
Arab
لا تزال حادثة وفاة القاصر السوري مهند محمد الأحمد (14 عاماً) الموقوف داخل مركز تأهيل الأحداث المخالفين للقانون في الوروار، بمنطقة بعبدا شرقي العاصمة اللبنانية، تتفاعل منذ الاثنين الماضي. وقد برزت ردات فعل غاضبة بين الناشطين السوريين واللبنانيين، وسط اتهامات البعض بأن "الحادثة ليست انتحاراً، إنما جريمة قتل تُفاقم معاناة المعتقلين والموقوفين السوريين في لبنان".
وجاءت الحادثة قبل يومين من وصول الوفد السوري الرسمي إلى بيروت لمناقشة ملف الموقوفين والسجناء السوريين في السجون اللبنانية، حيث يراوح عدد الموقوفين السوريين في لبنان بين 2200 و2600 موقوف، بينهم معتقلو الرأي وآخرون متهمون بجرائم جنائية وجزائية مختلفة، وفقاً لمعطيات المحامي محمد صبلوح، لـ"العربي الجديد"، والذي كشف أن 65% من الموقوفين من مختلف الجنسيات في السجون اللبنانية ما زالوا من دون محاكمات.
ويوضح صبلوح أن القاصر أوقف بداية في سجن رومية المركزي (شمال شرق العاصمة) في يوليو/ تموز الماضي رفقة شقيقه، بتهمة سرقة مبلغ مالي ونحاسيات من مبنى ديوان المحاسبة في بيروت، قبل أن يُنقل مؤخراً إلى مركز الوروار المستحدث في شهر مايو/ أيار الماضي، والذي جرى نقل الأحداث إليه منذ أقل من شهر. ويقول: "من المفترض أن المركز المذكور للأحداث بُني وفقاً للمواصفات العالمية، فهل يُعقل أن ينتحر ابن 14 عاماً في مبنى جديد يوفر المعاملة الحسنة والعلاج اللازم والدعم النفسي؟".
ويتحدث صبلوح عن المادة 32 من أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، والتي تجيز توقيف الراشدين وليس القاصرين مدة لا تتجاوز أربعة أيام لدى الضابطة العدلية، قبل إحالتهم إلى قاضي التحقيق. لكن يبقى المتهم موقوفاً 30 يوماً، ولا يُعرض على قاضي تحقيق. حتى إن القاصر لا يتلقى أي دعم نفسي ولا يعرف حقيقة جرمه ومدة توقيفه وعقوبته، ولا يُسمح له بالتواصل مع أهله. وهذا ما حصل مع مهند وسط معلومات عن تعرضه مع أخيه إلى الضرب والتعذيب".
ويضيف: "للأسف، تسود لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية ثقافة التعذيب بغطاء قضائي، حيث إن القضاء لا يضطلع بدوره لجهة محاسبة مرتكبي جريمة التعذيب، والقوى الأمنية تتعامل مع القاصر باعتباره مجرماً وليس طفلاً، وحتى الراشد يتعاطون معه بطريقة عدائية بعيداً عن شعارات الإصلاح والتأهيل". ويحمّل المحامي اللبناني إدارة مركز الوروار كامل المسؤولية، وكذلك قضاة التحقيق الذين لا يكترثون لأمر الموقوفين، ويحددون الجلسة بعد شهر أو وفق أهوائهم، حتى لو كان الموقوف بريئاً. وما يفاقم الإشكالية غياب الرقابة والمحاسبة على حالات الانتحار السابقة في السجون اللبنانية، فضلاً عن المعاملة السيئة والعنيفة بحق الموقوفين.
ويبدي امتعاضه من "تعتيم قوى الأمن الداخلي على كل جريمة أو حادثة انتحار أو وفاة داخل السجون اللبنانية، وإملاء استنتاجاتها على تقارير الطب الشرعي التي تخرج مشابهة، وتخلص إلى تبرير أسباب الوفاة بكونها ذبحة أو سكتة قلبية". ويرى أنه "آن الأوان لاعتراف القوى الأمنية بتقصيرها وتصحيح مسارها، فالسجون على أبواب الانفجار في حال لم تتم معالجة الاكتظاظ واحترام كرامة السجناء". ويستغرب غياب معالج نفسي في مركز حديث يُحكى أنه يضاهي المواصفات العالمية، ويكشف أنهم بصفتهم محامين متابعين للقضية طلبوا التوسع في التحقيق، خصوصاً أن قوى الأمن الداخلي لم تصدر أي بيان بشأن الحادثة، رغم مرور أكثر من 48 ساعة على وقوعها.
وبحسب تقرير الطبيب الشرعي، نُقل القاصر إلى مستشفى الحياة حيث أجريت له الإسعافات والإنعاش اللازمين من دون جدوى. وأفاد الطبيب الشرعي بأنه جرى سحب الجثة بعد أن كانت معلقة على الشباك بشرشف، وفقاً لرواية العناصر الأمنية، وأنه بالكشف عليها لم يتبين وجود أي عنف، مرجعاً سبب الوفاة إلى "توقف في عمل القلب نتيجة الاختناق شنقاً".
ويوضح مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أن القاصر حاول الانتحار في 5 سبتمبر/ أيلول الماضي، وخضع بعد ذلك للعلاج النفسي المطلوب، غير أنه عاد وأقدم على الانتحار شنقاً بواسطة شرشف داخل المرحاض، في أثناء وجود زملائه في الباحة الخارجية للمركز، من دون أن تتّضح الأسباب بعد.
وكانت وكالة أنباء الموقوفين السوريين في لبنان نشرت عبر صفحتها على "فيسبوك" إفادة والد القاصر للوكالة، بأن ابنه "مهند" كان يعيش في بيروت منذ سنوات، وجرى توقيفه منذ نحو ثلاثة أشهر، لم يتواصل خلالها مع ذويه إطلاقاً. وأضاف الوالد: "جرى توقيف ابني سابقاً لمدة ستة أشهر، وكان أصغر من ذلك ولم يقدم على قتل نفسه، فكيف يُقال إنه أقدم على الانتحار؟". وتابع: "ليس لدي أدنى شك في أنه قُتل داخل المركز". وكشف شقيقه الموقوف للوكالة ذاتها أن مهند كان في حال صحية ممتازة عند التوقيف، لكنهما تعرّضا للتعذيب والضرب لدى الأجهزة الأمنية. وأفاد شقيقه الآخر، لؤي، بأنه لاحظ وجود كدمات زرقاء على عنق وكتف أخيه، أضف إلى ذلك آثار دماء، بينما تقول القوى الأمنية إنه "توفي وفاة طبيعية"، وأضاف للوكالة: "رفضتُ تسلّم جثمان أخي قبل عرضه على طبيب شرعي مستقل".
وأوضحت رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، أميرة سكر، أن "مركز الوروار مجهز بأفضل التجهيزات، لكن المطلوب رفده باختصاصيين في المجالات التربوية والترفيهية والمدنية والنفسية". وقالت في بيان: "أما عن حادثة الانتحار، فقد لاحظت المندوبة الاجتماعية أن القاصر كان يعاني من حالة نفسية استدعت تحويله إلى المستشفى في 9 سبتمبر الماضي، حيث وُصف له العلاج. غير أن غياب معالجة نفسية مُجازة في المركز يشكل تحدياً كبيراً، بالإضافة إلى ضرورة توظيف ثلاث مندوبات اجتماعيات جديدات، وتسريع الجلسات، والمتابعة مع الأهل كي يتقبّلوا أولادهم عوض التبرؤ منهم".

Related News

لجنة التحقيق الدولية تختتم زيارتها الأولى إلى السويداء
aawsat
12 minutes ago

«أبطال أوروبا للسيدات»: يوفنتوس يهزم بنفيكا بثنائية
aawsat
17 minutes ago