
Arab
يتواصل الجدل في سورية على خلفية القرار الأخير لوزارة التربية بتخفيض حصص مادة التربية الإسلامية من أربع حصص أسبوعياً إلى حصتين فقط، بالتزامن مع بداية العام الدراسي، في خطوة وصفها البعض بأنها تهدف إلى "تنويع الأنشطة التعليمية" ومنح الطلاب مساحة أكبر للموسيقى والرياضة، واعتبر آخرون أنها تُضعف الدور التربوي للمادة وتؤثر على التحصيل الديني للطلاب.
في أروقة المدارس السورية، بدأ الطلاب يشعرون بتغير واضح في جدول حصصهم مع تقليص التربية الإسلامية وزيادة الوقت المخصص للموسيقى والرياضة. غير أن القرار أثار استياء واسعا في المجتمع، إذ عبّر المعلمون وأولياء الأمور عن رفضهم للتقليص، بينما يرى خبراء تربويون أن القرار قد يحمل أبعادا إيجابية إذا تم تنفيذه بمرونة.
من داخل المدارس، عبّر عدد من المدرّسين عن قلقهم من أن تخفيض الحصص قد يضعف العملية التعليمية. تقول المعلمة سمية النابلسي، التي تُدرّس مادة التربية الإسلامية منذ أكثر من عشر سنوات، لـ"العربي الجديد": "كانت الحصص الإضافية مساحة لنقل القيم الدينية بطريقة تفاعلية، والآن نشعر بأننا مضطرون للاختصار، وربما نترك جزءاً مهماً من المحتوى دون تغطية".
فيما تقول المعلمة زينب العبد الله، التي تدرّس في مدرسة ثانوية بالعاصمة دمشق، إن "تقليل حصص التربية الإسلامية يضغط علينا نحن المدرسين لتغطية كل المناهج في وقت أقل، وهذا يجبرنا على التركيز على الحفظ فقط بدل النقاش والتفاعل مع الطلاب. بعض الطلاب يشعرون بأن الحصص أصبحت سطحية، وهذا يقلل قدرتهم على استيعاب القيم بطريقة عملية".
مواقف متباينة
بين أولياء الأمور تتباين الآراء، فمنهم من يرون أن إدخال مواد جديدة مثل الموسيقى والرياضة خطوة إيجابية لتطوير مهارات الطلاب البدنية والفنية، وهناك آخرون يشعرون بالقلق من تراجع التحصيل الديني. تقول مروة الأحمد، وهي والدة أحد طلاب الصف الخامس: "أفهم الرغبة في توسيع النشاطات، لكن لا أريد أن يحرم طفلي من فهم أساسيات دينه. نحتاج إلى تحقيق التوازن".
أما الطلاب، فقد رحب بعضهم بالحصص الإضافية للرياضة والموسيقى التي تمنحهم فرصة للتعبير عن أنفسهم، بينما شعر آخرون بأن تقليص حصص التربية الإسلامية يقلل فرصهم في فهم قيمهم وعاداتهم. وقال أحد الطلاب: "أحب الموسيقى والرياضة، لكنها لا تعوّض عن الحصص التي كنا نتعلم فيها قيمنا الأساسية".
من جانبهم، يرى خبراء تربويون أن القرار يحمل أبعاداً إيجابية إذا تم تنفيذه بمرونة. يقول رامي المحمود، أستاذ المناهج التربوية في جامعة حمص، لـ"العربي الجديد": "التقليل من حصص مادة التربية الإسلامية لا يعني بالضرورة تراجع القيم الدينية، بل يمكن تعويض ذلك بأساليب تعليمية مبتكرة داخل الحصتين المتبقيتين. إدخال الموسيقى والرياضة جزء من استراتيجية تعليمية حديثة لتعزيز التطور الشامل للطلاب، فالجانب البدني والفني مهم بالقدر نفسه في التعليم الديني".
وكانت وزارة التربية قد أكدت أن الحصتين المخصصتين لمادة التربية الإسلامية ستظلان كافيتين لتغطية أبرز القيم والمفاهيم الأساسية، مشيرة إلى أن المدارس ستتمتع بمرونة في توزيع الحصص حسب إمكانياتها وقدرتها على تحقيق التوازن بين المواد.
ومع تطبيق القرار، بدأت بعض المدارس تجربة أساليب تعليمية جديدة، تشمل دمج التربية الإسلامية في أنشطة تفاعلية قصيرة، إلى جانب تنظيم حصص الموسيقى والرياضة بطرق مبتكرة تحفّز الطلاب على المشاركة والتفاعل. هذه التجربة، بحسب بعض المدرسين، قد تمثل نموذجاً للتعليم المتوازن، رغم الجدل المستمر حول مدى قدرة الحصتين المتبقيتين على تغطية جميع مضامين التربية الدينية التقليدية.
يذكر أن مظاهرات خرجت في عدة مدن سورية، عبّر فيها المعلمون وأولياء الأمور عن غضبهم الشديد من تقليص حصص التربية الإسلامية. وحمل المتظاهرون لافتات تطالب بإلغاء القرار وإعادة حصص المادة إلى سابق عهدها، ووصلت بعض الشعارات إلى حد المطالبة بإعفاء وزير التربية من منصبه، معتبرين أن القرار "يمس جوهر التربية الدينية ويقلّص دور المدرسة في غرس القيم الدينية". بعض المشاركين في الاحتجاجات وصفوا القرار بأنه "تجربة سريعة وغير مدروسة على حساب مستقبل الطلاب"، بينما شدد آخرون على أن القرار يفتقد إلى الحوار مع المعلمين والمجتمع المحلي قبل تطبيقه.
كما انتشر أخيراً على منصات التواصل الاجتماعي فيديو مصور يُهدد وزير التربية بالقتل إذا لم يتراجع عن القرار، ما أثار قلق السلطات والمعلمين على حد سواء. وقالت مصادر مقربة من الوزارة لـ"العربي الجديد"، إن الفيديو يمثل تصعيداً غير مسبوق للجدل حول الحصص، مؤكدة أن الجهات المعنية تتابع الأمر عن كثب للتحقق من هوية ناشره واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مع التأكيد على أن التهديدات لن تؤثر على سير القرار الرسمي.
إزاء كل هذه التطورات يسلط القرار الضوء على التحدي المستمر بين تطوير المناهج التعليمية وإرضاء التوجهات المجتمعية والسياسية، ويطرح علامات استفهام حول مستقبل التعليم الديني في سورية، وسط ضغوط متصاعدة على صناع القرار، وما إذا كان وزير التربية سيستطيع الصمود أمامها.

Related News

ناغلسمان يسعى لتبديد الشكوك حول قدراته
aawsat
10 minutes ago

انطلاق بطولة السهام السعودية بمشاركة 350 رامياً ورامية
aawsat
16 minutes ago