسرائيلي، وعمل بدوره على إحباط جولات المحادثات السابقة، في قطر ومصر وأماكن أخرى. تحوّل نتنياهو من ادعاء المطالبة بصفقة جزئية فقط لضمان استمرار الإبادة، إلى المطالبة بصفقة شاملة شملت مراوغات نتنياهو، وتحويل الأنظار عن أي صفقة محتملة، خطوات كثيرة أخرى على مر عامين، منها إقالة وزير الأمن الأسبق يوآف غالانت بسبب خلافات سياسية وشخصية، وتعيين يسرائيل كاتس مكانه. وبين ليلة وضحاها، تحوّل نتنياهو من ادعاء المطالبة بصفقة جزئية فقط لضمان استمرار حرب غزة إلى المطالبة بصفقة شاملة، لكنها تضمن أيضاً استمرار العدوان وبقاء جيش الاحتلال في القطاع. وكان الحدث الأبرز لنسف المفاوضات، في الآونة الأخيرة، العدوان الإسرائيلي على الدوحة، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال دراسة قادة "حماس" مقترحاً للصفقة على أرض دولة وسيطة استضافت عدداً من كبار المسؤولين الإسرائيليين على مدار العامين الماضيين، في إطار المحادثات غير المباشرة بين دولة الاحتلال وحركة حماس. وفي سعيهم لإفشال جهود المفاوضات، كان قادة الاحتلال في كل مرة يصعّدون لهجتهم، سواء بلسان نتنياهو أو كاتس، أو حتى قادة الجيش، ويؤكدون البقاء في غزة وعدم الانسحاب من كامل القطاع، وهو ما يكررونه في الآونة الأخيرة أيضاً، قبل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يجري التفاوض عليها في الوقت الراهن وبعدها. من بين ذلك ما سُمي بالمبادئ الخمسة، التي وافق عليها المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) في أغسطس/ آب الماضي، وهي "نزع سلاح حركة حماس، وإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة، الأحياء منهم والأموات على حد سواء، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية عليه، وإقامة إدارة مدنية بديلة لا تكون تابعة لحماس أو للسلطة الفلسطينية". وسبق هذا إطلاق عملية "عربات جدعون 2" لاحتلال وتدمير مدينة غزة، والتي رأت فيها أوساط إسرائيلية، منها عائلات المحتجزين الإسرائيليين، أنها تحكم عليهم بالإعدام من قبل الحكومة، فيما أكد الجيش التزامه بقرارات المستوى السياسي، ووضع الخطط لاحتلال المدينة. ورغم أنه أبدى بعض التحفّظات والملاحظات أمام المستوى السياسي، فليس من باب رفض احتلال القطاع ومواصلة جرائم حرب غزة وإنما للتحذير مسبقاً من أن العملية تشكل خطراً على حياة الجنود والمحتجزين، فضلاً عن تآكل الآليات واستنزاف جنود الاحتياط، وغيرها من أسباب تتعلق بالجانب العملياتي. وأكد رئيس الأركان إيال زامير بدوره، أنه تم وضع الخطة وهو من يتحمّل مسؤوليتها، رغم تلميح جنرالات سابقين له بأن عليه عدم الانصياع لأوامر المستوى السياسي إن كان ذلك قد يكلّف حياة المحتجزين. وفي الأيام الأخيرة، منذ إعلان ترامب عن خطته الجاري التفاوض عليها في الوقت الحالي، يصر نتنياهو على غطرسته لإرضاء غروره وشركائه في الائتلاف الحاكم وقاعدته الانتخابية مع دخوله عام انتخابات، مطلقاً تصريحات شبيهة من حيث التوجّه العام بتلك التي كانت تسبق كل محاولة لإبرام صفقة، في مسعى لتنفير حركة حماس ودفعها للتشدد في مواقفها، مستغلاً أن خطة ترامب لوقف حرب غزة منحازة لإسرائيل، بل إن الأخيرة كانت شريكة في وضع أسسها وفق تقارير عدة، منها عبرية. واستغل نتنياهو لقاءه الأخيرة مع ترامب قبل نحو أسبوع لتعديل بنود في الخطة، وإجراء تغييرات في الخطة الأصلية التي وافقت عليها ثماني دول عربية وإسلامية. حاول نتنياهو التصوير أن خطة ترامب إسرائيلية في أساسها، وتحقق كامل الأهداف الإسرائيلية وكعادته منذ بداية الحرب، استخدم نتنياهو لغة العربدة في مرحلة حساسة، مصوّراً أن الخطة إسرائيلية في أساسها وتحقق كامل الأهداف الإسرائيلية، في محاولة لرفض مقولة إن ترامب فرضها عليه، خصوصاً أن جهات إسرائيلية بدأت تروّج أن إعادة المحتجزين إذا تمت الصفقة، فستكون بفضل ترامب لا حكومة إسرائيل التي تخلّت عنهم، ورفضت صفقات على مدار عامين، باستثناء الصفقة الأولى، والمرحلة الأولى من الصفقة الثانية قبل أن تنسفها وتعود للقتال. وهذا كلام لا يرضي غرور نتنياهو، ما دفعه للتصريح قبل أيام، بأنه "نسّق" مع الرئيس الأميركي "عملية سياسية قلبت الطاولة في غزة"، مهدداً بأن "حماس ستتخلى عن سلاحها في المرحلة الثانية وهذا سيحدث إما عبر الخيار الدبلوماسي أو عبر الخيار العسكري"، معتبراً أن حركة حماس قبلت مقترح ترامب "نتيجة الضغط السياسي والعسكري"، وأن المحتجزين الأحياء والأموات "سيعودون مع بقاء الجيش في قطاع غزة". واعتبرت جهات إسرائيلية أن تصريحات من هذا النوع، في وقت تبدو فيه الصفقة قريبة أكثر من أي وقت مضى، تندرج ضمن محاولات التخريب التي حرص عليها نتنياهو طوال الفترة السابقة. وربما يرتبط هذا الأمر أيضاً بأن الخطة فُرضت على نتنياهو في أعقاب غضب قطر والدول العربية والإسلامية على إسرائيل عقب العدوان على الدوحة والمحاولة الفاشلة لاغتيال قادة "حماس" على أراضيها، ما زاد من الدعوات داخل إسرائيل وحول العالم للتوصّل إلى صفقة تُفرج عن بقية المحتجزين الإسرائيليين وتنهي العدوان. ودفع كل ذلك ترامب إلى إجراء مكالمة هاتفية "صارمة وواضحة" مع نتنياهو، بحسب مصادر مطّلعة، مهدداً بتركه إن ترك الصفقة. بعض جولات التفاوض في أواخر أغسطس/ آب الماضي، تجاهلت دولة الاحتلال الإسرائيلي الرد على مقترح الصفقة الذي وافقت عليه حركة حماس بموجب مقترح ستيف ويتكوف المحدّث، وقالت إنها لم تعد مناسبة لها، ونقلت رسالة للوسطاء مفادها أن الخطة الوحيدة المطروحة هي مقترح شامل ومتكامل بشروط إسرائيلية. قبل ذلك، في مايو/ أيار الماضي، زعمت إسرائيل أن مقترح ويتكوف، الذي وافقت عليه "حماس"، لوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال والتأسيس لوقف إطلاق نار دائم، لم يعد مناسباً لها، لأنه بعيد عن متطلباتها الأمنية. في 12 يونيو/ حزيران 2025 قدّمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ردها على مقترح لصفقة مع حركة حماس، وذلك بعد حديث لنتنياهو عن وجود تقدّم في المفاوضات، لكنها رفضت التعهد بإنهاء الحرب، رغم معرفتها بأنه أحد مطالب "حماس" الأساسية. وجاء القرار بالإجماع، بعد مناقشة بمشاركة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والسياسية. وأبدت إسرائيل في حينه انفتاحاً على مناقشة مراحل إطلاق سراح عشرة محتجزين، والتعهد بعدم انتهاك وقف إطلاق النار طوال مدته، بالمقابل رفضت تقديم أي "تنازلات" في ما يتعلق بإنهاء الحرب. وكما تحدث نتنياهو في الأيام الأخيرة عن تفاؤل بشأن الصفقة، قبل أن يتراجع قليلاً، فعل الأمر ذاته في حينه وخرج بمقطع فيديو أشار فيه إلى تحقيق تقدّم كبير في المحادثات مع "حماس" بشأن صفقة، لكنّه أكد أنّه "من السابق لأوانه زرع الآمال" ورفع سقف التوقعات. وبناء على تجارب وألاعيب سابقة من قبله، لم تعوّل عائلات المحتجزين على تصريحاته. وكان الوسيط الفلسطيني ـ الأميركي بشارة بحبح قد صاغ تعديلاً في حينه على اقتراح ويتكوف، فيه ضمانات أوضح، وإن لم تكن مطلقة، لإنهاء حرب غزة تشمل المرحلة الأولى منه إطلاق سراح نصف المحتجزين، سواء الأحياء أو الأموات. في 10 يوليو الماضي أبلغ نتنياهو عائلات محتجزين إسرائيليين التقاها في واشنطن بأنه لا يمكن إبرام صفقة شاملة وفي العاشر من يوليو/ تموز الماضي أبلغ نتنياهو عائلات محتجزين إسرائيليين التقاها في واشنطن بأنه لا يمكن إبرام صفقة شاملة، وتحدث عن صفقة جزئية في إطار مقترح ويتكوف، على غرار ما كان منذ بداية الحرب، قبل أن يغيّر موقفه في الآونة الأخيرة ليتحدث فقط عن صفقة شاملة تعيد جميع المحتجزين وتضمن بقاء القوات الإسرائيلية في غزة. وفي أواخر الشهر نفسه، وبعدما سبق لنتنياهو الانقلاب على مفاوضات الصفقة واتهم "حماس" بإفشالها، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن تفاؤلهم إزاء احتمال التوصّل إلى صفقة جزئية وفقاً لمقترح ويتكوف، بعد ضغط من الوسطاء على "حماس" وإسرائيل، متحدّثين عن فرصة معقولة لإتمام صفقة محدودة تشمل إطلاق سراح عشرة محتجزين إسرائيليين أحياء و15 من الموتى، بالتزامن مع إجراء مفاوضات في سردينيا في إيطاليا. في الفترة نفسها، حاولت إسرائيل تبرير إعادة الوفد الإسرائيلي من الدوحة قبل أيام من ذلك، وتحديداً في 24 يوليو، بزعم أن "نتنياهو يريد صفقة، ولا توجد خطة بديلة، لكنه لا يستطيع إبقاء وفد رفيع هناك لمدة أسبوعين بلا أي تقدّم بينما حماس لا تُظهر مرونة حقيقية. لذا أظهروا بعض الحزم وأعادوا الوفد"، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية عن مسؤول في المؤسسة الأمنية، الذي بدا مدافعاً عن موقف نتنياهو، في دائرة المماطلة الإسرائيلية للمضي في العدوان. في المقابل، قال مسؤول آخر في المؤسسة الأمنية إن نتنياهو لا يعتزم إنهاء حرب غزة قريباً. بخلاف موقف نتنياهو الداعي اليوم إلى صفقة شاملة، كان المسؤول قد أكد وقتئذٍ إصرار نتنياهو على صفقة جزئية لأنه لا يريد إنهاء الحرب. في تلك الفترة أشارت تقديرات إسرائيلية إلى أن نتنياهو "سيبحث عن ذريعة لاتهام حماس بخرق وقف إطلاق النار في مكان ما، كي يقوم هو بخرقه أيضاً، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي". في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تقترب من نهاية عملية "عربات جدعون"، التي ارتكبت خلالها عدة مجازر بحق الفلسطينيين، وكانت قد خسرت حتى تلك اللحظة 41 جندياً وضابطاً في العملية. كانت إسرائيل أيضاً قد فجّرت في مارس/ آذار الماضي المرحلة الثانية من الصفقة التي تم توقيعها في الدوحة في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم تف بالتزاماتها، ومن ضمن ذلك لم تنسحب من المناطق التي توجّب عليها الانسحاب منها. وفي حين كان من المفترض أن يتوجّه رئيس "الموساد" دافيد برنيع ورئيس "الشاباك" في حينه رونين بار إلى جولة محادثات إضافية، تم اعفاؤهما من ذلك، وعيّن نتنياهو الوزير المقرّب منه رون ديرمر رئيساً لوفد التفاوض، وهو الذي يقود الوفد أيضاً في المفاوضات الحالية التي فرضها ترامب. يرى بعض كتّاب المقالات في إسرائيل أنه لولا وجود حكومة "متعطّشة للدم"، لكان بالإمكان إعادة المحتجزين الإسرائيليين منذ فترة طويلة وإنهاء العدوان مراوغات نتنياهو متواصلة ويرى بعض كتّاب المقالات في إسرائيل أنه لولا وجود حكومة "متعطّشة للدم"، لكان بالإمكان إعادة المحتجزين الإسرائيليين منذ فترة طويلة وإنهاء العدوان الذي يضر بسمعة إسرائيل أيضاً، لا بالفلسطينيين فقط ويسفك دماءهم. ومنهم من يشير إلى أن الوزير رون ديرمر، الذي يقود المفاوضات الحالية أيضاً، كان قد عُيّن رئيساً لفريق التفاوض قبل عدة أشهر بهدف إفشال المفاوضات وأدى مهمته بنجاح كبير حتى اليوم في الجولات السابقة، ولكن قد يضطر هذه المرة إلى الخروج عن عادته في ظل الضغط الأميركي. في المقابل، تجري المفاوضات تزامناً مع تسلّم دافيد زيني المتطرف رئاسة جهاز الشاباك، وهو الذي صرّح في السابق بأنه لا يؤمن بالصفقات بل فقط بالقوة والمزيد من القوة، لكن يبدو أنه وصل بعدما حسم الرئيس الأميركي الأمور إلى حد كبير. مع هذا يحذّر مسؤولون أمنيون واستخباراتيون إسرائيليون من أن الحملة التي بدأها نتنياهو ومساعدوه لتفسير سبب اعتبار ما يحدث انتصاراً إسرائيلياً، وأنه ليس وقفاً لإطلاق النار بل خفضاً لإطلاق النار، قد تضر بالصفقة. واعتبروا أن "نتنياهو يهتم بصياغة رواية لقاعدته لتبرير سبب قيامه بكل ما أقسم ألّا يفعله. في الوقت الحالي، كل هذه الخطابات تستفز حماس، وهذا أمر خطير. فلن تُبرم أي اتفاقية إذا اعتقدوا أنهم يُهزمون". في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل لقاء ترامب ونتنياهو، أي قبل الخطة الحالية، نفت إسرائيل، بشكل غير مباشر، ما أعلنه ترامب بأنها وافقت على المبادئ التي طرحها، لكنها تدرسها، وزعمت في الوقت نفسه أن "حماس ستواصل رفضها"، في حين أفادت تقارير إسرائيلية بوجود "ضمانات مهمّة" لحماس، وهو المقترح الذي كانت حماس تدرسه حين شنّت إسرائيل هجوماً على الدوحة، وتضمن من بين بنوده إطلاق سراح جميع المحتجزين الـ48 في اليوم الأول من وقف إطلاق النار. في الشهر الماضي، كشفت وسائل إعلام عبرية أن جيش الاحتلال بقيادة رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي حاول حين كان في منصبه إقناع المستوى السياسي بالتوصّل إلى اتفاق يفضي إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين، بهدف تمكين الجيش من الحسم ضد "حماس" في حرب غزة لاحقاً من دون قيود. لكن في أحد اجتماعات الكابينت المصغّر وصف نتنياهو ذلك بالهزيمة. وفي إطار إطالة أمد الحرب، رفض نتنياهو مراراً في عهد رئيس الأركان السابق والحالي إعلان ما يُسمى "اليوم التالي" لحرب غزة رغم التحذيرات من تآكل "الإنجازات" العسكرية إذا استمر غياب القرار السياسي. ووافقت "حماس" في مايو/ أيار 2024 على مقترح صفقة من ثلاث مراحل، شمل إطلاق سراح جميع المحتجزين وإنهاء العدوان. وماطلت به إسرائيل حتى يناير/ كانون الثاني. وتم تنفيذ المرحلة الأولى، لكن نتنياهو قرر إحباط المرحلة الثانية التي كانت تتضمن إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء وانقلب على الاتفاق، واستأنف جيش الاحتلال حرب الإبادة. في بداية سبتمبر الماضي، دعم كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، في جلسة للكابينت، صفقة جزئية مع "حماس"، محذّرين في حينه، قبل المرحلة الثانية من "عربات جدعون"، من أن احتلال مدينة غزة لن يحقق الحسم ضد "حماس"، فضلاً عن الأثمان الباهظة التي ستدفعها إسرائيل. ووقفت في خلفية هذه التطورات نقطتان أساسيتان، هما الرد الإيجابي الذي قدّمته "حماس" قبل أسبوعين من ذلك على مقترح صفقة جزئية، وإصرار نتنياهو على تجاهل هذا الرد، مع عزمه على إرسال قوات الجيش قريباً إلى داخل غزة. وأعلنت حركة حماس في 18 أغسطس/ آب الماضي أنها والفصائل الفلسطينية أبلغت موافقتها على مقترح وقف حرب غزة الذي قُدم لها من الوسيطين المصري والقطري الذي يتضمّن اتفاقاً جزئياً على أساس مقترح أميركي سابق، ويقضي بهدنة لمدة 60 يوماً، تتخللها مجموعة من الإجراءات، يأتي في مقدمتها إطلاق سراح عشرة من الأسرى الإسرائيليين الأحياء، ونحو 19 من الجثامين، في مقابل إدخال كميات كبيرة يجري الاتفاق عليها من المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتوزيعها عبر الآلية الأممية. بعد ثلاثة أيام من موافقة حماس، وضمن مراوغاته المستمرة، وربما لمواصلة التلاعب بعائلات المحتجزين الإسرائيليين ومحاولة التخفيف من حدة التظاهرات الداخلية، وتماشياً مع رغبة ترامب لإنهاء حرب غزة وإعادة الأسرى، أعلن نتنياهو أنه أوعز "بالبدء فوراً" في مفاوضات لإطلاق سراح جميع المحتجزين، وإنهاء الحرب "بشروط مقبولة من إسرائيل"، وكان ذلك يعني، من ناحية فعلية، مواصلة حرب الإبادة على القطاع وتوسيع دائرتها ومواصلة المراوغة بشأن الصفقة، وأن إسرائيل ترفض رد "حماس"، التي وافقت على صفقة جزئية وتعلن أنها مستعدة فقط للتفاوض على صفقة شاملة، لإطلاق سراح جميع المحتجزين وإنهاء الحرب. وتزامن ذلك مع المصادقة على الخطط العملياتية لـ"السيطرة على مدينة غزة وحسم المعركة ضد حماس". كشف غالانت، في فبراير 2025، أن حكومة نتنياهو لم تفعل ما يكفي من أجل استعادة المحتجزين الإسرائيليين كرونولوجيا التعطيل الإسرائيلي بالعودة إلى الوراء، كشف وزير الأمن الإسرائيلي المُقال يوآف غالانت، في فبراير/ شباط 2025، أن الحكومة بزعامة نتنياهو لم تفعل ما يكفي من أجل استعادة المحتجزين الإسرائيليين، وأن رئيسها استدعى الضغط الأميركي لما يخدم مصالحه. وكان غالانت يشغل منصب وزير الأمن في السابع من أكتوبر 2023 يوم تنفيذ الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى"، وبقي لمدة 13 شهراً بعد ذلك، مساهماً في حرب غزة قبل أن يقيله نتنياهو من منصبه بسب خلافات سياسية. قبل ذلك، في مطلع يناير 2025، وفي الوقت الذي جرت فيه مفاوضات للتوصّل إلى صفقة بين "حماس" وإسرائيل في الدوحة، من خلال الوسطاء، دفع الائتلاف الحكومي قدماً بمشروع قانون استهدف الوساطة القطرية. وسُمي "مشروع قانون مكافحة الدول الداعمة للإرهاب"، وهو المشروع الذي لم يُستكمل، ربما إلى حين، ويسمح بإحباط الوساطة القطرية المصيرية، في إطار المفاوضات لصفقة الأسرى، بزعم أن "الدوحة قدمت وموّلت أنشطة حماس... وبذلك، يمكن فعلياً إحباط صفقة مختطفين (محتجزين) من خلال حظر المشاركة القطرية في محادثات المفاوضات". في السادس من مايو/ أيار 2024، لم يمض وقت قصير على موافقة "حماس" على مقترح الصفقة حتى بدأت إسرائيل هجوماً مكثفاً على معبر رفح، وقصفت عدة مواقع في قطاع غزة، كما تسارعت ردات الفعل الإسرائيلية التي حاولت إيجاد مبررات لرفض الصفقة، تارة بزعم أن رد "حماس" مجرد ألاعيب، أو أن موافقتها ليست على النسخة ذاتها التي اقترحتها إسرائيل. وقبل ذلك بيوم واحد، حرص نتنياهو كعادته على تخريب جهود التوصل إلى صفقة بدا كأنها تقترب، فسرّب تفاهمات جلسة سرية مع المؤسسة الأمنية حول "التنازلات" من قبل إسرائيل من أجل إعادة المحتجزين الإسرائيليين في غزة، إلى الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بهدف تفجير الصفقة، من خلال تغطية سيئة لها في وسائل الإعلام العبرية، وربما تمرير معلومات لـ"حماس" أن بإمكانها الإصرار على إطلاق سراح عدد أقل من المحتجزين، وفي أعقاب تلك العاصفة التي حدثت، انفجر كل شيء على المستوى الإسرائيلي الداخلي بسبب الخلافات حول الصفقة، وكان القرار بوقف كل شيء. قبل ذلك، في يناير 2024، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن نتنياهو أحبط مبادرة لصفقة مع "حماس" بسبب تصلّبه في مواقفه. لكن هذه ليست كل المرات التي أفشلت فيها إسرائيل الصفقة من أجل مواصلة حرب غزة والإبادة والتهجير، وإنما هي غيض من فيض، فيما يبدو أن الصورة قد تكون مختلفة في هذه المرة تماشياً مع رغبات ترامب، وإن كانت خطته منحازة أصلاً للاحتلال، لكنها إذا تمت فسيخسر نتنياهو حتماً الفضل في إعادة المحتجزين من منظور عائلاتهم وربما غالبية المجتمع الإسرائيلي، وكذلك الفضل في إنهاء الحرب إذا انتهت.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows