وقفة الصناعيين السوريين: نصف المنشآت مهدد بالإغلاق
Arab
6 days ago
share
تحت وطأة الأزمات الاقتصادية وغياب الدعم الحكومي، نفذ عدد من الصناعيين السوريين مساء أمس الثلاثاء وقفة احتجاجية أمام مبنى اتحاد غرف الصناعة في دمشق، رافعين مطالب عاجلة تتعلق بإنقاذ الصناعة الوطنية من الانهيار. وتزامنت الوقفة مع إرسال كتاب رسمي إلى وزير الاقتصاد والتجارة، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، استعرض فيه الصناعيون أبرز العراقيل التي تواجههم، من بينها تحويل الأقساط من الليرة السورية إلى الدولار، ورفض الإدارات استلام المدفوعات عبر المصارف العامة، فضلاً عن تجاهل وعود حكومية سابقة بدعم الصناعيين المتضررين في القابون. مطالب عاجلة لإنقاذ الصناعة الوطنية ويؤكد الصناعيون أن الإجراءات الرسمية لا تراعي واقع الإنتاج المحلي، في وقت تُمنح فيه تسهيلات وضمانات للمستثمرين الأجانب، بينما يواجه أصحاب المصانع المحليون ضرائب "مرهقة" وتكاليف تشغيل مرتفعة. وطالبوا بإعفاءات ضريبية لخمس سنوات أسوة بالمستثمرين الخارجيين، وبإعادة تفعيل مجالس إدارة المدن الصناعية بصيغة تشاركية تضم أصحاب المنشآت أنفسهم، معتبرين أن هذه الخطوات ضرورية لإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد.  لفت المستثمر والصناعي محمد أورفلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصناعة السورية تعاني من اختلالات خطيرة، أبرزها العجز التجاري الكبير. وقال: "نستورد بما يفوق أربع مرات ما نصدّر، والميزان التجاري ليس في صالحنا. يجب حماية شعار (صُنع في سورية) والاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في حماية صناعتها، مثل السعودية وتركيا والصين". وأضاف: "لا يمكن أن نعيد اختراع العجلة، المطلوب أن نعمل بفريق واحد، الحكومة والصناعيون في مركب واحد". أما الصناعي سامر كشكول، الذي يملك منشأة في مدينة عدرا الصناعية، فأكد لـ"العربي الجديد" أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور: "إذا لم تتدخل الحكومة بشكل عاجل فإن نحو 400 منشأة في عدرا ستغلق أبوابها. نحن مهمّشون عن الواقع الاقتصادي، بينما تُمنح التسهيلات لاستيراد المواد الأولية من الخارج بدلاً من دعم الإنتاج المحلي. الضرائب المفروضة تصل إلى مئات آلاف الدولارات، والكهرباء والتأمينات الاجتماعية تكاد تخنق الصناعي". ويضيف: "إن استمر الوضع كما هو، نصف المنشآت في المدينة سيغلق". تحديات السوق المحلي تؤرق الصناعيين السوريين ويجمع الصناعيون المشاركون في الوقفة على أن غياب الإستراتيجية الحكومية الواضحة لدعم الصناعة يهدد آلاف فرص العمل ويعمّق العجز الاقتصادي، محذرين من أن استمرار تجاهل مطالبهم سيدفع بالقطاع الصناعي نحو مزيد من التراجع، في وقت تُغرق فيه المستوردات الأسواق المحلية وتزيد من تبعية الاقتصاد السوري للخارج. وأوضح الصناعي علاء عكاش أن أزمة الطاقة تعد من أبرز التحديات: "المعمل الذي كان يعمل فيه ألف عامل، توقف نصفهم بسبب غياب الدعم لقطاع الطاقة. الاستيراد أدى إلى إيقاف خطوط إنتاج كاملة. نطالب بدعم حوامل الطاقة وفرض رسوم جمركية مرتفعة على المستورد ليبقى لدينا قدرة على المنافسة". بدوره، شدد الصناعي نزار غنام على أن مستقبل الاقتصاد السوري يرتبط بوجود قطاع صناعي قوي، قائلاً لـ"العربي الجديد" : "أي دولة قوامها الصناعة. الصين وروسيا وأميركا تتحكم بالعالم لأنها دول صناعية. نحن لا نريد أن نبقى بلداً مستهلكاً. المطلوب أن نُمنح تسهيلات حقيقية، وأن تُفرض رسوم جمركية عالية على المستوردات لخلق توازن في السوق. أما الاجتماعات المتكررة مع المسؤولين فلم تؤدِ إلى أي نتائج ملموسة، ما دفع بالكثير من الصناعيين إلى الهجرة". واقع المنشآت الصناعية تُظهر الإحصائيات الرسمية أن الصناعة السورية في دمشق تواجه تحديات جسيمة على الرغم من محاولات إعادة الإقلاع بعد سنوات من التدهور. فمن بين 3888 منشأة مسجلة في دمشق، عادت للعمل 1112 منشأة فقط، فيما لا تزال 1215 منشأة قيد التأهيل، بينما آلاف المنشآت الأخرى مغلقة أو خارج الخدمة. وفي مدينة عدرا الصناعية وحدها، تتوزع 3757 رخصة صناعية على 5315 مقاسم مخصصة، بينما يعمل فيها فعليًا نحو 1068 منشأة، ما يعكس حجم الخسارة في القدرة الإنتاجية المحلية وارتفاع معدلات التعطل. خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، دخلت 562 منشأة صناعية وحرفية جديدة حيز الإنتاج برأسمال يقارب 13 مليار ليرة سورية، موفرة نحو 2776 فرصة عمل، إلا أن هذه الأرقام تبقى ضعيفة قياسًا بالاحتياجات الفعلية لسوق العمل والاقتصاد. وسط هذه الأرقام، يجد المنتج المحلي نفسه مضطراً للمنافسة في سوق غمرته البضائع المستوردة، خاصة من تركيا ودول الجوار، بأسعار منخفضة وجودة مقبولة، وهو ما يضع الصناعة السورية في موقف صعب. ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، إضافة إلى تكاليف الطاقة والكهرباء والتأمينات الاجتماعية، يجعل المنتج المحلي أغلى من البدائل المستوردة، حتى قبل احتساب التكاليف اللوجستية أو الضرائب، في ظل غياب سياسات حماية واضحة، مثل الرسوم الجمركية المرتفعة على المستوردات أو دعم الطاقة والإعفاءات الضريبية، ما يعني أن الصناعيين يدفعون فاتورة مزدوجة: تكلفة إنتاج مرتفعة، ومنافسة غير عادلة في السوق. النتيجة واضحة على الأرض، بحسب تصريحات الصناعيين، أن العديد من المنشآت أغلقت أبوابها أو خفضت حجم الإنتاج وعدد العمال، ما يهدد آلاف الوظائف. المستهلكون، في ظل تراجع القدرة الشرائية، غالبًا ما يختارون السلعة الأرخص، حتى لو كانت مستوردة، وهو ما يزيد من ضعف الطلب على المنتج الوطني. ويجمع الصناعيون على أن استمرار الوضع على حاله سيؤدي إلى مزيد من الإغلاق، بينما ستتراجع القدرة التنافسية للقطاع الصناعي بالكامل، ما يهدد مستقبل الاقتصاد الوطني ويزيد الاعتماد على الخارج.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows