أسئلة الدراما الأردنية
Arab
1 week ago
share
تكشف وقائع إلغاء أحد اليوتيوبرز الأردنيين الشهيرين تعاقده مع التلفزيون الأردني (حكومي) المسكوت عنه محلياً، بالانشغال بتفاصيل أسئلة الدراما الأردنية مثل قيمة التعاقد، بل فتح ملف تدهور أوضاع العاملين في القطاع الدرامي، علماً أن بؤس أوضاع هؤلاء ليس جديداً ويمتد على ثلاثة عقود أو يزيد.  تعاقد التلفزيون الأردني مع اليوتيوبر الشاب يزن النوباني لإنتاج مسلسل من 15 حلقة لموسم الدراما الرمضانية المقبل، بنحو نصف مليون دينار (نحو 700 ألف دولار) فقامت الدنيا ولم تقعد: تدوينات غاضبة لممثلين وناشطين، وتساؤلات عن أهلية الشاب وما إذا كان يصلح لأداء درامي تختلف شروطه بالضرورة عن الارتجال الذي يسم فيديوهاته، واتهامات بفساد وإهدار "أموال الشعب"، وصرخات تكاد تكون تسوّلاً عن ممثلين لا يجدون قوت يومهم، وبلا رواتب تقاعدية أو ضمان صحي... إلخ. ووصل الأمر إلى عرض الموضوع برمته أمام مجلس النواب الذي التقت إحدى لجانه (لجنة التوجيه الوطني والإعلام) وفداً من نقابة الفنانين الأردنيين، إذ قدّم هؤلاء مرافعاتهم الغاضبة من إهمال "الدولة" للدراما، ما أدى إلى انهيارها وإفقار العاملين فيها، وأمور أخرى من هذا القبيل. على أن موجة الغضب هذه أغفلت أمرين بالغي الأهمية: أولهما أن الإنتاج الدرامي مكلف بطبيعته، وأن المبلغ الذي كان مرصوداً لإنتاج المسلسل يعتبر متواضعاً جداً أمام ما يُرصد للغرض نفسه في المنطقة، وثانيهما أن المسلسل موضوع الجدل، لو أُنتج لكان جزءاً من حل مشكلة الإنتاج الدرامي "المعطّل" وليس العكس، فمن شأنه ربما تحفيز القطاع الخاص على خوض غمار التجربة، وإضفاء الشرعية على أي مطالبات لاحقة للتلفزيون الحكومي بإنتاج المزيد، أو على الأقل شراء أو بث بعض الأعمال المحلية التي ما زالت على الرفوف. المشكلة أن الأمور تُدار بذهنية ما قبل الاحتراف، فلماذا هو وليس أنا؟ وتلك واحدة من مشكلات المنطقة التي تخوض صراعاتها الصغيرة بذهنية الأحاديث الغاضبة على عتبات البيوت، ولا تتقدّم خطوة واحدة لحل مشكلاتها بل تزيدها تعقيداً، فإذا لم نغنم فلا غنيمة لأحد، ولتكن الحرب على الجميع، ولا بأس من خطاب استعلائي، ترهيبي، بغطاء وطني لدفع الآخر إلى التراجع ما دمنا لسنا من فريق الكاسبين. لا تقوم الدراما على الدعم الحكومي بل تحتاج إليه، فهذا شأن القطاع الخاص وفنانين مغامرين، ولا على الرسالة، فهذا شأن الإعلام التعبوي والبروباغاندا، وأظن أن الفنانين الذين اعترضوا على المسلسل قبل أن يُنتج يعرفون هذا، فليس من حق الحكومات أن تحجز لك دوراً في مسلسل أو فيلم، بل موهبتك، ومن حقك في المقابل مطالبتها بتسهيلات وأن تسعى إلى شراء أعمال محلية لدعمها، وأن تكافح لإنتاج الجديد منها.  وإذا كانت بمشروعها لإنتاج ذلك المسلسل المغدور قد سعت، فمن حقك أن تسألها عن مشاريعها المقبلة، وأن تقدّم إليها مشاريع أعمالك لإنتاجها (سيناريوهات على الأقل)، فإذا لم تفعل وكانت قادرة فمن حقك أن تدبّ الصوت، وأن تعتصم أمام مجلس النواب ومقر رئاسة الوزراء. والمسكوت عنه هنا بالضبط، هو غياب المكوّن الثقافي نفسه من اهتمامات البلاد ونخبها منذ عقود، أي إنه في الذهنية، وهي أمنية غالباً للأسف، لا تلحظ دوراً لأي شيء باستثناء الأمن والأمان، وليس ثمة أحد ضد الأمن والأمان، بل مع توسيع دائرة الاهتمام لتشمل عناصر بناء المجتمعات الحديثة، ومنها الثقافة والفنون. لكن هذا يتعذّر أيضاً لغياب المبادرات الفردية وتردّد القطاع الخاص، ولا سيمّا أنه لا توجد أي تعليمات من أي نوع تطمئنه بأن قطاع الإعلام الحكومي ملزم ببث أعماله أو شرائها ولو بمبالغ رمزية. أما لماذا؟ فإليك المزيد من المسكوت عنه، فميزانية التلفزيون الأردني لهذا العام نحو 29 مليون دينار أردني، تذهب 90% منها تقريباً إلى رواتب الموظفين والمصاريف التشغيلية الأساسية، وإذا علمت أن 1800 موظف على الأقل يعمل في هذا التلفزيون، بعضهم بالمناسبة بدأ سائقاً وانتهى مخرجاً، وأن أي مدير أو وزير أو حتى رئيس وزراء لا يستطيع الاستغناء عن ألفٍ فائضٍ منهم، على الأقل، خوفاً من اضطرابات محتملة في الشارع، فإنك تستطيع أن تفهم معنى الدراما الحقيقية هنا، ومنها لماذا لا يقوم التلفزيون الحكومي بما يفترض أن يقوم به أصلاً، أي أن يكون منتجاً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows