طوفان الأقصى... خسائر إسرائيل الديمغرافية والأكاديمية والنفسية
Arab
20 hours ago
share
فاجأت عملية "طوفان الأقصى" الجميع حول العالم، لكن المفاجأة كانت مدوية في إسرائيل، إذ مثّل الحدث ضربة كبيرة لكل تصورات الأمن والقوة، ولعوامل الجذب الديمغرافي التي عملت حكومات الاحتلال المتعاقبة على تضخيمها طوال عقود، خاصة مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى، وأسر عشرات آخرين، لا يزال بعضهم تحت الأسر. وأصدرت مؤسسات رسمية إسرائيلية بيانات عدة حول أرقام القتلى والإصابات، في حين قدمت منظمات حقوقية ومراقبون مستقلون تقديرات وتحليلات تختلف عن الأرقام الرسمية، مشيرين إلى تحديات كبيرة في جمع البيانات نتيجة الرقابة المشددة المفروضة من قبل سلطات الاحتلال. تشرف مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية على تعويض ضحايا "الأعمال العدائية"، وكشفت، أمس الاثنين، أنها تعالج "أكثر من 80 ألف متضرر" من السابع من أكتوبر، كما وثقت مقتل 978 شخصاً، قالت إنهم مدنيون، من بينهم 84 أجنبياً، مشيرة إلى أنه "تمّ تحديد 33 ألفاً و983 إصابة على أنها إعاقة، ومن بين هؤلاء تمّ تحديد 30 ألفاً و462 كإعاقة نفسية، و1592 كإعاقة جسدية، و1929 جسدية ونفسية معاً". وسجلت المؤسسة أكثر من 30 ألف شخص أصيبوا باضطرابات نفسية، مضيفة أنه في يوم 7 أكتوبر وحده "تم تسجيل أكثر من 70 ألف مصاب، من بينهم 771 أجنبياً، وخلال الحرب أُضيف أكثر من 7200 مصاب آخرين، من بينهم 44 أجنبياً"، كما سجلت خلال الحرب مع إيران، والتي بدأت في 13 يونيو/ حزيران الماضي، واستمرت 12 يوماً، 1176 إصابة، من بينهم 10 أجانب.  وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان، الاثنين، مقتل 1152 عسكرياً منذ 7 أكتوبر 2023، وأن 1035 من هؤلاء كانوا جنوداً، ومن بينهم 466 قتلوا في المعارك البرية بقطاع غزة. لكن مراقبين كثر يؤكدون أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير، ويشيرون إلى الرقابة الصارمة التي تفرضها سلطات تل أبيب على نشر الأرقام حول خسائرها البشرية والمادية. وبينما تركز التقارير غالباً على الخسائر الجسدية المباشرة، فإن الآثار النفسية طويلة المدى غالباً ما تكون أعمق، وأكثر انتشاراً، وتستمر لسنوات، بل لعقود، إذ تخلف مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية التي قد تتطور بمرور الوقت، وتشمل هذه الاضطرابات على سبيل المثال، اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم، وتعاطي المخدرات، والأفكار الانتحارية، وهذه الآثار لا تقتصر على الجنود فحسب، بل تمتد لتشمل المدنيين، بمن فيهم الأطفال. ولا تتوقف تداعيات "طوفان الأقصى" داخل إسرائيل على الأضرار الجسدية والنفسية، بل تشمل التحولات الديموغرافية والاجتماعية الواضحة، وتُشير العديد من التقارير إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد من غادروا إسرائيل، أو من يفكرون في المغادرة، ما يرسم صورة واضحة لتزايد القلق وعدم اليقين.  وكانت "الهجرة العكسية" التي تعني تزايد أعداد الإسرائيليين الذين يغادرون، ظاهرة موجودة بدرجات متفاوتة في السابق، لكنها اكتسبت زخماً أعمق في أعقاب السابع من أكتوبر. وبحسب الأرقام المتاحة، فقد غادر 82,700 إسرائيلي للعيش في أماكن أخرى من العالم خلال عام 2024، بينما الأرقام المعلنة لأعداد الوافدين الجدد سنوياً تقدر بنحو 50 ألف شخص، وأشار استطلاع رأي نشرته "هآرتس" في مايو/أيار الماضي، إلى أن 40% من الإسرائيليين يفكرون في المغادرة، وأن 81% من الذين غادروا كانوا من الشباب. وتُشكل ظاهرة الهجرة العكسية تحدياً وجودياً لإسرائيل، خاصة أنها تعتمد على الهجرة للحفاظ على تركيبتها الديموغرافية، ويمكن أن تكون لها تداعيات خطرة على المدى الطويل إذا استمرت أعداد المغادرين في التزايد، كما أن بين المغادرين عاملون في قطاعات حيوية، مثل التكنولوجيا الفائقة، ما يؤثر سلباً على الاقتصاد والابتكار. وتشير تقارير عبرية إلى انهيار الثقة بالمستقبل بعد عامين من 7 أكتوبر، وأبرزت مؤسسة "ذي فوروارد" اليهودية، في 3 أكتوبر الماضي، ما وصفته بـ"تزايد الشعور باليأس"، والذي يؤدي إلى تراجع المشاركة المدنية، وزيادة الانقسامات الداخلية، وتآكل التماسك الاجتماعي، إذ إن مغادرة الأصدقاء والأقارب والجيران يؤثر سلباً على الأشخاص، ويزيد الشعور بالعزلة، كما تواجه الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والرعاية الصحية، تحديات كبيرة في التكيف مع التغيرات الديموغرافية، خاصة في المناطق التي تشهد معدلات هجرة عالية. لا يمكن أيضا تجاهل المقاطعة الأكاديمية الواسعة التي تعرضت لها الجامعات والأكاديميين الإسرائيليين خلال السنتين الماضيتين، وبعضها تأثر باحتجاجات الطلاب داخل الجامعات حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة، وكشف تقرير لـ"لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية"، في يوليو/تموز الماضي، أنها سجلت أكثر من 750 حالة مقاطعة أكاديمية منذ بداية الحرب على غزة، مشيرة إلى خسائر معنوية واقتصادية هائلة نتيجة هذه المقاطعة، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس". وفي الشهر ذاته، عقدت المفوضية الأوروبية جلسة لمناقشة توصية تعليق جزئي لوصول إسرائيل إلى برنامج تمويل الأبحاث العلمية "هورايزون 2020". رغم كل ذلك، لا يمكن مقارنة هذه التداعيات الإسرائيلية بما يعيشه الفلسطينيون، خاصة في قطاع غزة، حيث تتخد الحياة طابعاً كارثياً، فبينما يعاني الإسرائيليون من تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية، فإنها لا تصل إلى مستوى الانهيار الكامل الذي يشهده الفلسطينيون، وفي حين يواجه الإسرائيليون تحديات مثل الهجرة وتراجع النمو الاقتصادي، يواجه الفلسطينيون في غزة خطر الإبادة الجماعية والمجاعة والنزوح القسري، وبينما يعاني الإسرائيليون من اضطرابات نفسية نتيجة للصدمة والخوف، فإن الفلسطينيين في غزة يعيشون صدمات مستمرة، وهي تتجدد مع استمرار فقدان الأحباء والمنازل والأمان.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows