
عام 2012، أُطلق على البرلمان الجزائري اسم برلمان “الحفافات” أو “مصففات الشعر”؛ وهي تسمية أُطلقت على برلمانيات سابقات فزن في الانتخابات عبر نظام الكوتا النسوية، لأنّ كثيرين رأوا نجاحهن في الانتخابات لا يستند إلى كفاءة أو حضور سياسي كافٍ.
ماجدة زوين
02 أكتوبر 2025
جاء نظام الكوتا النسائية ضمن الإصلاحات الدستورية لعام 2008، الهادفة إلى تعزيز مشاركة المرأة سياسياً؛ إذ صدر القانون العضوي عام 2012، ليُقر تخصيص 20 إلى 50 في المئة من مقاعد المجالس المنتخبة للنساء في البلدية والولائية والنيابية، حسب عدد المقاعد والكثافة السكانية.
أثار هذا القانون جدلاً واسعاً قبل إلغائه عام 2020، وهو القرار الذي تصفه الناشطة النسوية الجزائرية آمال حجاج، بأنه مثال جماعي للتمييز الذي تعيشه النساء في الجزائر.
فبعد أن منح قانون الكوتا عام 2012 تمثيلاً بنسبة 31.6 في المئة، وحظي بإشادة إقليمية، جاء قانون الانتخابات لسنة 2021، ليتراجع تمثيل النساء إلى نحو ثمانية في المئة فقط، عن طريق مناصفة شكلية في القوائم، بحسب وصف آمال.
تقول الناشطة الجزائرية: “الأخطر أن هذا التراجع يُبرَّر بخطاب الكفاءة، في حين أنّنا نعلم أنّ النساء في الجزائر أكثر تعليماً وتحصيلاً جامعياً من الرجال. لكن هذا المعيار لا يُطرح عندما يتعلق الأمر بالرجال، بل يُستعمل حصراً كذريعة لإقصاء النساء”.
التمييز ضد الجزائريات
تنص المادة 35 من الدستور الجزائري، المُعدَّل سنة 2020، على حظر التمييز بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، بإزالة العقبات التي تعوق تقبل الآخر، وتحول دون المشاركة الفعلية للجميع في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
غير أن الممارسة الفعلية داخل بعض المؤسسات تكشف عن “فجوة بين النص والتطبيق، ترجع إلى غياب آليات تنفيذية واضحة وفعالة تجسد هذا المبدأ بصفة صارمة “.
وترى المحامية عائشة الزميت، أن النصوص وحدها غير كافية، وأن الإشكال يكمن في ضعف التطبيق والرقابة، وعدم تفعيل المسؤولية التأديبية والجزائية عند ثبوت التمييز.
وتتعدد قصص جزائريات بين العنف المؤسساتي والتمييز، حيث تؤكد ريان (اسم مستعار)، مسؤولة التسويق في إحدى المؤسسات الخاصة، أن مسارها المهني لم يخلُ من محطات تمييز وإقصاء واجهتها في أكثر من وظيفة، معتبرة أن تجربتها تعكس واقعاً واسعاً تعانيه الكثير من النساء داخل بيئة العمل في الجزائر.
تضيف: “في عملي الأول، اكتشفت أن أحد الزملاء الذي تخرج مؤخراً، كان يتقاضى راتباً أعلى من راتبي، رغم أنني كنت أملك آنذاك ثلاث إلى أربع سنوات خبرة في المنصب. كان عليّ أن أطرح الموضوع بنفسي على الإدارة حتى أحصل على مراجعة للراتب، ولم يتم تعديل راتبي إلى 52 ألف دينار جزائري؛ أي أعلى قليلاً من راتبه، إلا بعد هذه الخطوة”.
ويكفل القانون الجزائري المساواة في الأجور بين الرجال والنساء، بنص القانون رقم 90-11 من قانون العمل: “يجب على كل مستخدم ضمان المساواة في الأجور بين العمال لكل عمل مساوي القيمة بدون أي تمييز”.
تجربتها الثانية لم تكن أفضل حالاً، إذ تقول ريان: “في منصبي الثاني، كانت مديرتي تتعمد استخدام عبارات تحقيرية بانتظام تجاه الفريق بأكمله، وذات يوم قالت لي: لو كنت مكانك لانتحرت، وبعد حادثة مهينة أمام الجميع حيث استهدفتني، خرجتُ في استراحة الغداء، ذهبت إلى مفتشية العمل، وقدمت استقالتي في اليوم نفسه بعد الظهر”.
أما في عملها الحالي، فتصف ريان الوضع بالأسوأ: “منذ أول لقاء مع المدير العام، قال لي: تعرّي واصعدي للرقص فوق المكتب. وكان يلقبني باستمرار بأسماء مثل: حبيبتي الصغيرة، طفلتي الحبيبة، كما انتقص من عملي وأمرني في اجتماع قائلاً: اخرسي! وصرّح بعبارات مهينة وجنسية”.
تختم ريان شهادتها بالقول: “حالياً، هو يتجاهلني، لكنني اخترت توثيق هذه السلوكيات والاحتفاظ بالأدلة، بهدف القيام بخطوات رسمية لاحقاً”.
تروي أسماء، التي تعمل مساعدة أولى في قطاع السينما، تجربتها مع سلوكيات غير لائقة تَعرضت لها خلال مسارها المهني، مؤكدة أن الأمر يتكرر كلما تولت موقعاً مسؤولاً.
تقول: “أحياناً يكون السلوك مسيئاً بشكل مباشر، وأحياناً بطريقة غير مباشرة، لكنّه في الغالب يظهر عندما لا يتقبل البعض أن أكون في منصب مسؤولية، غالباً ما أعمل كمساعدة عادية، لكن عندما أكون المساعدة الأولى تصبح الأمور أكثر تعقيداً”.
وتوضح أن الصعوبات تبرز خاصة مع رؤساء الأقسام، أو بعض المسؤولين الميدانيين كقولهم: “واش، إنتِ اللي تعطي أوامر؟”.
وتضيف أسماء: “غالباً ما يتم انتقادي أمام الجميع أو توبيخي علناً، فقط لأنني في موقع مسؤولية ضمن الفريق، هناك دائماً نوع من عدم الاحترام لمجرد أنني امرأة تقود جزءاً من العمل”.
“ومن الإعلام ما ظلم”
تشير دراسة أُجريت في الجزائر عام 2017، إلى أن مكانة النساء في قطاع الاتصال ومؤسسات الصحافة، سواء المكتوبة أو السمعية البصرية، تمثل وزناً معتبراً نسبياً، رغم محدودية حضورهن في مناصب القيادة.
وتشير أرقام الدراسة إلى أن النساء يشكلن نسبة مهمة في قطاع الإعلام الجزائري، فيمثلن 50 في المئة من الموظفين. وفي المؤسسة العمومية للتلفزيون، تشكل النساء 57 في المئة من الصحفيين، ويشغلن أقساماً كان يهيمن عليها الذكور. لكنّ المناصب القيادية العليا ما زالت محدودة، فتشغل مديرة واحدة فقط منصباً قيادياً. أما المناصب القيادية المتوسطة، فتشغل النساء ما نسبته 33 في المئة، وفي الإذاعات العمومية يشغلن 42 في المئة من المناصب القيادية، دون الوصول إلى أعلى المناصب. وتمثل النساء في الصحافة المكتوبة والإلكترونية، 44 في المئة من توقيعات المقالات بالفرنسية، و37 في المئة بالعربية.
تقول سميرة (اسم مستعار)، وهي صحفية ذو خبرة مهنية متنوعة، عملت في الإذاعة والتلفزيون لسنوات. لكن رغم خبراتها المتراكمة، لم تنل أي ترقية.
تضيف: “واجهت العديد من العقبات خلال مساري المهني كامرأة، أولها العقبة الاجتماعية، فنحن نعيش في مجتمع ذكوري يرفض عمل المرأة وظهورها، خاصة في مجال الإعلام الذي يتطلب التزاماً دائماً وحضوراً مستمراً”.
وتشير سميرة إلى أن غياب النساء في الحكومة مثال واضح؛ إذ لم يسبق أن شغلت امرأة وزارة سيادية مثل الداخلية أو العدل أو الخارجية أو الدفاع، رغم وجود كفاءات نسائية عالية. وتضيف أن الأمر نفسه يتكرّر في الإعلام: “يكاد ينعدم حضور النساء في مواقع القرار، فلا وجود لمديرة على رأس مؤسسات إعلامية بمرسوم رئاسي، مثل وكالة الأنباء أو التلفزيون أو الإذاعة، فجميعها تحت سلطة الرجال”.

عوائق أمام الترقية والتقدم المهني
يؤثر التمييز بشكل واضح في شغل النساء لمناصب قيادية، ومشاركتهن في مواقع اتخاذ القرار، وهو ما تعتبره الناشطة النسوية، آمال حجاج، انعكاساً مباشراً وخطيراً. تؤدي هذه الممارسات إلى ترسيخ “النظرة الدونية” تجاه المرأة، وتكريس الصور النمطية التي تدفعها أحياناً إلى التشكيك في قدراتها على القيادة واتخاذ القرار. تضيف آمال: “شهدنا حملات شرسة من التنمر والهجوم ضد نساء بمجرد وصولهن إلى مواقع قيادية، وغالباً ما يكون النقد موجهاً لأمور شخصية وبأسلوب ذكوري بحت، في حين لا يُعامل الرجال بالمعيار نفسه”.
وتُعدّ وزيرة التربية السابقة، نورية بن غبريط، مثالاً بارزاً على ذلك؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي عام 2016، شنت عليها حملات تنمر وكراهية تركزت على أصولها، وعدم إتقانها اللغة العربية، ومواقفها الإصلاحية، بدلاً من التركيز على محتوى سياساتها.
كما أثار تعيين ليلى عسلاوي، رئيسة للمحكمة الدستورية في الجزائر، تفاعلاً واسعاً في الرأي العام خلال شهر آب/أغسطس 2025، بالنظر إلى الأهمية البالغة لهذه الهيئة في هيكلة النظام السياسي للبلاد.
كان مجرّد ظهور اسم ليلى عسلاوي كافياً لإعادة إشعال النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي. تركز الجدل والنقاش تحديداً حول عامل السن، وخلّف تساؤلات حول تمكين الشباب في مناصب حساسة.
وتوضح الناشطة الجزائرية، آمال حجاج، أن هذه الحملات والعراقيل تدفع الكثير من النساء إلى التراجع عن الترشح أو المطالبة بالترقية. وتستشهد بما حدث خلال الانتخابات التشريعية عام 2021، حيث لجأت بعض المرشحات إلى إدراج أسمائهن في القوائم من دون صورهن، خشية التهكم والسخرية.
وتضيف أن مشاهد الاعتداءات اللفظية والتنمر ضد السياسيات، في الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي، تجعل كثيرات يترددن في خوض غمار السياسة، أو السعي نحو مواقع قيادية.
وتؤكد آمال أن الأمر يستدعي تدابير جدية؛ من بينها سنّ قانون خاص يجرّم التشهير والتعنيف ضد النساء، خاصة في الفضاء العام والسياسي.
تقدم في سوق العمل
تزداد مشاركة النساء في سوق العمل، فقد ارتفع معدل النشاط الاقتصادي من 15 في المئة عام 2014 إلى 19 في المئة عام 2024، لكنّه لا يزال أقل بكثير من تمثيل الرجال، بحسب دراسة أجرتها المؤسسة من أجل المساواة “سيداف” عام 2024.
ورغم هذا التقدم، ما تزال النساء يواجهن صعوبات أكبر في الحصول على عمل، فلديهن معدل بطالة أعلى، وبمنحى تصاعدي مقارنة بعام 2014.
وتتركز أغلب الوظائف النسائية في قطاعي الصحة والخدمات الاجتماعية، وتتخطى عدد الرجال في القطاعين، كما يحققن تفوقاً في المهن الفكرية بنسبة تتجاوز الرجال.
وتزداد هذه الصعوبات حين يتعلق الأمر بالمشاركة النقابية. “يُعدّ النشاط النقابي عملاً سياسياً لا يشجعه المجتمع، كما أن الإدارة تحاول شيطنة هذا العمل وعزله، ويتعرض أصحابه لضغوطات وملاحقات أمنية، كما تتعرض النساء النقابيات لتحرّش الإدارة وأعوانها، وهذا يعود إلى ضعف تكوين الإدارة الجزائرية، وجهلها بقانون العمل”، وفق تقرير بعنوان “النساء النقابيات في الجزائر وتمثيلهن: واقع ورهانات”.
يشير التقرير إلى إحراز تقدم ملحوظ في حضور النساء داخل النقابات، غير أن نسبة تمثيلهن في المناصب القيادية لا تزال محدودة، بالإضافة إلى غيابهن الكامل عن فرق التفاوض.
المطالبة بالمناصفة ومراجعة القوانين
تتجدد المطالب من منظمات المجتمع المدني، والجمعيات النسوية، بضرورة محاربة جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء في الجزائر. ومن هذه المطالبات، وجّهت المحامية لطيفة ديب، رئيسة المنظمة الوطنية للكفاءات والنخب النسوية الجزائرية، نداء إلى الرئيس الجزائري، طالبت فيه “بتكريس المناصفة في تقلّد المناصب العليا بالدولة بين النساء والرجال”، تماشياً مع ما نصّ عليه التعديل الدستوري لسنة 2020.
تقول لطيفة: “نطمح إلى رؤية الكفاءات النسوية الحقيقية والجدية على مستوى جميع الدوائر، بما في ذلك الرئاسية والاستشارية والوزارية، وباقي مؤسسات الدولة، وبالمناصفة مع الرجال، لما يتمتع به العنصر النسوي من كفاءة، وتحقيقاً لمبدأ العدل والمساواة”.
في حين رأت رئيسة مؤسسة الجريدة النسوية، آمال حجاج، أن البداية تكون بمراجعة شاملة للترسانة القانونية، وإلغاء المواد التمييزية، خصوصاً قانون الأسرة، إلى جانب إعادة نظام الكوتا كآلية انتقالية، وسن قوانين صارمة ضد العنف المؤسساتي.
وعن الإجراءات العاجلة للحد من التمييز المؤسساتي ضد النساء، ترى ريان، مسؤولة التسويق في إحدى المؤسسات الخاصة، ضرورة تعزيز القوانين وتطبيقها بصرامة، مع ضمان وصول النساء إلى المناصب القيادية وتوفير مرافقة للضحايا.
فيما أكدت سميرة، التي تعمل صحفية منذ سنوات، أن تمكين المرأة يجب أن يكون على أساس الكفاءة، بعيداً عن منطق “الجندرة” مع ضرورة تطبيق القوانين بعدالة.
بينما ترى أسماء، مساعدة أولى في قطاع السينما، أن العائق لا يرتبط دائماً بالقوانين، بل بالعقليات وبالخوف والتردد الذي يحد من وصول النساء إلى مواقع القرار، معتبرة أن المجتمع المدني أداة دعم أساسية.
ورغم ما تحقق من إصلاحات وتشريعات ضامنة للمساواة، ما تزال الفجوة كبيرة بين النصوص والواقع. فالنساء في الجزائر يواجهن عراقيل متجذرة، اجتماعية ومؤسساتية وثقافية، تحول دون وصولهن العادل إلى مواقع القرار.
ومن هنا، تتجدد المطالب الحقوقية والنسوية ليس فقط بتطوير القوانين، بل بتفعيل آليات الحماية والمحاسبة، وتغيير العقليات السائدة، بما يجعل المساواة مشاركة فعلية، ورافعة حقيقية للتنمية والديمقراطية، لا مجرد نصوص على الورق.
ظهرت المقالة تمييز "جندري": جزائريات يُستبعدن من الترقية والمناصب القيادية أولاً على إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
Related News
