سورية بلا قيود... رفع العقوبات الأميركية يُعيد كتابة الفرصة
Arab
17 hours ago
share
تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى العام 1979 عندما صنّفت الولايات المتحدة سورية "دولة راعية للإرهاب". في منتصف الألفية الأولى من القرن العشرين، فرضت الولايات المتحدة مجموعاتٍ متتاليةً من العقوبات ردّاً على الأنشطة السورية في لبنان وبرنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص بسورية، ثم عادت ففرضت عقوبات بدءاً من العام 2011 ردّاً على الحرب الأهلية السورية التي اندلعت حينذاك. بالرغم من هذا التاريخ الحافل، كانت العقوبات الأميركية على سورية قبل 2004 محدودةً بالمقارنة مع الفترة اللاحقة: فقد تألفت عقوبات ما قبل 2004، إلى حدّ كبير، من قيود على مساعدات الحكومة الأميركية إلى سورية، وحظر توريد الأسلحة، وعقوبات محدّدة الهدف على عدة مسؤولين سوريين وكيانات حكومية متورّطين في أنشطة محددة. فضلاً عن ذلك، نتيجة تصنيف سورية دولة راعية للإرهاب، فُرض على المصارف الأميركية إخضاع إجراءات مراقبة قصوى على المعاملات المتعلقة بالحكومة السورية، بما في ذلك الشركات والكيانات التي تمتلكها. أبقت الولايات المتحدة على العقوبات التي فرضتها على سورية منذ السبعينيات. لكنّ القسم الأكبر من العقوبات الأميركية على سورية فُرض في مرحلتين عريضتين أقرّ الكونغرس في العام 2003 قانون محاسبة سورية الذي ألزم الرئيس بفرض عقوبات أوسع على سورية، فطبّق الرئيس جورج و. بوش هذا القانون عام 2004 بإصدار الأمر التنفيذي رقم 13338 الذي فرض قيوداً على تصدير معظم السلع الأميركية إلى سورية، باستثناء المواد الغذائية والأدوية، وحظّر شركات النقل الجوي السورية من السفر إلى الولايات المتحدة، كما وسّع نطاق العقوبات الأميركية المحدّدة الهدفَ ضد مسؤولين سوريين وكيانات حكومية سورية. مع ذلك، بقي المجال مفتوحاً أمام أنشطة تجارية أخرى، بما فيها استيراد سلع سورية، والاستثمارات الأميركية في سورية، والمعاملات المصرفية الأميركية ذات الصلة بسورية. وسعت الولايات المتحدة، بشكل هائل، نطاق العقوبات على سورية في 2011، فمنعت معظم ما تبقى من أعمال تجارية مع سورية، كما فرضت عقوبات على الحكومة السورية، وعدّة شركات تابعة لها، فضلاً عن رجال أعمال سوريين وشركاتهم التجارية. في هذا الإطار، توضّح بعض الأرقام الإحصائية البسيطة عن الأعمال التجارية تأثير هذا التوسّع في العقوبات، تُضاف إلى ذلك الآثار الاقتصادية للحرب الأهلية السورية: ففي حين كانت التبادلات التجارية بين البلدين تفوق 900 مليون دولار عام 2010، بقيت ما دون 60 مليون دولار سنوياً منذ 2012. أضافت الولايات المتحدة بين 2011 و2019، أشخاصا، وشركات، وكيانات ذوي صلة بسورية إلى قوائم العقوبات الأميركية، مع الإشارة إلى أنّ الهيكل القانوني لهذه العقوبات بقي مستقراً إلى حدّ كبير. بعد ذلك، أقرّ الكونغرس في أواخر  2019 قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين الذي حدّد فئات جديدة للعقوبات الثانوية على سورية، سعياً إلى حظر فئات متنوّعة من الأعمال التجارية بين بلدان ثالثة وسورية.  أبقت الولايات المتحدة على العقوبات التي فرضتها على سورية منذ السبعينيات. لكنّ القسم الأكبر من العقوبات الأميركية على سورية فُرض في مرحلتين عريضتين: الأولى في العقد الأول من الألفية الجديدة، وقد عزاها صنّاع السياسات الأميركيون إلى دعم سورية الإرهاب، وإلى أنشطتها في لبنان، وغيرها من أنشطة الحكومة السورية؛ والثانية منذ 2011، وقد فُرضت، وفقاً لصنّاع السياسات الأميركيين، بسبب الحرب الأهلية السورية. أما الاتحاد الأوروبي، فقد بدأ بفرض العقوبات عام 2011، ثم صعّدها على عدة مراحل منذ ذلك العام.  فرضت الولايات المتحدة عقوبات "أساسية" و"ثانوية" على سورية. تحظر الأولى مزاولة المواطنين الأميركيين والشركات الأميركية (باستثناء أنواع معيّنة من أعمال الإغاثة الإنسانية) الأعمال التجارية، كما تحظر المعاملات المالية التي تمرّ عبر النظام المالي الأميركي، وبيع السلع أميركية الصنع إلى سورية.  