الكرد في سورية... من التهميش إلى الشراكة الحقيقية
Arab
1 week ago
share
سقط بشّار الأسد، وسقطت معه عقود الظلم والضيم، وانتصرت الثورة لينتصر معها الموقف الكردي الذي انحاز للثورة والسوريين في وجه الأسد والنظام. لكن لا تزال مسألة مشاركة الكرد في الحكومة السورية محل تردد وإحجام، يُغذي ذلك الموقف عدّم استقبال مؤشرات حقيقية حيال جدّية الشراكة السياسية. وينطلق الكرد، في موقفهم الثابت هذا، من تاريخ طويل من التهميش والإنكار، وعامل الخوف من تكرار الماضي في المستقبل هو المُحرّك الأساسي للسلوك الحالي، حيث لم يجد الكرد أنفسهم ممثلين حقيقيين ضمن دوائر صناعة القرار في الدولة والموارد الاقتصادية والمناصب السيادية، أو في الموارد الاقتصادية، بل غيابهم التام عن الهويّة السورية الدستورية الجامعة. وهو ما يتطابق مع مقولة علي حرب "لا يمكن بناء دولة حرة بمواطنين مكبوتين، ولا ديمقراطية في ظل الخوف من السلطة والمجتمع". وبالرغم من تكرار الحكومة السورية الحالية دعواتها ونداءاتها لمشاركة الجميع، فإن غياب الضمانات الدستورية، والخوف المتراكم، يجعل من هذه الدعوات فاقدة للأرضية الصُّلبة لدى الكرد على الأقل. مشاركة الكرد في الحكومة السورية ضرورة وطنية للجانبين، وليست مجاملة سياسية من السلطة، أو تمنّناً على الكرد في دمشق الياسمين، لا يحتاج الزائر لكثير من التفكير أو التواصل ليعرف حجم التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهي ما تُسحب على الأراضي السورية كلها، وهو ما يُلزم بإعادة النظر في هذا التباعد، إذ بقاء الكرد في مناطقهم بعيداً عن العاصمة وعن القرار، لن يمنحهم سوى مزيد من العزلة، وبناء الدولة السورية الجديدة بدون مشاركة حقيقية للكرد بوصفهم فاعلين حقيقيين في رسم ملامحها أيضاً يُشكل ضاغطاً قوياً على الحكومة الجديدة، وألا يكون الكرد مُجرد مُلحقين في مشاريع جاهزة لا غير، بل كاستحقاق تاريخي وأخلاقي، على قاعدة التعددية السياسية، ونظام حكم لا مركزي، ومواطنة متساوية، بعيداً عن التمييز والامتيازات لهويّة على حساب هويّة، وهو ما يُلزم بضرورة وجود عقد اجتماعي جديد، يقرّ بالتنوّع القومي والديني والمناطقي، وبتمثيل عادل في الموارد والسلطة، وعلى الكرد أيضاً المشاركة في إدارة مؤسّسات الدولة، إذ بقاء المراكز الخدمية من دائرة السجل المدني، والهجرة والجوازات، والتعليم والمدارس، والمصارف والمديريات الخدمية المختلفة، خارج الخدمة، بسبب الخلاف بين الإدارة الذاتية والإدارة الجديدة في دمشق، لا يمنح الكرد أي أفضلية، بل فقط الكثير من الاحتقان، وتزايد وتيرة خطاب الكراهية، فهذه المراكز هي تابعة للدولة السورية، والواضح أن الغالبية تُعاني من غياب فهم واضح لمفهوم الدولة وصلاحياتها وماهيتها، والكرد ليسوا استثناءً من ذلك، وبالمقابل فإن التنمية واللامركزية والمواطنة المتساوية ليست شعارات، بل شروط ضرورية لتحقيق الاستقرار الوطني. يقول مونتسكيو إن "كل سلطة لا تحترم التوازن تميل إلى الطغيان"، في حين ترى الفيلسوفة حنا أرنت أن "السلطة الحقيقية لا تنبع من الفرد، بل من القدرة الجماعية للناس على العمل معاً من دون عنف". ومن السياق نفسه للبناء والتشييد الهوياتي والسلام والشراكة، قال نيسلون مانديلا "الحوار هو السلاح الأقوى للذين يريدون بناء السلام"، والذي هو مشروع بناء دولة القانون. ولعل التعريج على التجربة العراقية من جهة الشراكة، رغم عيوبها ونواقصها، وهنا الحديث عن شكل المشاركة وليس شكل الدولة أو نظام الحكم، والذي ليس بالضرورة أن يُسحب حرفياً وبالكامل على مناطق أخرى، لكن الشراكة الكردية في الحكومة ومؤسّسات الدولة، أبقت طبيعة العلاقة ضمن إطار سياسي وليس عسكري أو عدائي. لهذا علينا جميعاً نحن السوريين، التقاط هذه اللحظة التاريخية، وتحويل مناخات الشك إلى شراكة، وميراث الصراع إلى توافق وطني. أو كما يقول عبد الله العروي "الدولة الحديثة ليست فقط تنظيماً سياسياً، بل هي أيضاً تصوّر عقلي واجتماعي شامل لموقع الفرد والمجتمع والتاريخ". قصارى القول: مشاركة الكرد في الحكومة السورية ضرورة وطنية للجانبين، وليست مجاملة سياسية من السلطة، أو تمنّناً على الكرد، فهي الضامن الأساسي للاستقرار والتنمية، وحاجز أساسي أمام أي صراع داخلي. فسورية التي لا تتسع للكرد لن تتسع لأحد، وكما يقول الشاعر محمود درويش "الوطن ليس سؤالاً تجيب عنه وتمضي، الوطن هو الحياة، والحياة لا تُختزل بلون واحد".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows