القلم الأميركي.. توثيق الإبادة الثقافية
Arab
1 week ago
share
في ظلّ حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عامين على قطاع غزة، تواجه الثقافة الفلسطينية تهديداً وجودياً، وسعياً إسرائيلياً عدوانياً لمحوها. إذ أدّى القصف المستمر إلى تدمير متاحف ومراكز ثقافية ومساجد ومواقع أثرية ومكتبات، بما في ذلك مكتبة غزة العامة التي كانت تحتوي على نحو 10 آلاف كتاب، والمكتبات الجامعية مثل مكتبة الجامعة الإسلامية. وعلى المستوى الفردي، فقد استُهدف مئات الفنانين والأدباء والعاملين في المجال الثقافي. ضمن السياق التوثيقي، أصدرت منظمة القلم الأميركي في نيويورك، أخيراً، تقريراً موسّعاً، ركّز على الآثار المباشرة للحرب الإسرائيلية على الشخصيات والمواقع الثقافية، موثقاً قتل أكثر من 150 شخصية ثقافية فلسطينية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، من كتّاب وشعراء وفنانين وأكاديميين وموسيقيين ومسرحيين، وتدمير أو إصابة 226 موقعاً تراثياً وثقافياً، شملت 36 مؤسسة رئيسية بين متاحف ومكتبات ومساجد ومواقع أثرية وجامعات. وعلى الرغم من توثيقه الدقيق، يبقى التقرير محافظاً على مسافة تحليلية من بعض الحالات الخاصة، مع الحرص على تقديم تقييم متوازن، مما يجعله مرجعاً للباحثين الدوليين والمنظمات الحقوقية. بالمقابل، وفي سياق عربي تقدّم مؤسسة الدراسات الفلسطينية منصة "توثيق استهداف الثقافة في قطاع غزة"، وهي عبارة عن قاعدة بيانات شاملة، انطلقت إلكترونياً مطلع العام الجاري، تشمل توثيق المؤسسات الفنية والمواقع الأثرية والمكتبات والأرشيفات، مع قسم خاص لتسجيل شهداء الثقافة، وتقديم شهادات مصوّرة ومقابلات وتحليلات متعمّقة، تعكس البعد السياسي والإنساني لجرائم الإبادة الصهيونية وتؤكد الهوية الثقافية الفلسطينية. وثّق التقرير قتل إسرائيل أكثر من 150 كاتباً وفناناً فلسطينياً تتقاطع كلا المبادرتين في نقاط منهجية، حيث اعتمد تقرير PEN America على جمع البيانات من مصادر إعلامية وتقارير ميدانية، مع تحقيقات دقيقة عن الجرائم ضد الشخصيات الثقافية والمواقع التراثية. في حين تعتمد منصة مؤسسة الدراسات الفلسطينية على منهجية شاملة تجمع بين مصادر أولية مثل المقابلات الشخصية والتسجيلات المرئية والصور والمعلومات المنشورة على المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، ومصادر ثانوية تشمل تقارير رسمية وإحصاءات محلية ودولية مثل اليونسكو والألكسو، بالإضافة إلى دراسات أكاديمية متخصصة، مع تركيز على سرد وطني يعكس المأساة الفلسطينية. بالعودة إلى التقرير الأخير لـ PEN America فمن بين أبرز النقاط التي يسلط الضوء عليها هم الفنانون الذين واصلوا إنتاج أعمالهم رغم الحرب، مثل التشكيلية مي الشاعر التي غادرت غزة أخيراً محاولة إنقاذ أعمالها، وشريف سرحان الذي دُمّر مرسمه، والمخرج حسام مدهون الذي واصل العمل مع الأطفال والنازحين عبر عروض مسرحية وصناعة دمى من المواد المتاحة. ويقدّر تقرير المنظمة تكلفة جهود الحفاظ الطارئة على التراث الثقافي في غزة بنحو 36.4 مليون دولار، بينما قد تصل تكلفة إعادة الإعمار الكامل إلى نحو 304 ملايين دولار، مع احتمال أن تزيد هذه الأرقام مع استمرار الإبادة وتفاقم الأضرار.  يؤكّد التقرير البُعد القانوني الدولي لحماية التراث الثقافي، بما في ذلك اتفاقية لاهاي لعام 1954، حيث تعتبر الهجمات على الجامعات والمكتبات والمراكز الثقافية انتهاكاً للقوانين الدولية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد تُستخدم دليلاً على نية إبادة، كما ورد فيه. ويختتم بتوصيات مباشرة للمنظمات الدولية بوقف الهجمات فوراً مع تقييم موضوعي للانتهاكات. تؤكد التجربة التوثيقية في غزة الحاجة الملحّة لتوسيع نطاق مثل هذه التقارير واعتمادها من قبل مؤسسات ثقافية دولية، لضمان الوصول إلى قاعدة بيانات موثوقة وشاملة. خاصة مع صعوبة تحديث هذه المعلومات في ظل الإبادة المستمرة. ولا ننسى، بطبيعة الحال، ما يشكّله العمل على هذه المبادرات من تحدٍّ لسرديات الاحتلال التي تحاول طمس حقيقة الإبادة الممنهجة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows