
Arab
كشفت وثائق جديدة أودعت لدى وزارة العدل الأميركية عن إطلاق الحكومة الإسرائيلية، من دون ضجيج، عملية تأثير مزدوجة المسار في الولايات المتحدة، تجمع بين حملات دعائية سياسية ضخمة الميزانية وحملات شبابية تعتمد على مشاهير منصات التواصل الاجتماعي (المؤثرين). وفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل ووكالة جيويش تليغرافيك الإخبارية (JTA)، فإن الوثائق تفيد بأن شركة بريدجرز بارتنرز (Bridges Partners LLC) تولت إدارة شبكة "مؤثرين" ضمن مشروع يحمل الاسم الرمزي "مشروع إستير" (Esther Project). لم يتبين بعد ارتباط هذا المشروع، أو عدمه، بـProject Esther الذي أطلقته "مؤسسة التراث" (Heritage Foundation) الأميركية اليمينية. وبحسب الإفصاح المطلوب بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)، تزعم الشركة أن هدف عملها هو "المساعدة في تعزيز التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، موضحة أن التعاقد تم عبر فرع ألماني لشركة العلاقات العامة العالمية "هافاس" (Havas).
خطة "مشروع إستر"
الوثائق المرفقة بالإفصاح تكشف أن الشركة التي أسسها المستشاران الإسرائيليان أوري شتاينبرغ ويائير ليفي في ولاية ديلاوير الأميركية، في يونيو/ حزيران 2025، جمعت سريعاً نحو 200 ألف دولار لتجنيد "مؤثرين" أميركيين. وتسمح العقود بدفعات تصل إلى 900 ألف دولار على مدى شهور، مع جدول تسعير مفصل يشمل: 60 ألف دولار مقدماً لتجنيد "المؤثرين" وتطوير الأفكار، و140 ألف دولار في مرحلة التطوير مع بدء خمسة أو ستة "مؤثرين" بالنشر، ومخصصات شهرية تصل إلى 250 ألف دولار لتغطية ما يتكبده المؤثرون في الإنتاج، و50 ألف دولار لإنهاء الحملة وإعداد التقارير الختامية. الخطة تتضمن إشراك ثلاثة إلى ستة "مؤثرين" في كل مرحلة، على أن ينشر كل واحد منهم 25 إلى 30 منشوراً شهرياً على "إنستغرام" و"تيك توك" وغيرها. وتخطط لاحقاً لتوسيع التعاون عبر "شركاء محتوى إسرائيليين" وتعاون مع وكالات تسويق أميركية. الوثائق تُظهر أيضاً أن المشروع يتضمن بنية دعم كاملة: إنتاج محتوى، والتزام قانوني، وتحليلات للبيانات، وإدارة مستمرة للحملة.
ووفقاً لتقارير صحافية، فإن التنفيذ بدأ بالفعل؛ إذ التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة الماضي، في نيويورك، مجموعة "مؤثرين" أميركيين. وعندما سأله أحدهم عن كيفية استعادة الدعم المتراجع لإسرائيل، أجاب: "علينا القتال. كيف نقاتل؟ بمؤثرينا... هؤلاء مهمون جداً". وأضاف نتنياهو: "علينا القتال بالأدوات المناسبة لساحات المعارك التي نخوضها، وأهمها اليوم منصات التواصل الاجتماعي". خلال الاجتماع نفسه، أقرّ نتنياهو بأن حكومته ترى في منصات التواصل الاجتماعي "سلاحاً" لدعم اليمين الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وسط تصاعد الإدانات الدولية للإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ووصف هذه المنصات بأنها "السلاح الأهم… لضمان قاعدتنا في الولايات المتحدة". وأضاف أن "صفقة تيك توك هي أهم عملية شراء جارية الآن"، معتبراً أن السيطرة عليها قد تكون "حاسمة". كما تطرّق إلى منصة إكس، قائلاً: "علينا أن نتحدث مع إيلون (ماسك). إنه ليس عدواً، بل صديق"، وزعم أنه إذا ما أمكن تأمين النفوذ على "تيك توك" و"إكس"، فإن إسرائيل "ستكسب الكثير".
تضم المجموعة التي التقاها نتنياهو: ليزي سافيتسكي (Lizzy Savetsky)، وآري آكر (Ari Acker)، وزاك سيج فوكس (Zach Sage Fox)، وميريام عزاقي (Miriam Ezagui)، وجويس شاب (Joyce Chabb).
قبل تصريحات نتنياهو هذه بيوم واحد، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً صادق فيه على صفقة تنقل عمليات "تيك توك" في الولايات المتحدة إلى اتحاد شركات أميركي، معتبراً أنها تلبي المتطلبات الأمنية الوطنية المنصوص عليها في القانون المحلي. وقال ترامب إن اتحاد المستثمرين سيضم شركة أوراكل، ومايكل ديل، وروبرت مردوخ.
روبرت مردوخ وابنه لاكلان مردوخ يملكان شبكة فوكس نيوز اليمينية الداعمة بقوة لإسرائيل، ومجموعة "نيوز كورب" الإعلامية. وتملك العائلة أيضاً صحيفة "نيويورك بوست" التي اعتادت مهاجمة الناشطين المؤيدين لفلسطين وتلميع صورة جيش الاحتلال. أما مايكل ديل، مدير "ديل تكنولوجيز"، فقد ارتبط اسمه بتزويد جيش الاحتلال بالتقنيات والبيانات التي عزّزت قدراته في حروبه على غزة ولبنان، إلى جانب دعم مؤسساته الأمنية مباشرة أو عبر شركات ناشئة تستحوذ عليها "ديل" في إسرائيل. و"أوراكل"، معروفة بقربها من ترامب وتشديدها الرقابة الداخلية على أي نشاط مؤيد للقضية الفلسطينية. وقد تعاونت "أوراكل" مع الحكومة الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية العسكرية، فيما سبق لمديرها التنفيذي لاري إليسون أن عرض على نتنياهو الانضمام إلى مجلس إدارة الشركة ودعاه إلى جزيرته الخاصة في هاواي.
عقود إضافية
الوثائق الجديدة تكمل عقداً أكبر أثار الجدل هذا الأسبوع: اتفاق وزارة الخارجية الإسرائيلية مع براد بارسكال، المستشار السابق لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بقيمة 1.5 مليون دولار شهرياً. شركة بارسكال التي تحمل اسم "كلوك تاور إكس" (Clock Tower X LLC)، سجلت نفسها بصفة وكيل أجنبي لإسرائيل في 18 سبتمبر/ أيلول الماضي، بوساطة "هافاس" أيضاً. العقد ينص على "اتصالات استراتيجية لمكافحة معاداة السامية" في الولايات المتحدة، ويكشف عن خطط لاستخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تشمل حملات لتحسين محركات البحث عبر منصة MarketBrew AI، والتأثير في مخرجات روبوتات المحادثة المبنية على "جي بي تي" (أوبن إيه آي).
بارسكال، الذي اشتهر بصفته مديراً رقمياً لحملة ترامب عام 2016، وعد بإنتاج مائة إعلان أو قطعة محتوى شهرياً، إضافة إلى خمسة آلاف نسخة مختلفة من هذه المواد، ما يستلزم استخدام أدوات آلية متقدمة.
هذه الجهود تأتي ضمن توسع غير مسبوق في موارد ما يُعرف بـ"الهسبارا" الإسرائيلية (الدبلوماسية العامة). ففي ديسمبر/ كانون الأول 2024، ضمّن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أثناء مفاوضات الائتلاف مع نتنياهو، تخصيص 150 مليون دولار لهذه الأنشطة – أي أكثر بـ20 مرة من الميزانيات السابقة – بدأت الوزارة بتلقيها ابتداءً من مايو/ أيار الماضي. وسائل الإعلام الإسرائيلية أوضحت أن الأموال تستهدف تعزيز الانتشار الرقمي، والإيجازات الصحافية الأجنبية، ورسائل الرد السريع.
تشمل المبادرات الأخرى ذات التوجه نفسه: منظمة Israel365 التي تربط بين اليهود الأرثوذكس والإنجيليين الأميركيين، وتلقت 86 ألف دولار من الحكومة الإسرائيلية الشهر الماضي لتنظيم رحلة لـ"مؤثرين" مؤيدين لترامب إلى إسرائيل. وشركة العلاقات العامة SKDK في نيويورك التي وقعت عقداً بـ600 ألف دولار للترويج لقصة عائلة بيباس، إحدى عائلات الرهائن لدى حركة حماس، لكنها أنهته مبكراً بعدما كشف عنه موقع سلادج (Sludge).
وهذا الزخم الجديد الذي اكتسبه هذا التوجه يعكس عمل نتنياهو بنصائح تلقاها من حلفاء أميركيين مثل الناشط اليميني المحافظ تشارلي كيرك الذي اغتيل في العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي. إذ وجّه كيرك رسالة خاصة في مايو/ أيار 2025، حذر فيها من أن إسرائيل "تخسر حرب المعلومات" حتى داخل الأوساط المحافظة والإنجيلية، داعياً إلى "تدخل اتصالي" عاجل. كيرك اقترح رفع أصوات يهودية شابة، وإرسال رهائن محررين في جولات حول الولايات المتحدة، والاستثمار في "شبكة الحقيقة الإسرائيلية" لمواجهة المعلومات المضللة.
بين مشروعين
صحيح أن الارتباط بين Esther Project وProject Esther، أو عدمه، ليس واضحاً إلى الآن، إلا أنهما يلتقيان على الهدف نفسه، فالأخير الذي أطلقته "مؤسسة التراث" دشن للقضاء على التحركات المناصرة للفلسطينيين في الولايات المتحدة. في مايو/ أيار الماضي، كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن المؤسسة أوفدت في أواخر إبريل/ نيسان فريقاً إلى إسرائيل للقاء مسؤولين سياسيين وأمنيين كبار، بينهم وزيرا الخارجية والدفاع والسفير الأميركي مايك هاكابي. الهدف كان بحث ورقة سياسات مثيرة للجدل حملت اسم Project Esther، تقترح خطة شاملة لتفكيك النشاط المؤيد للفلسطينيين في الولايات المتحدة، من الجامعات والمنظمات التقدمية وصولاً إلى الكونغرس.
الوثائق تكشف أن المشروع صيغ بعد عملية "طوفان الأقصى" عام 2023 وتصاعد الاحتجاجات ضد الحرب على غزة، ويقوم على إعادة تعريف نقد إسرائيل باعتباره "دعماً للإرهاب". وفق الخطة، يمكن طرد الطلاب الأجانب، وإلغاء تمويل الجامعات، ومقاضاة الناشطين، وحذف المحتوى الرقمي المصنَّف معادياً لإسرائيل. وبعد أربعة أشهر من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لفتت الصحيفة الأميركية إلى أن نحو نصف توصيات المشروع انعكست في سياسات حكومية: تهديدات بقطع التمويل الفيدرالي عن الجامعات، تحركات لترحيل مقيمين شرعيين، وتحقيقات بحق متظاهرين مناصرين للفلسطينيين.
القائمون على "مؤسسة التراث" – وبينهم فيكتوريا كوتس، نائبة مستشار الأمن القومي السابقة – يدعون أن الخطة تمثل "استراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية"، بينما يشدد منتقدون، مثل منظمة "صوت يهودي من أجل السلام"، على أنها استخدام لأدوات قمعية لتجريم النشاط الفلسطيني وضرب الحركات التقدمية، وصولاً إلى إعادة تشكيل التعليم العالي والحياة السياسية الأميركية لمصلحة أجندة يمينية متطرفة.

Related News

اتفاق على وقف فوري للنار بين دمشق و«قسد»
aawsat
13 minutes ago

«الحرس الثوري» يتأهب صاروخياً للتهديدات
aawsat
17 minutes ago

الذهب يكسر عتبة 4 آلاف دولار
للمرة الأولى في التاريخ
aawsat
21 minutes ago