
Arab
يعاني طلاب سورية من عدم توفر مدارس كافية، وعدم تأهيل المدارس المتضررة لاستقبالهم في العام الدراسي الأول بعد سقوط نظام الأسد.
لم يكن الوقت الفاصل بين سقوط نظام بشار الأسد وبدء العام الدراسي الجديد كافياً لإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب وترميمه، لتبقى مئات المدارس خارج الخدمة، بعدما حولها القصف إلى أطلال. وتكشف الإحصائيات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم السورية، أن نحو 7900 مدرسة تعرضت لدمار جزئي أو كلي في البلاد، من أصل 19400 مدرسة قائمة.
وخلال الأشهر الماضية، عملت مبادرات أهلية على ترميم مدارس في كثير من المناطق، فيما كانت الحكومة عاجزة عن ترميم أو إعادة تأهيل المدارس لاستقبال الطلاب في العام الدراسي (2025-2026)، بينما برزت مخاوف من عدم قدرة المدارس المتاحة على استقبال جميع الطلاب، وخصوصاً مع عودة آلاف المهجرين والنازحين إلى مناطقهم.
من ريف إدلب الجنوبي، يقول الطفل أحمد مراد (13 سنة) لـ"العربي الجديد": "أشتاق إلى مدرستي، وقبل النزوح، كنت في كل صباح أركض مع زملائي في الفناء، ونلعب كرة القدم قبل الدروس. كنا نتعلم ونستمتع، والصفوف كانت مليئة بالحياة، بينما كل ما تبقى من المدرسة حطام، فالجدران والأسقف منهارة، والفناء مليء بالركام، ولا يمكن اللعب فيه. قد أحاول التعلم في المنزل، لكن لا شيء يشبه شعور الجلوس في الصف أمام السبورة. أشعر أن الأمر سيطول، وأخاف أن أنسى كل ما تعلمته".
ومن حيّ الحمدانية في حلب، تقول سارة العلي، وهي أم لطفلين، لـ"العربي الجديد": "ليان وعلي في السابعة والتاسعة من عمرهما، وهما يحبان الذهاب إلى المدرسة، لكن المدرسة القريبة مدمرة من جراء القصف، وفي كل صباح يسألان إن كان الذهاب إلى المدرسة ممكناً، فأشعر بالعجز لأنني لا أستطيع أن أؤمن لهما مكاناً مناسباً للتعلم. اضطررت إلى إرسالهما إلى منزل أحد الأقارب في الحيّ، حيث يقدم معلم دروساً مؤقتة، لكن المكان ضيق، والكتب محدودة، وأتمنى أن يعاد تأهيل المدرسة قبل فوات الأوان، كي لا يفقد أطفالي حقهم في التعليم".
يبلغ عدد المدارس السورية التي تعرضت لدمار جزئي أو كلي 7,900 مدرسة من أصل 19,400 مدرسة في البلاد
ومن بلدة كفرنبودة في ريف حماة الشرقي، يؤكد محمد رشيد لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "لم يتبق في البلدة سوى ثلاث مدارس قابلة للترميم، ونسبة الدمار في المجمعات الدراسية تتجاوز 70%، فقد ركز جيش النظام السابق، وخصوصاً قوات سهيل الحسين، على قصف المدارس، ولا يملك أهالي البلدة إعادة ترميمها، ولم تتدخل أي منظمة إنسانية لإجراء عمليات الترميم، وقد وعد محافظ حماة بترميم مدرستين، لكن ذلك لا يكفي لاستيعاب جميع الأطفال".
ويضيف رشيد: "لجأت الجهات المختصة إلى استخدام كرفانات صفوفاً للمرحلة الابتدائية، لكن هذه الكرفانات بقيت في ساحة إحدى المدارس من دون خدمات، ولم يكتمل العمل عليها بسبب ضعف الإمكانات، بينما على المدرسة أن تستوعب نحو 800 طالب".
بدوره، يقول المعلم العائد إلى قريته في ريف إدلب الشرقي، هشام عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "لا يوجد سوى مدرسة واحدة صغيرة مؤهلة للعمل في المنطقة، ونحاول جاهدين إقامة صفوف في أماكن بديلة، مثل المنازل، أو الكرفانات، لكن لا توجد وسائل تعليمية كافية، وأعداد الطلاب كبيرة، بحيث تصعب متابعتهم بشكل فعال. كثير من الأطفال العائدين إلى مناطقهم المدمرة لا يجدون مدارس، ويضطرون إلى البقاء بلا تعليم، ما يعني أنهم يخسرون سنوات إضافية من حياتهم الدراسية، ويزداد شعورهم بالإحباط".
ويوضح عبد الرحمن أنه "إذا لم ترمَّم المدارس بشكل عاجل، سيستمر انقطاع الأطفال عن الدراسة، ما يزيد من الهدر التعليمي، ويؤثر بمستقبلهم وفرصهم في الحياة. نحن بحاجة إلى دعم عاجل من الجهات الحكومية، ومن المنظمات الإنسانية، لتوفير بنى تحتية مؤقتة، وكتب مدرسية، وأدوات تعليمية، وتدريب للمعلمين على التدريس في هذه الظروف الصعبة، ويمكن إنشاء صفوف إضافية صغيرة لتقليل أعداد الطلاب في كل فصل، ما يساعد على متابعة الطلاب بشكل أفضل. الجدران المهدمة، والأسقف المنهارة، والمرافق الأساسية المفقودة كدورات المياه والمياه النظيفة، كلها عوامل تجعل من العودة إلى المدرسة تحدياً يومياً".
ولجأ سكان بعض المناطق إلى ترميم المدارس بمبادرات ذاتية قبل حلول العام الدراسي، ومن هؤلاء سكان مدينة السخنة بريف حمص الشمالي، الذين تكفلوا بترميم أربع مدارس على نفقتهم الشخصية.
تحتوي بلدة الزعفرانة في ريف حمص الشمالي على ثلاث مدارس، بدوامين: صباحي ومسائي، وأحدها بحاجة إلى صيانة شاملة بعدما تعرضت لأضرار بالغة، والمدارس الثلاث بالكاد تستوعب الطلاب. ويؤكد مدير المدرسة المتضررة، صالح الأحمد، أنها تستوعب 600 طالب، لكنها غير جاهزة لاستقبال الطلاب بعد، وأنهم طالبوا مديرية التربية في حمص بتنفيذ الترميم منذ فترة، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.
من جانبه، يقول مدير المكتب الإعلامي في مديرية تربية حماة، وسيم الأحمد، لـ"العربي الجديد": "عدد الملتحقين بمدارس المحافظة يبلغ 402 ألف طالب وطالبة، وتجهيزات المديرية شملت 1,757 مدرسة، وكلها استقبلت الطلبة، بينما هناك 345 مدرسة مدمرة أو متضررة، وما زالت خارج الخدمة. تعمل المديرية بالتعاون مع المنظمات الإنسانية والمجتمع المحلي على إعادة ترميم هذه المدارس وتأهيلها تحت إشراف دائرة الأبنية المدرسية، مع التركيز على المناطق الريفية لضمان توفير بيئة مدرسية ملائمة للطلاب العائدين إلى مناطقهم، ما يسهم في متابعة التحصيل العلمي".
يضيف الأحمد: "تبذل المديرية جهوداً كبيرة لتحسين البيئة المدرسية، والحد من ظاهرة اكتظاظ الصفوف، وذلك عبر توفير الظروف التعليمية ضمن الإمكانات المتاحة، وتأمين بيئة تساعد على التحصيل العلمي والارتقاء بمستوى الطلاب، كذلك تولي المديرية اهتماماً خاصاً بنظافة المدارس من خلال متابعة يومية لضمان أن تكون ملائمة لقضاء الطالب معظم يومه فيها، ويشمل ذلك تأمين المياه النظيفة، وتوفير صهاريج مياه معقمة، فضلاً عن إشراف دائرة الصحة المدرسية على الحالة الصحية لضمان سلامة الطلبة".
ويتابع: "مشكلة اكتظاظ الصفوف يُعمَل على معالجتها من خلال فتح صفوف جديدة، ما يتيح للطلاب فرصاً أفضل لممارسة الهوايات والنشاطات خلال أوقات الفراغ المدرسية، وتؤكد مديرية التربية التزامها توفير بيئة تعليمية مناسبة وآمنة لجميع الطلبة، وتسعى لدعم العملية التعليمية لتحقيق مستقبل زاهر لأطفالنا".
بدورها، تؤكد مديرة التربية والتعليم في حمص، ملك السباعي لـ"العربي الجديد"، أن "العملية التعليمية في المحافظة تواجه تحديات كبيرة ناتجة من الأضرار الواسعة التي لحقت بالبنية التحتية خلال السنوات الماضية، والتي انعكست مباشرةً على قدرة المدارس على استيعاب الطلاب، وتقديم الخدمات التربوية بالنحو الأمثل".
ووفق البيانات الصادرة عن مديرية تربية حمص، يبلغ عدد المدارس الخارجة عن الخدمة في مدينة حمص 317 مدرسة، وهو رقم يعكس حجم التحديات، من بينها 21 مدرسة مدمرة بالكامل، و31 مدرسة مدمرة بنسبة تزيد على 50%، و131 مدرسة بحاجة إلى تجهيز وأثاث مدرسي، كذلك هناك 40 مدرسة قيد الترميم، إضافة إلى 13 مدرسة انتُهي من ترميمها بالكامل.
وتوضح السباعي أنه "رغم حجم الدمار، نواصل العمل بوتيرة متسارعة لإعادة تأهيل ما يمكن تأهيله من المدارس، لكن حجم الأضرار وتوسع رقعتها، إضافةً إلى عودة الأهالي إلى مناطقهم بعد نزوح طويل، كلها عوامل خلقت ضغطاً كبيراً على البنية التعليمية، لكن لدينا خطط بديلة اعتُمِدَت لضمان استيعاب جميع الطلاب، إذ لُجئ إلى عدد من الإجراءات المرنة، من بينها تطبيق نظام الدوام النصفي في بعض المدارس، وإجراء تسويات لتوزيع الطلاب توزيعاً أفضل ريثما يُنتهى من أعمال الترميم وإعادة التأهيل".
واستطردت قائلة: "أبرز المعوقات التي تؤخر إنجاز الترميم تتلخص في كثرة الأضرار، وتوسع حجمها الجغرافي، ونقص الموارد اللوجستية والفنية، لكن مديرية التربية تتابع ميدانياً أعمال الصيانة والترميم يومياً، وهي ملتزمة تأمين مقعد دراسي لكل طالب، انطلاقاً من إيمانها بأن التعليم حجر الأساس في إعادة بناء الإنسان والمجتمع".

Related News

راشد الماجد يطرح أغنية «من عرفتك» بطابع رومانسي جديد
al-ain
12 minutes ago

ديوكوفيتش يتأهل رغم الانهيار بسبب الحرارة
al-ain
15 minutes ago