قصة صحفية | بلا أطراف وبعين واحدة.. “يونس إسماعيل” قصة إرادة تتحدى الإعاقة لتصنع المستقبل (فيديو)
Civil
1 day ago
share
في ظهيرة حارة من يونيو/حزيران 2017، خرج يونس إسماعيل (13 عامًا آنذاك)، من منزله في حي الحوض شرق مدينة تعز، حاملًا دلو ماء ليساعد والدته كعادته اليومية، ولم يكن في ذهنه سوى فكرة بسيطة "أن يصل إلى خزان الحي وينتظر دوره وسط طوابير النساء والأطفال"، لكنه لم يكن يدرك أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة قبل أن يفقد المشي على قدميه. في ذلك اليوم، كان يونس طفلًا مكتملًا، يمتلك قدمين للركض واللعب، ويدين للإمساك بالحياة، وعينًا تنظر بهدوء نحو العالم من حوله، كان طفلًا بسيطًا، لا يفهم شيئًا عن الحرب التي تقضم مدينته، ولا عن القذائف التي تغيّر ملامح الأحياء وأجساد ساكنيها. لكن الحرب لا تمنح الأطفال ترف الجهل بها، قذيفة هاون أطلقتها جماعة الحوثي سقطت وسط الحي المكتظ، قرب خزان الماء تمامًا، انفجار عنيف، دخان كثيف، صرخات مبعثرة، وغياب مؤقت للوعي. لحظات صادمة أصيب "يونس" إصابة بالغة، استُشهد خاله الذي كان برفقته، فيما نُقل هو إلى المستشفى بحالة حرجة، كانت النتيجة صادمة: بُترت ساقاه، ويده اليسرى، وتضررت عينه اليسرى كليًا. يتذكّر "يونس"، الذي تجاوز العشرين من عمره الآن، تفاصيل تلك اللحظات الصادمة قائلًا لـ"لبران برس": "استيقظت ولم أعد أنا كانوا يلفّونني بالضمادات، والناس حولي لم أفهم ما حدث". ظل "يونس" في المستشفى يتلقى الرعاية، قبل أن تبدأ أسرته معركة جديدة البحث عن فرصة لعلاجه في الخارج وبعد نحو عشرة أشهر من الإجراءات والانتظار، تمكن من السفر إلى السعودية، ليقضي هناك قرابة أربعة أعوام في المستشفيات ومراكز التأهيل تلقى خلالها علاجات مكثفة، جسديًا ونفسيًا. لكنه أمله في الحصول على أطراف صناعية لم تتحقق، إذ لم تتوفر الإمكانات لذلك في المملكة. ورغم أن التوصيات الطبية كانت تشير إلى ضرورة سفره إلى ألمانيا، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن بسبب التكاليف الباهظة. عاد "يونس" إلى اليمن في العام 2021، بجسد مختلف عما تركه، لكنه كان مصممًا ألا يستسلم لهذا التغيير. لم تكن عودته سهلة، إذ واجه تحديات نفسية كبيرة، أبرزها نظرات المجتمع، وصعوبة الحركة، والشعور المفاجئ بالضعف. يصف يونس تلك المرحلة بأنها "الأصعب" في حياته، قائلًا: "في البداية لم أكن أخرج من المنزل كنت أهرب من نظرات الناس، ومن إحساسي بالعجز". بداية الرحلة لكن رغم الإعاقة، قرر أن يبدأ من حيث انتهى: التعليم لم يكن ذلك قرارًا عابرًا، بل خطوة وُلدت من عمق التجربة، ومن قناعة داخلية أن المستقبل لا يُمنح بل يُنتزع. يقول "يونس" لـ"لبران برس": "طموحي لا حدود له، وأهم ما أسعى إليه اليوم هو بناء مستقبل أفضل، يُخفف آلامي وأوجاعي، وفي قرارة نفسي، أعرف أن ذلك لن يتحقق إلا باستكمال تعليمي."، يضيف: "ربما لا أستطيع أن أركض، لكنني قادر أن أتعلم، أن أحقق شيئًا مختلفًا، هذه الحرب أخذت مني أطرافي، لكنها لم تأخذ إرادتي." لذلك، كانت أولى خطواته هي الالتحاق بالجامعة، جلس على المقاعد التي كان ظن أنه لن يراها مجددًا. واليوم، في المستوى الثاني بقسم هندسة تقنية المعلومات، المجال الذي طالما حلم به، وشعر أن مستقبله يكمُن فيه. "شعرت بالفخر بدخولي هذا التخصص، رغم أن التحديات ما زالت قائمة، من أبرزها عدم توفر وسيلة نقل ثابتة، لكن هذا لن يمنعني من مواصلة طريقي نحو النجاح." يضيف يونس. ليست التحديات الأكاديمية وحدها ما يواجه "يونس"، فالحياة اليومية نفسها ليست سهلة يتنقّل عبر عربة صغيرة ذات عجلات، ما يعرّضه لمخاطر يومية أثناء عبوره الشوارع العامة، في بيئة لا تراعي احتياجات ذوي الإعاقة. كما أنه يواجه صعوبة في الكتابة بيده اليمنى، بعد أن فقد يده اليسرى في الانفجار، والتي لم يكن معتادًا من قبل على استخدامها. هذا التحوّل جعل الكتابة والدراسة اليومية تحديًا مستمرًا يتطلب منه وقتًا وجهدًا مضاعفًا للتغلب عليه. وسط هذه التحديات، تبقى والدته هي سند الحياة الحقيقي، "أمي هي كل شيء... تساعدني في كل صغيرة وكبيرة، في البيت وخارجه، في الدراسة وفي الحركة، لا أستطيع أن أصف كيف كانت ولا تزال قوتي الوحيدة." رسالة ورجاء كغيره من الجرحى ذوي الإعاقة، يعبّر "يونس" عن أمنيته بأن تلتفت الحكومة إليهم بعين المسؤولية، وأن تُمنح قضاياهم أولوية حقيقية. يتحدث بأمل كبير عن أحلامه، ويقول إنها ليست كثيرة، لكنها ضرورية: "نريد فقط مقاعد دراسية مجانية، ورواتب بسيطة تساعدنا على مواجهة الحياة، وخصوصًا من لا يملك دخلًا ثابتًا، أما حلمي الأكبر فهو أن أحصل على طرفين صناعيين، وهذا لا يتوفر إلا في ألمانيا نظرًا لحساسية موضع البتر." في ختام حديثه، يوجه "يونس" رسالة مؤثرة لكل من مرّ بتجربة مشابهة قائلًا: "لا تجعلوا الإعاقة حاجزًا الألم كبير"، ويضيف: "نعم، لكن الحياة لا تنتظر اصنعوا من كل عثرة طريقًا، ومن كل خسارة بداية جديدة."

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows