قراءة في محتوى البودكاست اليمني
Civil
3 hours ago
share

شهدت السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لقنوات البودكاست في اليمن، حيث باتت هذه المنصات جزءا من المشهد الإعلامي الجديد، بعد أن كانت تقتصر على تجارب فردية. هذا التحوّل يأتي في سياق عالمي متسارع، حيث لم يعد البودكاست مجرد هواية أو مساحة حرة للتعبير، بل أصبح شكلا من أشكال الإعلام المؤثر، القادر على إنتاج محتوى نوعي ومتعمّق وجذاب.

وعلى الرغم من هذا التطوّر، إلا أن هذا النوع من المحتوى في اليمن لا يزال يواجه تحديات حقيقية، بعضها مرتبط بطبيعة المحتوى ذاته، وبعضها الآخر يتعلّق بآلية الإنتاج والتقديم.

ومن أبرز هذه الإشكاليات تكرار الضيوف، ليس فقط في قنوات البودكاست، بل أيضا في الفضائيات، حيث يظهر عدد من الأسماء بشكل متكرر، بعضهم يُستضاف خارج نطاق خبرته، ويُقدَّم بوصفه “خبيرا عاما” في كل شيء، وإذا كان الضيف لا يُضيف جديدا، فما فائدة ثلاث ساعات من الحوار؟

بطبيعة الحال، نتفهّم صعوبة استضافة الشخصيات المناسبة، خصوصا في ظل تعقيدات الواقع اليمني، الذي تحكمه اعتبارات سياسية وأمنية – وأحيانا شخصية – تعيق ظهور بعض الأسماء علنا، مما يدفع كثيرا من معدّي البرامج إلى الاكتفاء بـ”المتاحين”، لا بالأفضل.

وإلى جانب مسألة الضيوف، يُلاحظ غياب التوازن في مدة الحوارات، إذ يكاد يُصبح من الثوابت غير المعلنة أن كل مقابلة يجب ألا تقل عن ساعتين، حتى وإن لم يكن الضيف هو من كان مُخططا لاستضافته، أو لم يكن هناك محتوى يبرّر هذا الامتداد الزمني.

صحيح أن البودكاست، في جوهره، قائم على الإطالة والتأني، لكنه يفترض أيضا وجود جمهور قادر على الاستماع، يملك خدمة إنترنت مستقرة وبسعر معقول، وهذه الشروط – بكل أسف – ليست متوفرة في السياق اليمني، ما يجعل كثيرا من الحلقات تتحوّل إلى منتج “مغلق”، لا يصل إلا إلى جمهور محدود، وغالبا من المقيمين في الخارج.

وقد تناقشت مع عدد من الزملاء حول هذه التحديات، وتبادلنا وجهات النظر من أجل تطوير الأداء وتحسين معايير اختيار الضيوف، ووجدت تفهّما من بعضهم، بل ومبرّرات منطقية أحيانا – لا سيّما فيما يتعلق بالقيود اللوجستية – لكن هذا لا يمنع من الطموح إلى تجاوز هذه العقبات، والسعي الجاد نحو محتوى أكثر تنوعا وعمقا.

من الملاحظات الأخرى التي لا يمكن إغفالها هي طريقة إدارة الحوار نفسها؛ إذ يفتقر بعض مقدمي هذه البرامج إلى أدوات المحاور المحترف: لا إعداد كافٍ، ولا قدرة على توجيه الحديث أو ضبط إيقاعه وربما يعود ذلك إلى أن بعضهم دخل هذا المجال كهواية، لا كمهنة، أو اتخذه وسيلة لتحسين الدخل، وهو أمرٌ مشروع في ذاته، لكنه لا يعفي من مسؤولية تطوير الأداء واحترام ذائقة الجمهور.

وما يُعمّق هذه الإشكالية أكثر هو البُعد الاقتصادي؛ فمع إدراك صنّاع المحتوى أن طول مدة الفيديو يُضاعف عدد الإعلانات الممكنة، صار الامتداد الزمني هدفًا في ذاته؛ فكلما طال الفيديو، زادت احتمالات ظهور الإعلانات، وارتفعت العائدات.

فبحسب نظام يوتيوب، يُفعّل خيار “الإعلانات داخل المحتوى” عندما يتجاوز الفيديو ثماني دقائق، ما يسمح بظهور فواصل إعلانية أثناء المشاهدة، وليس فقط في بدايتها أو نهايتها، وإذا امتدت الحلقة إلى ساعة أو اثنتين أو ثلاث، يمكن تقسيمها إلى عشرات الفواصل، تُضاف يدويا أو تلقائيا.

في بعض المقابلات اليمنية، لا يكاد المشاهد يستقر في سياق الفكرة حتى تقاطعه إعلانات متتالية، واحدة كل خمس أو عشر دقائق، ما يُربك التجربة ويُفقد الحوار تدفّقه الطبيعي، وقد تحوّل هذا الأسلوب إلى تقطيع عشوائي، يُخرج الحوار من سياقه، ويشوّه فكرة البودكاست كمساحة تأملية عميقة.

ومن حق صنّاع المحتوى أن يُفكروا في العائد المادي، لا شك في ذلك، لكن الإفراط في توظيف الإعلانات يضعف القيمة الأصلية للفيديو، ويجعل المشاهدة أقرب إلى المطاردة منها إلى الإصغاء.

تشير تقديرات عامة إلى أن كل ألف مشاهدة على يوتيوب قد تدرّ ما بين 1 إلى 3 دولارات في الدول ذات الاقتصاد الضعيف أو الجمهور العربي، وقد تزيد قليلا إذا كانت الحلقة طويلة ومليئة بالإعلانات، وبذلك، فإن حلقة مدتها ثلاث ساعات، تحقق 50 ألف مشاهدة وتتضمن 10 إلى 15 إعلانا، قد تدرّ ما بين 100 إلى 300 دولار تقريبا.

ورغم بعض المآخذ التي تم التطرق لها، فإن في التجربة اليمنية ما يستحق الإشادة والتشجيع، فهناك شباب موهوبون، يحاولون تقديم ما بوسعهم ومع الوقت والحرص على التطوير سيقدمون تجارب مشجعة للآخرين.

ما نحتاجه اليوم ليس إلغاء البودكاست الطويل، بل فهم شروطه، بما يتناسب مع واقع اليمن، وجمهوره، وأدواته المتاحة، ومن بين هذه الشروط، تجريب استضافة أصوات جديدة من خارج دائرة النخبة السياسية المعتادة، والانفتاح على قصص وتجارب لم تُستهلك بعد.

كما أن التقييم المتوازن والدوري من قِبل مقدّمي البودكاست، بعيدا عن إشادات المجاملة – سواء كانت مستحقة أو غير مستحقة – يُعد ضرورة لا غنى عنها، إذا أردنا فعلا أن تتطوّر هذه التجربة وتنتشر، وأن نتلافى ظاهرة التلاشي المبكر التي طالت عددا من المبادرات لأسباب متعددة، منها ما هو متعلق بالمحتوى، ومنها ما هو مرتبط بتكاليف الإنتاج وقلة العائد المادي.

The post قراءة في محتوى البودكاست اليمني appeared first on يمن مونيتور.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows