
Arab
في خطوة أثارت قلق الأوساط الحقوقية، اعتقلت السلطات السورية، ظهر أمس الأربعاء، الصحافي والناشط الحقوقي عامر مطر، المدير المؤسس لـ"متحف سجون سوريا"، أثناء عبوره منفذ الجديدة الحدودي، وفق ما أفاد به بيان صادر عن إدارة المتحف.
ويأتي توقيف مطر بعد أيام فقط من افتتاح "متحف سجون سوريا" في مقره بالمتحف الوطني في دمشق، وهو المشروع الأول من نوعه في البلاد، إذ يسعى إلى توثيق الانتهاكات التي شهدتها السجون السورية على مدى عقود، عبر شهادات الناجين ووثائق رسمية مسرّبة وتقنيات عرض تفاعلية ثلاثية الأبعاد. لكنّ هذا المشروع، الذي استُقبل باهتمام واسع، يبدو أنه أثار أيضاً حفيظة السلطات.
تكتّم رسمي ومطالبات بالكشف عن مصير عامر مطر
بيان "متحف سجون سوريا" حمّل وزارة الداخلية المسؤولية الكاملة عن سلامة عامر مطر، مطالباً بالكشف الفوري عن مكان احتجازه وأسباب توقيفه، والإفراج عنه من دون قيد أو شرط. ووصف البيان عملية التوقيف بأنها "غير قانونية" وتعيد إلى الأذهان ممارسات الاعتقال التعسفي التي طبعت الحقبة السابقة.
وقال الصحافي السوري عمرو خيطو، المدير المشارك في المتحف، لـ"العربي الجديد"، إنّ عامر مطر اعتُقل "أثناء خروجه من الحدود اللبنانية عند نقطة المصنع الحدودية"، مضيفاً: "حتى الآن لا توجد أي معلومات عن الجهة التي اقتادته، ونحن كفريق نطالب بالإفراج الفوري عنه، والتواصل معه كصحافي محمي عبر محاميه الخاص، لأننا نريد العمل ضمن القانون".
مصدر مقرّب من مطر كشف أيضاً لـ"العربي الجديد" أنّه جرى تسريب معلومات تفيد بأنّ سبب الاعتقال مرتبط بوثائق حسّاسة حول سجن صيدنايا العسكري، قال إنها "تدين النظام السوري السابق"، مضيفاً أنّ عامر عمل طوال السنوات الأربع عشرة الماضية على توثيق الجرائم في السجون السورية في ظل نظام الأسد "بهدف حفظها تاريخياً واستخدامها مستقبلاً في أي مسار قضائي يهدف لمحاسبة المسؤولين عنها"، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أنّ السبب الحقيقي لم يتأكد حتى اللحظة.
اعتقال "خارج إطار الشرعية"
من جانبه، قال المحامي والخبير في القانون الدولي حسام الدين الجوخدار لـ"العربي الجديد"، إنّ اعتقال عامر مطر "يُعدّ مخالفاً للقانون السوري والدولي على حدّ سواء، إذا ما تمّ دون مذكرة قضائية أو تهم واضحة"، مشيراً إلى أنّ "منع عائلته أو محاميه من معرفة مكان احتجازه يشكّل حالة اختفاء قسري محظورة بموجب القانون الدولي، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه سورية".
وأضاف المحامي أنّ "الطابع الانتقامي للتوقيف، في حال تأكّد ارتباطه بنشاطه الحقوقي أو بشهادته في محكمة كوبلنز ضد ضباط الأمن السوريين، يرقى إلى انتهاك مباشر لحرية التعبير ولحقوق المدافعين عن حقوق الإنسان التي تكفلها مواثيق الأمم المتحدة"، مطالباً بالكشف الفوري عن مكان وجوده والإفراج عنه دون تأخير.
مشروع الذاكرة السورية
وكان عامر مطر قد قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ المتحف وثّق حتى الآن 72 سجناً سورياً يعود تاريخها إلى عقود مضت، من خلال مقابلات معمّقة مع المئات من الناجين، بينهم 45 ناجياً من سجن صيدنايا وحده، وأوضح أنّ الهدف من المشروع هو "حفظ الذاكرة السورية وإتاحة المواد الموثقة أمام الحقوقيين والمؤرخين وأسر الضحايا، بما يساهم في تحقيق العدالة والمساءلة ويمنع تكرار الانتهاكات مستقبلاً".
وأضاف أنّ المتحف لا يكتفي بعرض الشهادات والوثائق، بل يوظف تقنيات العرض التفاعلي ثلاثي الأبعاد ليمنح الزوار تجربة افتراضية دقيقة تحاكي غرف الاعتقال والإعدام، قائلاً إنّ "هذا البعد التفاعلي يمنح الضحايا حضوراً دائماً في الذاكرة الجمعية، ويتيح للزوار إدراك حجم الألم الذي عاشه المعتقلون".
قلق حقوقي متزايد
المنظمات الحقوقية التي تتابع الملف ترى أنّ اعتقال عامر مطر، إذا استمرّ، سيبعث برسائل سلبية بشأن مسار الحريات العامة في سورية، لا سيما أنّ المشروع الذي أطلقه يركّز على التوثيق والتاريخ أكثر مما يركّز على السياسة المباشرة. وفي ظلّ غياب أي موقف رسمي أو توضيح من السلطات حتى اللحظة، يبقى مصير مطر معلّقاً، فيما تتزايد المطالبات المحلية والدولية بالكشف عن مكانه وإطلاق سراحه فوراً.

Related News

الضرب في طبل التاريخ
alaraby ALjadeed
32 minutes ago