سيناريوهات مصرية لمواجهة قطع الغاز الإسرائيلي
Arab
1 week ago
share
 بدأت وزارة الكهرباء والطاقة في مصر زيادة الاعتماد على المازوت والسولار لتشغيل محطات الكهرباء الحرارية، والتفاوض مع عدد من المستثمرين المختصين بمشروعات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، الذين يشكون على مدار الأعوام الأربعة الماضية من قيود بيروقراطية وتقنية وصعوبة التمويل، لرفع مساهمتهم في مزيج إنتاج الطاقة من نحو 14% حاليا إلى 42% من احتياجات البلاد من الكهرباء بحلول عام 2035. ووفقا لمصدر رفيع المستوى بوزارة الكهرباء، "تأتي تحركات وزارة الكهرباء ضمن خطة حكومية شاملة جديدة، لتوفير المحروقات والكهرباء اعتمادا على مصادر محلية وأخرى عربية تمد الشبكات المصرية بالكهرباء عند الطوارئ من دول الخليج، وتوفير المازوت والسولار والغاز من السوق الفورية الدولية، تحسبا لأي توقعات بالتصعيد مع الكيان الإسرائيلي، الذي هدد أكثر من مرة بوقف إمدادات الغاز عن الشبكة الوطنية للغاز، التي تمد البلاد بنحو 20% من احتياجاتها اليومية". مستقبل الطاقة معلق وقال المصدر، عضو جهاز "مرفق الكهرباء" التابع للوزارة، لـ"العربي الجديد"، إن التحديات التي فرضتها التهديدات الإسرائيلية لمصر أخيرا، ألزمت الحكومة بمعادلة تجعل مستقبل الطاقة في مصر معلقا بين نجاح الدولة في جذب استثمارات أجنبية ومحلية لتطوير الآبار القديمة وإجراء اكتشافات جديدة تعيدها إلى مسار الفائض والتصدير، أو استمرار وقوعها في حلقة مفرغة من الاستيراد والعجز والضغوط المالية، والسير على حافة دقيقة بين تلبية احتياجاتها الداخلية والحفاظ على مكانتها باعتبارها مركزاً إقليمياً للطاقة في شرق المتوسط. وأشار المصدر إلى أن ارتفاع معدلات النضوب في حقول البترول والغاز، الذي تراجع عن ذروته منذ عام 2022، وزيادة مستوى النضوب في بعض الحقول، وعلى رأسها "حقل ظهر"، أوجد فجوة بين إنتاج الغاز الذي يراوح ما بين 5.3 مليارات و5.5 مليارات قدم مكعبة، وبين الاستهلاك الذي يقترب من 7.3 مليارات قدم مكعبة يوميا، بفارق نحو ملياري قدم مكعبة. مع توقعات حكومية باستمرار الانخفاض إلى ما دون خمسة مليارات قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2027، وهو ما يقف وراء تعديل السياسات في توليد الكهرباء، لخفض الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، مع التخطيط لاستيراد الغاز الطبيعي من قبرص عام 2026، والغاز المسال بأسعار مرتفعة من السوق الدولية المفتوحة، إذا لم تحدث اكتشافات تجارية كبيرة تغير المعادلة. ووفق المصدر، فقد تراجع استهلاك محطات الكهرباء للغاز من معدل 76% من مكونات مزيج الطاقة عام 2024 إلى 60% خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، لصالح المازوت والسولار والطاقة الجديدة من الرياح والشمس، رغم زيادة الاستهلاك المحلي من الكهرباء والمحروقات، وذلك في وقت يعتمد فيه تشغيل محطات التوليد ومصانع البتروكيماويات والأسمدة والحديد والإسمنت والمنازل والسيارات والصناعات كثيفة الطاقة على الغاز وقوداً أساسياً، ما يفرض تقليل الواردات التي ما زالت تشهد فجوة تقدر بنحو مليار قدم مكعبة يوميا، مع زيادة الاستهلاك الكلي من الغاز إلى 6.3 مليارات قدم يوميا. مخاوف مصرية وأفصح المصدر عن وجود مخاوف مصرية من استمرار الشراكة مع إسرائيل في قضية الغاز، رغم تجديد اتفاقية استيراد الغاز الشهر الماضي، لرفع الواردات من نحو 1.2 مليار قدم مكعبة إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا، ومدها 14 عاما إضافية، مقابل قيمة إجمالية للصفقة الممتدة منذ عام 2019 إلى العام 2040 تبلغ 35 مليار دولار، مؤكدا أن تلك الشراكة أصبحت فادحة الثمن في ظل التقلبات السياسية والأمنية في المنطقة، التي تجعل اعتماد مصر على إسرائيل خيارا محفوفا بالمخاطر، فضلا عن الكلفة المرتفعة في حال توقف أو تقليص التدفقات كما حدث في صيف العام الماضي بسبب مشكلات تقنية وأمنية، والتي أثرت على الصناعات الحيوية ومشروعات الكهرباء، وفرضت على الحكومة سرعة اللجوء إلى بدائل ولو مكلفة مثل استيراد الغاز المسال من السوق الفورية. وأكد المصدر أنه رغم الوعود الإسرائيلية بإنهاء ازدواج خط أنابيب الغاز الإسرائيلي مع الشبكة المصرية المتصلة بحقل ظهر وميناء العريش قبيل نهاية العام الجاري لزيادة ضخ الغاز من مستوى مليار إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يوميا قبيل بداية الصيف المقبل، على أن تصل إلى 2.2 مليار قدم مكعبة يوميا في ذروة الاستهلاك خلال صيف عام 2026، فإن المشروع لن يكون جاهزا لتشغيل تلك التوسعات إلا في مطلع 2027، ولن يصل إلى إنتاجيته القصوى قبل 2028. ويعود ذلك إلى خلافات بين الشركاء الإسرائيليين والأميركيين حول التكاليف وحصص توزيع العوائد والأرباح، وهو ما يعني استمرار العجز في الكميات الموردة لمصر حتى نهاية 2026، وارتفاع فاتورة الواردات على مدار العام المقبل لشراء الغاز المسال من السوق الدولية. ويراوح سعر الغاز من حقلي "تمار" و"ليفاياثان" في مياه البحر المتوسط المشاطئة لمدينتي حيفا وأشدود ما بين خمسة دولارات و6.7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما تحصل وزارة البترول على الغاز المسال بسعر يراوح ما بين 12 و14 دولاراً لكل مليون وحدة. بدائل الغاز الإسرائيلي ووفقا لتصريحات أخيرة لوزير البترول المصري كريم بدوي، فإن الحكومة تواجه تحديات تراجع الإنتاج المحلي وعدم الاعتماد على الجانب الإسرائيلي بمفرده بخطط لجذب أربعة مليارات دولار بصفة استثمارات جديدة خلال العام الجاري. وتشمل الخطة طرح 12 منطقة امتياز أمام الشركات الدولية في البحرين المتوسط والأحمر وخليج السويس لحفر آبار جديدة وتطوير حقول ناضبة يعاد تسويقها وتشغيلها بتكنولوجيا حديثة. وتأمل الحكومة بأن تسفر المزايدات عن رفع الإنتاج المحلي إلى سبعة مليارات قدم مكعبة يومياً، أو على الأقل تثبيت التراجع الحاد في الإنتاج خلال فترة تراوح بين خمس وسبع سنوات، ما يعني استمرار الفجوة الحالية في المدى القريب والمتوسط. وأكد الوزير سعيه لامتلاك أربع وحدات لتحويل الغاز المسال إلى طبيعي (تغويز) استأجرتها الشركة القابضة الوطنية للغاز الصيف الماضي بنظام التأجير التمويلي، لتصبح ملكا خاصا للدولة، بحيث تمتلك القدرة على إمداد البلاد بنحو ثلاثة مليارات قدم مكعبة يوميا في نهاية 2026. بالإضافة إلى امتلاك مصنعي إسالة الغاز في شمال الدلتا بعد انتهاء فترة الامتياز الممنوحة لشركتي "بتروناس" الماليزية و"شل" الهولندية، لتكون لديها القدرة على تصدير فائض الغاز الطبيعي المحلي والمستورد للأسواق الدولية. بنية تحتية قوية وذكر رئيس هيئة البترول السابق مدحت يوسف أن المبالغ التي رصدتها الوزارة لحفر الآبار وتحديث الناضب منها لا تكفي لتدبير احتياجات الدولة من الغاز والمحروقات، مبينا أن تلك الاستثمارات تظل عند حدود مالية ضيقة لا تكفي لتشغيل حقل جديد يوازي إمدادات "حقل ظهر" الذي بلغت كلفة حفره وتشغيله عام 2019 نحو 12 مليار دولار.   ومع ذلك، قال يوسف لـ"العربي الجديد"، إن الغاز الإسرائيلي لم يعد يشكل أي ضغوط على مصر في الوقت الحالي، لأن مصر قادرة على تعويض الغاز القادم منه عن طريق شرائه بحالة غاز مسال من الأسواق الدولية، ولديها بنية تحتية تمكنها من استيراد الغاز المسال عبر أنابيب بحرية ستربط مصر بقبرص وشرق المتوسط، بما يكفي احتياجات البلاد لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل. وأوضح أن الفارق الوحيد أن مصر ستتحمل الكلفة الزائدة في شراء الغاز المسال من الأسواق العربية والدولية بسعر أعلى نسبيا من سعر الغاز الطبيعي الوارد من إسرائيل. لكنه بيّن أن هذه الكلفة لا توازي إزالة أي مخاوف تتعلق بتأمين احتياجات البلاد من المحروقات، والتي جعلت الطرف الإسرائيلي يوافق على توريد الغاز بسعر أقل من الأسواق الدولية نسبيا، عند حدود 6.7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية في العقد الممتد لعام 2040، لعدم قدرته على التصرف في تلك الكميات وبيعها لأطراف أخرى بسهولة. وبذلك أصبحت مصر هي التي تملك زمام الأمر برمته، ولم يعد في صالح إسرائيل التهديد بقطع الإمدادات عن مصر مرة أخرى. وأوضح رئيس هيئة البترول السابق أن مصر ستظل مستوردة للغاز الطبيعي والمسال والمواد البترولية على المديين المنظور والمتوسط حتى عام 2028 على الأقل، بسبب قلة الاستثمارات المالية في قطاع الإنتاج والاستكشاف. ومع ذلك يبقى الأمل معقودا على زيادة الإنتاج بعد خمس سنوات في حال ضخ مزيد من الاستثمارات في تشغيل آبار حديثة. فشل الضغوط وذكر يوسف أن مصر لديها تسهيلات كبيرة لإدارة شبكات الغاز وتسييله في المصانع المحلية بمنطقتي إدكو ورشيد، شمال دلتا النيل، وإعادة تصديره عبر موانئ التصدير المجهزة بخدمات الربط مع شاحنات نقل الغاز المسال، بما يمكنها من استخدام الواردات القادمة من إسرائيل لتسييلها وإعادة تصديرها للأسواق الدولية. وهو ما يضمن تشغيل المصانع المحلية وتحقيق هامش ربح من عوائد البيع، مؤكدا أن هذه التسهيلات ستساهم أيضا في خدمة مشروع الغاز القبرصي بالوسيلة نفسها، وهو ما يعيد لمصر دورها مركزاً إقليمياً لمشروعات الغاز بشرق المتوسط. ويوضح خبير الطاقة أن إسرائيل حاولت ممارسة ضغوط على مصر ودول المنطقة لتثنيها عن دورها مركزاً إقليمياً لشبكات الغاز، ولم تفلح على مدار العامين الماضيين بسبب الكلفة العالية لمشروعات الغاز والمخاطر الأمنية المحيطة بها، ووجود التسهيلات الفنية لدى مصر. بالإضافة إلى أن الإنتاج الكلي للغاز الإسرائيلي ضعيف للغاية، ولن يمكنها (رغم وجود الفائض الكبير حاليا) من أن تصبح مركزا إقليميا للغاز أو أن تدخل مشروعات تنافس الدور المصري في المنطقة. ويذكر يوسف أن تغيير مخطط إنتاج الطاقة والكهرباء في مصر سيزيد الضغوط على الطرف الإسرائيلي، الذي لم تعد لديه القدرة على زيادة إنتاجه من الغاز في ظل محدودية الحقول والغاز المتوقع استخراجه منها، مع استبعاد قدرته على استغلال حقول الغاز الواقعة في مياه البحر المتوسط على شواطئ غزة، موضحا أن الشركات العالمية القادرة على استكشاف الغاز وإنتاجه لن تغامر بضخ أي استثمارات بالقرب من شواطئ غزة في ظل عدم مشروعية هذه الأعمال من ناحية القانون الدولي، ورفضها المخاطرة بضخ استثمارات مالية هائلة في منطقة يسودها التوتر الأمني والنزاع القانوني. ورقة نتنياهو ويشير خبراء إلى أن ما ذكرته صحف عبرية عن استخدام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الغاز ورقةً للضغط على مصر أعاد تذكير الحكومة بأهمية الأبعاد الجيوسياسية للأزمة التي حاولت تجنبها لسنوات، وأكد أن أزمة الغاز لا تنفصل عن سياقاتها الإقليمية والدولية. وهو ما دفع مصر إلى الحفاظ على دورها مركزاً إقليمياً لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت الأوروبيين إلى البحث عن بدائل لإمدادات الطاقة الروسية. لكن محدودية الإنتاج المحلي واعتماد القاهرة على الغاز الإسرائيلي يضعف أوراقها التفاوضية، ويجعلها أقل قدرة على الاستفادة من الفرصة التي وفرتها الأزمة الأوروبية. ويذكر خبير بلجنة الطاقة بنقابة المهندسين المصريين في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العلاقات مع إسرائيل تظل رهينة تطورات الصراع في غزة وسيناء، وهو ما يجعل أي اضطراب أمني محتمل تهديدا مباشرا لإمدادات الغاز. وفي المقابل، قد ترى الحكومة أن التعاون مع قبرص واليونان ومنتجي الغاز في أفريقيا، كنيجيريا، فرصة لتنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على مصدر واحد محفوف بالمخاطر.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows