
Arab
أدت الظروف المناخية في تركيا العام الماضي وما صاحبها من جفاف وارتفاع درجات الحرارة، إلى تراجع إنتاج تركيا وصادراتها من المنتجات الزراعية، واستتبع ذلك ارتفاع الأسعار على المستهلك المحلي. وقد أصبحت سلع مثل الفاكهة والمكسرات التي تشتهر تركيا بزراعتها ترفاً بالنسبة للمستهلكين المحليين بعدما أصبحت أسعارها فوق قدرتهم الشرائية.
وفي حين لم تهبط أسعار الفواكه هذا الموسم عن 150 ليرة للكيلو (دراق، مشمش، خوخ)، سجل الكرز أكثر من 300 ليرة والتين نحو 300 ليرة، في المقابل شهدت أسعار المكسرات (بندق، لوز، جوز، فستق حلبي) قفزات متتالية وصلت أكثر من 50% هذا العام. (الدولار يساوي 41.7158 ليرة).
ويقول الخبير الاقتصادي، خليل أوزون إن تراجع الأمطار وغلاء مستلزمات الزراعة، والتي تشهدها تركيا منذ أعوام، بدلت من الإنتاج الزراعي، وهو أمر بات ملحوظاً منذ زلزال عام 2023 حتى اليوم، وقد أثر ذلك على موقع تركيا الإنتاجي وجعل المنتجات الزراعية أغلى من قدرة المستهلك ودخله. ويضيف أوزون لـ"العربي الجديد" أن ترتيب تركيا، على الأرجح، قد تراجع من المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج محاصيل مثل البندق والمشمش والكرز والتين. أما ترتيبها الرابع عالمياً في إنتاج الخضر والخامس بإنتاج الفواكه فهو عرضة للخطر إذا استمرت الظروف المناخية وارتفاع أسعار الطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي وأجور العمال. وهناك مخاوف من تراجع دور تركيا وتميزها، بعد القفزة الهائلة في الإنتاج والتصدير التي شهدتها منذ عام 2002 و"وصول حزب العدالة والتنمية الذي أولى اهتماماً لهذا القطاع"، حيث وصلت قيمة الإنتاج الزراعي نحو 70 مليار دولار، وزادت الصادرات الزراعية من أقل من 4 مليارات دولار إلى أكثر من 30 ملياراً.
ويرى الخبير التركي أن "المستهلك المحلي هذا العام استغنى، قدر الإمكان، عن شراء الفواكه وأحجم عن شراء المكسرات، بعد أن زاد سعر كيلو اللوز والبندق عن ألف ليرة تركية ووصل سعر كيلو الفستق الحلبي أكثر من 1600 ليرة"، معتبراً أن "تركيا تفقد، بتراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار، ميزة ومرتبة عالمية، خاصة بالنسبة للمكسرات والبندق تحديداً".
وعانت تركيا جفافاً وانخفاضاً في هطل الأمطار هو الأسوأ منذ 65 عاماً، بحسب تصريح سابق لرئيس اتحاد غرف الزراعة في تركيا (TZOB)، شمسي بيرقدار، والذي حذر من شلل الإنتاج الزراعي، بسبب الجفاف والكوارث المناخية، خاصة في مناطق جنوب شرق ووسط الأناضول، مشيراً إلى أن البيانات الواردة من غرف الزراعة في الولايات المختلفة تؤكد خسائر مرتفعة بشكل غير مسبوق في المحاصيل وتراجع إنتاج الفاكهة من 28 مليون طن إلى 20 مليون طن هذا العام.
وخلال جولة لـ"العربي الجديد" على أهم المراكز التجارية لبيع السلع والمنتجات الزراعية (بيم، يوز بير، فيلييه)، لاحظ ارتفاع أسعار الفواكه بنسبة تزيد عن 50% عن أسعار العام الماضي، إذ سجل الدراق 160 ليرة والتين 350 ليرة والخوخ 130 ليرة، وحتى الموز الذي تشتهر السوق التركية بانخفاض سعره، لم يهبط هذا الموسم عن 100 ليرة تركية.
كما لاحظ "العربي الجديد" ارتفاع أسعار المكسرات والفواكه المجففة في المحال الشهيرة بالسوق التركية (مقبول وأونور) بنحو 30% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وأكثر من 50% خلال العام الجاري، إذ سجل سعر كيلو الجوز 1000 ليرة واللوز 1100 ليرة، ووصل سعر كيلو الفستق الحلبي "عنتابلي" بين 1600 و1700 ليرة.
ويقول المحلل التركي، باكير أتاجان إن بلاده تعاني، ولعامين متتاليين، أسوأ ظروف مناخية وتراجعاً في الإنتاج الزراعي، مقدراً إنتاج الجوز لهذا العام بنحو 68 ألف طن واللوز بنحو 75 ألف طن والفستق بنحو 160 ألف طن والبند بـ 400 ألف طن، مبرراً تراجع الإنتاج إلى الظروف المناخية وزلزال عام 2023 الذي أثر على الولايات الجنوبية، وهي الأكثر إنتاجاً (غازي عنتاب وأورفا) تنتج نحو 80% من الفستق بتركيا".
ولا يستبعد أتاجان أثر التضخم وتراجع سعر صرف الليرة على ارتفاع الأسعار على المستهلك المحلي، فالدولار لم يزد مطلع العام على 35 ليرة، في حين يتعدى 41 ليرة اليوم، هذا عدا أن تراجع الإنتاج واستمرار التصدير أثر على كمية العرض بالسوق المحلية.
وبلغت إيرادات تركيا من صادرات البندق ملياراً و41 مليون دولار خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالي، بحسب اتحاد مصدري البندق ومنتجاته بمنطقة البحر الأسود، ما يدلل على تراجع الإنتاج والتصدير، قياساً بالعام الماضي، حيث صدرت تركيا 309 آلاف و64 طناً من البندق بقيمة مليارين و558 مليوناً و540 ألفاً و904 دولارات.
من جهتها، تعزو رئيسة جمعية منتجي البن والمكسرات الجافة في أنقرة، أيتاش سيفيملي، أسباب تراجع الإنتاج وغلاء الأسعار إلى الجفاف الناتج عن تغير المناخ، وتقلّبات أسعار الصرف، وتكاليف السماسرة باعتبارها "عوامل دفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة".
وتضيف سيفيملي، خلال تصريحات، أنه "في الماضي كان المواطنون يشترون البندق والمكسرات المشكلة. أما اليوم، فقد أصبحت هذه المنتجات ترفًا لا يستطيع الكثيرون تحمله"، متسائلة عن سبب كون الجوز المحلي أغلى من المستورد رغم وفرة أشجاره في تركيا، مشيرة إلى أن "السياسات الزراعية الخاطئة دفعت المزارعين قبل سنوات إلى قطع أشجار الجوز واستخدامها في صناعة الأثاث، بعدما عجزوا عن تحقيق عائد مجزٍ من إنتاجه".
وطالبت رئيسة الجمعية الحكومة التركية بتقديم الدعم للمزارعين وتشجيع الإنتاج المحلي بدلًا من الاعتماد على الواردات، خاصة مع ارتفاع أسعار الكاجو واللوز المستوردين، ما يجعل المستهلك بين خيارين أحلاهما مرّ: منتجات محلية باهظة الثمن، أو بدائل مستوردة أقل جودة.
ويشير باكير أتاجان إلى تعامل الحكومة مع مخاطر تراجع الإنتاج الزراعي وغلاء المنتجات على المستهلك المحلي، حيث أصدرت نتيجة لذلك حزمة تسهيلات ائتمانية واسعة للمزارعين، تشمل مشاريع البيوت البلاستيكية وتأجيل سداد القروض السابقة. لكن، يستدرك المحلل التركي، أن سوء الظروف المناخية، من تراجع الأمطار والإنتاج، والتضخم الذي عاود وارتفع في سبتمبر/ أيلول إلى 33.29% بعد أن سجل ـ32.95% في أغسطس/ آب زادت من الأسعار على المستهلك المحلي.

Related News

مستقبل اقتصاد إسرائيل بعيداً عن دعم أوروبا
alaraby ALjadeed
13 minutes ago

عندما تتوقّف الحرب في مقبرة الغزاة
alaraby ALjadeed
21 minutes ago

سؤال إلى فتح وحماس: ما خطّتكم الآن؟
alaraby ALjadeed
21 minutes ago

لماذا أخفق حراك تشرين العراقي؟
alaraby ALjadeed
22 minutes ago

عن "مجلس الشعب" السوري ومسار "الانتقال" العتيد
alaraby ALjadeed
22 minutes ago