تصل العقوبات الأساسية الأميركية إلى مصافّ حظر كل الروابط التجارية والمالية تقريباً بين الولايات المتحدة وسورية، مع تسجيل استثناءات محدودة. فتتمثل الفئات الرئيسية للعقوبات الأساسية الأميركية بما يلي: 1979: تصنيف سورية "دولة راعية للإرهاب" بداية العقوبات، شملت حظر المساعدات وتوريد الأسلحة وفرض رقابة مالية مشدّدة. 2003: قانون محاسبة سورية (Syria Accountability Act) أقرّه الكونغرس، مهد لفرض عقوبات أوسع على خلفية الأنشطة في لبنان ودعم الإرهاب. 2004: الأمر التنفيذي 13338 (جورج بوش) فرض حظر على تصدير السلع الأميركية (باستثناء الغذاء والدواء) ومنع السفر الجوي. 2006-2008: أوامر تنفيذية إضافية (13399، 13460) استهداف مسؤولين وكيانات محددة، خاصة بعد اغتيال رفيق الحريري. 2011: توسيع العقوبات ردّا على الحرب الأهلية السورية وفرض عقوبات واسعة على الحكومة، شركات، رجال أعمال، وتقييد شبه شامل للتجارة. 2011-2019: إضافة مستمرة لأشخاص وكيانات سورية لقوائم العقوبات وتوسيع تدريجي على خلفية الانتهاكات المستمرة. 2019 (ديسمبر/ كانون الأول): إقرار قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين. إدخال العقوبات الثانوية لأول مرة، تستهدف الأطراف الثالثة المتعاملة مع سورية. 2020 (يونيو/ حزيران): دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ. بدأت العقوبات الثانوية تطبق فعليًا على شركات غير أميركية تتعامل مع النظام. 2022 (ديسمبر): إقرار قانون مكافحة تجارة الكبتاغون. استجابة لاتهامات تورط النظام بتجارة الكبتاغون، فرض عقوبات إضافية. 2023-2024: توسيع عقوبات الكبتاغون. إدراج مزيد من الكيانات العسكرية والأمنية في قوائم العقوبات المرتبطة بالمخدرات. 2025 (مايو/ أيار 14): إعلان ترامب من الرياض عن آلية رفع تدريجي للعقوبات. مقترح مشروط يشمل التزام النظام السوري بخطوات سياسية وأمنية وإنسانية. يأتي رفع العقوبات في توقيت حاسم، إذ يشكل انفجار أمل حقيقي في قلب الشرق الأوسط الذي طالما عانى من توترات مستمرة وأزمات إنسانية متراكمة في ضوء الإعلان التاريخي عن بدء مسار رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية، بدأت صفحة جديدة ومفصلية في تاريخ العلاقات الدولية والإقليمية مع سورية. لم يكن هذا القرار مجرّد خطوة إدارية أو سياسية، بل هو انعكاس لإعادة تقييم استراتيجي عميق من واشنطن والفاعلين الدوليين، بشأن أثر العقوبات على الواقع السوري والمنطقة بأسرها. برز خلال هذا المسار دور محوري وحيوي للدول الإقليمية، سيما السعودية وقطر وتركيا، التي عملت بتناغم وتنسيق مستمر لدفع جهود إعادة دمج سورية في النظام الإقليمي. فهذه الدول، التي كانت تعاني من تداعيات الأزمة السورية وتأثيراتها الأمنية والإنسانية والاقتصادية، رأت في هذا المسار فرصة لتحقيق استقرار أكثر شمولية، وتحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية وضرورة المساهمة في إعادة بناء سورية. لقد أكّد الجميع على أهمية وضع حد لمعاناة الشعب السوري عبر التخفيف من وطأة العقوبات، وفي الوقت نفسه، ضمان احترام متطلبات الأمن الإقليمي، من خلال آليات واضحة وشفافة لمراقبة أي تجاوزات أو انتهاكات مستقبلية. يأتي رفع العقوبات في توقيت حاسم، إذ يشكل انفجار أمل حقيقي في قلب الشرق الأوسط الذي طالما عانى من توترات مستمرة وأزمات إنسانية متراكمة. ويعكس هذا القرار إدراكاً مشتركاً بين الفاعلين الإقليميين والدوليين بأن استمرار العقوبات المفروضة على سورية عقوداً طويلة لم يكن مجدياً فقط على الصعيد السياسي، بل أدّى أيضاً إلى تعميق الأزمة الإنسانية، وإضعاف بنية الاقتصاد السوري، ما حال دون تحقيق أي انتعاش اقتصادي أو اجتماعي يُذكر في سورية. لقد أصبح واضحاً أن استمرار هذه العقوبات لا يضرّ النظام السوري، بل يعاقب في المقابل ملايين السوريين الأبرياء الذين يرزحون تحت وطأة الفقر والبطالة ونقص الخدمات الأساسية. بفتح الباب لرفع العقوبات، تتوافر فرصة استثنائية لتحفيز النمو الاقتصادي عبر استقطاب الاستثمارات الخارجية، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والتنموية، وتعزيز إعادة الإعمار في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، والصناعة. هذا التحرر الاقتصادي المتوقع سيؤدي إلى تحسين أوضاع المجتمع السوري بشكل ملموس. 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows