قوارب العزّ في بحر الهوان
Arab
5 days ago
share
جرت مراكب أسطول الصمود في البحر نحو ثلاثين يومًا، وقد بذل ركابها أنفس ما لديهم، وعاشوا أمرّ ما عليهم، لينطلقوا بالرحلة التي ترفع معذرتهم إلى غزّة، هؤلاء الذين حالوا بينها وبينهم بآلاف الأميال، فاختاروا أن يطووا البحور ليوصلوا الرسالة إليها بأنفسهم، ذلك جهدنا لا نبخل به، وعطاؤنا لا ندّخره، وأعمارنا لا نؤثرها عليك، نبحر إليكِ ولو شئت لأتيناك غوصًا وسباحةً بأذرعنا العارية، لندنو منك كما لم يدنُ أحد، ولنخرق السور الذي وضعوه على جدرانك من جهاتك الثلاث، أما الماء فليس له بوابةٌ يتذرّع بإغلاقها، ولا حاجز ينتظر تنسيقًا إسرائيليًا، ولا شركة "هلا" تأخذ على الرأس كم ألف دولار! يقولون لبيك يا غزّة بفعلهم الحي، وضميرهم المتيّقظ، وعيونهم الصادقة، لا يكتفون ببحّة حناجرهم في عواصم أوروبا على مغارمها، ولا يكتفون بفعلهم في المؤسسات وأمام الوزارات والسفارات والشوارع على مخاطرها في بلاد يحكمها إسرائيليون بجنسيات أخرى أيضًا، وإنما يبذلون "الجهد"، وهو بالمناسبة من تعريف الإسلام (الذي لا يدين به أكثرهم) للجهاد، أن نعود لأصله اللغوي "جهدَ"، وهو ما تقع به المشقّة عليك في البذل، ويجهدك القيام به، وفي ذلك سمّاه القرآن "شوكة"، لما فيه تعب ونصب وفداء وتضحية وأذى، وهو ما اختاروه جميعًا بإرادتهم الحرّة، وبكامل قواهم العقلية، فيما غَيّبت "أمة الجهاد" نفسها عن ركنها، بفعل السفراء الإسرائيليين في قصور الحكم. من أدرك طوفان الأقصى ولو بمراسي إيطاليا فقد أدرك غزّة، ومن ضلّ طريق الطوفان ولو على حدود سيناء فقد ضلّ طريق نجاته إلى الأبد ومع أنّ الطريق إلى غزّة ذاتها قد لا يستغرق أكثر من يوم واحد جوا ثم برًّا، ومع أنّه سيكون في تماس من نقطة الصفر مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع أنّه كان ليبقى تماسًا مباشرًا مع أهل غزّة في بداية الحرب، ووضع الاحتلال في حرج مع عشرات الدول حول العالم لمواطنيها الذين يؤدون مهمّة إنسانية في غزّة، مع ذلك كلّه فإنه لم يفلح، لأنّ الأرض كانت تُدار بطريقة أخرى غير الأمواج، فكانت غارقة في بحر من الغدر، حيث اعتُقل المئات ورُحِّلوا من قبل أن ينتظروا "إسرائيل" لتفعل ذلك، فكانت القافلة موءودة من قبل أن تقطع واديًا أو تشق أرضًا، وذلك كي لا تلوّث "تل أبيب" يديها النظيفتين بدم "النشطاء"، هذا طبعا من وجهة نظر وكيلها. إذن ها هو الأسطول يصل إلى وجهته، وإن لم يصل، ليس قيد الانتظار، ولا محل نجاح وفشل، وإنما قد وصل إلى رمال غزّة منذ اللحظة التي أرخى فيها حباله في مرفئه الأول، البحر الواسع مجرّد تفاصيل، فمن أدرك الطوفان ولو بمراسي إيطاليا فقد أدرك غزّة، ومن ضلّ طريق الطوفان ولو على حدود سيناء فقد ضلّ طريق نجاته للأبد، إنه عصر الوصول أو التيه، وصول التائه في عرض البحر، أو تيه المستقر فوق موقعه بالبر، لكنها غزّة، كهوايتها المفضّلة، في إعادة تعريف الأشياء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows