
(لاهاي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن أول إدانة تصدرها "المحكمة الجنائية الدولية" لزعيم سابق في ميليشيات "الجنجويد" بارتكاب جرائم خطيرة في إقليم دارفور في السودان تسلط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات دولية لضمان المحاسبة عن الجرائم في جميع أنحاء البلاد.
في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أدان قضاة المحكمة علي محمد علي عبد الرحمن (المعروف أيضا باسم علي كوشيب) بـ 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في 2003 و2004 في أربع قرى – كودوم، وبنديسي، وموكجار، وديليغ – في غرب دارفور. أصدر القضاة أيضا قرارا يحدد توقيت إجراءات النطق بالحكم.
قالت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "الحكم التاريخي الذي طال انتظاره من المحكمة الجنائية الدولية، والذي يدين الجرائم الخطيرة في دارفور، يوفر الفرصة الأولى للضحايا والمجتمعات المحلية التي أرهبتها الجنجويد لرؤية قدر من العدالة أمام المحكمة. النزاع الحالي في السودان يخلق أجيالا جديدة من الضحايا ويفاقم معاناة أولئك الذين استُهدفوا في الماضي، لذا يجب أن يحفز الحكم الحكومات على اتخاذ إجراءات لتعزيز العدالة بكل الوسائل الممكنة".
عُرضت قضايا أخرى عدة تتعلق بجرائم ارتكبت في دارفور بين 2003 و2008 على المحكمة الجنائية الدولية. وهي نتيجة تحقيق أعقب إحالة "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" في 2005 للوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة.
أنشأت حكومة عمر البشير في السودان ما يسمى بميليشيا الجنجويد، التي عملت جنبا إلى جنب مع القوات الحكومية السودانية خلال حملة قمع وحشية ضد الجماعات المتمردة لتنفيذ حملة تطهير عرقي منهجية.
استهدفت الحملة المدنيين من مجموعات الفور والمساليت والزغاوة الإثنية، التي جندت الجماعات المتمردة مقاتلين منها. في ذلك الوقت، كان الاهتمام الدولي منصبا على الإقليم وأثبتت إحالة مجلس الأمن – الأولى من نوعها – صلاحية ولاية المحكمة الأساسية، بعد عامين فقط من افتتاحها.
دعت هيومن رايتس ووتش المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق بشأن علي كوشيب فيما يتعلق بجرائمه المزعومة في دارفور في تقرير صدر العام 2005 .أصدر قضاة المحكمة أول مذكرة توقيف ضد كوشيب في عام 2007، لكنه ظل طليقا لأكثر من عقد من الزمان. في 2013، وثّقت هيومن رايتس ووتش ضلوعه في تدمير محلية أبو جرادل والقرى المحيطة بها في وسط دارفور. أُعلن عن مذكرة توقيف ثانية من الجنائية الدولية بعد أن سلم علي كوشيب نفسه ونُقل ليحتجز في عهدة الجنائية الدولية في يونيو/حزيران 2020.
أدان القضاة علي كوشيب بتهم تشمل القتل، والاغتصاب، وتوجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين، والنهب، وتدمير ممتلكات الخصم، والترحيل القسري للسكان، والاعتداء على الكرامة الشخصية، والاضطهاد، والمعاملة القاسية، وغيرها من الأفعال اللاإنسانية.
يأتي هذا الحكم بعد أكثر من عامين على اندلاع النزاع الحالي في السودان بين القوات المسلحة السودانية و"قوات الدعم السريع"، وهي مجموعة شبه عسكرية نشأت عن محاولة الحكومة دمج الجنجويد في هيكل رسمي.
وقد ارتكب الطرفان المتحاربان جرائم حرب، مثل إعدام المعتقلين والتمثيل بجثثهم، وانتهاكات خطيرة أخرى للقانون الإنساني الدولي في مواقع شملت الخرطوم وشمال دارفور والجزيرة وولايتي جنوب وغرب كردفان، وفقا لما توصلت إليه هيومن رايتس ووتش.
ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية، شملت حملة تطهير عرقي في غرب دارفور في العام 2023 ضد قبائل المساليت ومجتمعات غير عربية أخرى، وعنف جنسي واسع في العاصمة الخرطوم منذ العام 2023. كما اغتصبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها عشرات النساء والفتيات في سياق الاسترقاق الجنسي في جنوب كردفان منذ سبتمبر/أيلول 2023.
أشار مكتب المدعي العام لـ الجنائية الدولية إلى أنه يتوقع في يناير/كانون الثاني 2025 أن يطلب مذكرات توقيف بناء على تحقيقاته الحالية في الجرائم المرتكبة منذ أبريل/نيسان 2023 في غرب دارفور. ما تزال ولاية الجنائية الدولية مقتصرة على دارفور بموجب إحالة مجلس الأمن الدولي.
وقد كُلفت "البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان" المدعومة من الأمم المتحدة و"بعثة تقصي الحقائق المشتركة للاتحاد الأفريقي في السودان" بالتحقيق في الانتهاكات الحالية في جميع أنحاء السودان، لكنهما لا تملكان سلطة المقاضاة. في النزاع الحالي، لا يمكن لأي هيئة دولية مقاضاة الجرائم الدولية المرتكبة في مناطق أخرى غير دارفور.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه من أجل محاسبة الجناة، ينبغي للحكومات دعم العمل الجاري للمحكمة الجنائية الدولية، مع دعم مسارات العدالة الشاملة التي يقودها الشعب السوداني لمعالجة الجرائم المرتكبة منذ أبريل/نيسان 2023. وينبغي أن يشمل ذلك السعي إلى توسيع ولاية الجنائية الدولية لتشمل السودان كله، والعمل على إنشاء آلية عدالة دولية للسودان، وتشجيع رفع القضايا أمام محاكم دول أخرى بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.
يأتي هذا الحكم في الوقت الذي تواجه فيه المحكمة الجنائية الدولية تهديدات خطيرة من معارضي المساءلة، بما يشمل الإدارة الحالية للرئيس ترامب في الولايات المتحدة. لم تنضم الولايات المتحدة قط إلى المحكمة، لكنها كانت داعمة واضحة للتحقيق في دارفور على مر عهود رؤساء عدة. وقد أشاد قادة بارزون في الكونغرس الأمريكي بعمل الجنائية الدولية في دارفور، وقدمت الولايات المتحدة دعما ماليا كبيرا للجهود الرامية إلى توثيق الجرائم الدولية الخطيرة في السودان.
وفي محاولة لإحباط عمل المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين، فرضت إدارة ترامب عقوبات على مسؤولي المحكمة، وخبيرة حقوقية تابعة للأمم المتحدة، وثلاث منظمات حقوقية فلسطينية. وتهدد هذه العقوبات عمل المحكمة في حالات تشمل السودان، حيث ينتظر الضحايا العدالة منذ أكثر من 20 عاما.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الحكم بحق علي كوشيب تذكير مهم بأهمية الجنائية الدولية باعتبارها محكمة دائمة تشكل الملاذ الأخير عندما تكون سبل العدالة الأخرى جميعها مسدودة.
على الحكومات أن تدين بشدة الإجراءات الأمريكية ضد المحكمة، وأن تضاعف التزامها بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ودعمها بسبل تشمل ضمان توقيف المتهمين وتوفير التمويل الكافي للمحكمة، وأن تدعو إلى إلغاء برنامج العقوبات الأمريكية.
لطالما ناضل الدارفوريون ونشطاء في السودان وجميع أنحاء أفريقيا من أجل تسليم علي كوشيب ومشتبه بهم آخرين مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية. تظاهرت المجتمعات المحلية والنازحون الدارفوريون في السودان دعما لمحاكمة علي كوشيب، ونظموا وقفات احتجاجية من أجل ضحايا الهجمات التي يُزعم أنه مسؤول عنها.
لم يتم بعد تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير واثنين آخرين من كبار المسؤولين السودانيين السابقين المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، بمن فيهم وزير الدولة السابق للشؤون الإنسانية والحاكم السابق لولاية جنوب كردفان أحمد هارون. قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات السودانية تسليم البشير والآخرين على الفور.
قالت إيفنسون: "يواصل طرفا النزاع ارتكاب جرائم فظيعة في مختلف أنحاء السودان، مدفوعَيْن بالإفلات من العقاب المتفشي، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا. على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية والحكومات الداعمة للعدالة أن تعلن بوضوح دعمها للمحكمة، وأن تلتزم علنا باستكشاف جميع السبل لسد فجوة المساءلة في السودان، حتى لا يضطر ضحايا جرائم اليوم إلى الانتظار عقدين من الزمن لنيل العدالة".
Related News

