هل تصعيد الحوثيين ضد حزب المؤتمر ناتج عن مخاوف من تحالف جمهوري وشيك؟
Civil
1 week ago
share

يمن مونيتور/تقرير خاص

شهدت الأيام الماضية تصاعداً لافتاً في حدة التوتر بين جماعة الحوثي المسلحة وحزب المؤتمر الشعبي العام، في سياق تطورات سياسية متسارعة توحي بإمكانية إعادة تشكيل الخارطة السياسية في اليمن، بالتوازي مع تحركات محسوبة من معسكر الحكومة الشرعية المدعومة إقليمياً ودولياً، الذي يُظهر إشارات واضحة على استعداده لجولة جديدة من المواجهة، مدعوماً بدفعة إقليمية متزايدة، ومرتكزاً على إصلاحات داخلية أبرزها التحسن الملحوظ في الوضع الاقتصادي وتعافي العملة الوطنية في عدن ومناطق سيطرة الشرعية.

وفي قلب هذه التحركات، تبرز محاولات حثيثة لتوحيد صفوف القوى الجمهورية، وعلى رأسها حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، في جبهة سياسية موحدة يمكن أن تشكّل نواة مشروع وطني قادر على استعادة الدولة وتغيير المعادلة القائمة. فرغم الخلافات والتجاذبات التاريخية بين الحزبين، إلا أن مؤشرات الواقع الراهن تُظهر أن تحالفاً استراتيجياً بينهما – قائم على أهداف واضحة ومشتركة – قد ينجح في إحداث تغيير حقيقي في ميزان القوة، خاصة إذا تم توظيف ما يملكانه من قواعد شعبية وخبرات سياسية وإدارية في معركة وُصفت بـ”المفصلية” لمستقبل اليمن.

محاولة استباقية لكسر التحركات

في المقابل، تُدرك جماعة الحوثي خطورة هذه التحولات، وتتعامل معها باعتبارها تهديداً مباشراً لمشروعها السياسي والعسكري، ما يدفعها نحو التصعيد المبكر، سواء عبر قمع أي تحركات داخل صنعاء، كما حدث مؤخراً مع قيادة المؤتمر، أو عبر توظيف أدواتها القضائية والإعلامية والأمنية لإجهاض أي توجه يوحي بعودة الحياة السياسية إلى واجهتها الوطنية.

مساء السبت، فجّرت جماعة الحوثي المسلحة توتراً سياسياً جديداً في العاصمة صنعاء، عندما اقتحم مسلحوها اجتماعاً للجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام، كان يُعقد في معهد الميثاق برئاسة صادق أمين أبو رأس، رئيس الحزب في مناطق سيطرة الجماعة. وبحسب مصدر خاص لـ”يمن مونيتور”، فإن الاجتماع كان مخصصاً للتحضير للذكرى السنوية لتأسيس الحزب، غير أن الحوثيين اعتبروه تجاوزاً غير مقبول لصلاحياتهم، وأجبروا القيادات المشاركة على مغادرة القاعة، محذرين من تكرار مثل هذه اللقاءات دون تنسيق مسبق معهم.

هذا التحرك لم يكن منفصلاً عن سياق أوسع من التصعيد الحوثي ضد المؤتمر الشعبي العام، بل جاء امتداداً لحملة ممنهجة تستهدف تقويض ما تبقى من استقلالية الحزب داخل صنعاء. فقبل يومين فقط، أصدرت محكمة عسكرية تابعة للجماعة حكماً غيابياً بالإعدام بحق أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني الراحل ونائب رئيس المؤتمر، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات حول توقيتها ودلالاتها، وبدت أقرب إلى رسالة سياسية موجهة إلى الداخل والخارج، مفادها أن الجماعة لن تتسامح مع أي تحركات قد تمهد لعودة المؤتمر إلى الواجهة السياسية، أو توحيد القوى الجمهورية تحت مظلته.

في سياق هذا التصعيد، يرى الصحفي اليمني مصعب عفيف أن ما جرى في معهد الميثاق بصنعاء لا يمكن قراءته كحادثة منعزلة، بل كـ”تصعيد استباقي من قبل الحوثيين الذين يشعرون بتزايد الضغوط السياسية القادمة من الداخل والخارج، ويخشون من تحركات قد تؤدي إلى إعادة توحيد المؤتمر الشعبي العام ككتلة سياسية قادرة على منافستهم، وربما قلب موازين القوى في شمال اليمن.

ويضيف عفيف، في تصريح خاص لـ”يمن مونيتور”، أن “صنعاء تشهد حالة من التململ السياسي، ليس فقط في أوساط حزب المؤتمر، بل حتى بين بعض الفئات الاجتماعية التي كانت محسوبة على جماعة الحوثي، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم القمع السياسي؛ هذا التململ يعكس رغبة مكبوتة في التغيير، ويجعل أي تحرك سياسي جمهوري موحد مصدر قلق حقيقي للجماعة”.

وفي دعوة صريحة لمن تبقى من قيادات المؤتمر في صنعاء، حثّ عفيف على “تقييم مرحلة الشراكة الصورية مع ميليشيا الحوثي، التي انتهت بالإقصاء والتهميش والقمع والتنكيل، بعد أن اتخذتهم الجماعة شماعة تعلق عليها فشلها وفسادها واستبدادها، وشرعنة الفظائع التي ارتكبتها بحق اليمنيين طوال السنوات الماضية”.

وأضاف أن “الوقت قد حان لتوحيد الجهود الوطنية والدولية لإنهاء قصة الحوثي المريرة، ووضع حد للانتهاكات المستمرة بحق قيادات وكوادر المؤتمر، وبحق جميع اليمنيين الساعين لدولة مدنية عادلة”.

تصريحات عفيف تعكس شعوراً متزايداً لدى قطاع من النخب السياسية بأن موازين القوى قد تكون قابلة للتغير إذا ما تم توظيف اللحظة السياسية الراهنة بشكل ذكي، وعلى رأس ذلك إعادة بناء تحالف سياسي واسع بين المؤتمر والإصلاح وبقية القوى الجمهورية، مدعوم بإصلاحات اقتصادية وتحرك إقليمي داعم، مما قد يُشكل مقدمة لهزّ ركائز الحكم الحوثي في معاقله التاريخية.

نقطة التحول.. هل تنجح الفرصة الأخيرة؟

في الجهة الأخرى من المشهد، تتحدث مصادر سياسية عن تحرك فعّال داخل أروقة الحكومة المعترف بها دولياً لإعادة هيكلة القوى الجمهورية، ومحاولة تجاوز حالة التشتت التي أضعفت موقفها في السنوات الأخيرة, وتتمثل أبرز تلك الجهود في العمل على توحيد هذه القوى تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام، ليس فقط باعتباره حزباً تاريخياً، بل كوعاء سياسي قادر على جمع التيارات المتباينة تحت راية “الجمهورية”، في مواجهة المشروع الحوثي ذي الطابع السلالي والمذهبي.

وترى هذه المصادر أن شخصية من عائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قد تكون نقطة الالتقاء المنتظرة، نظراً لما تحمله هذه العائلة من رمزية سياسية داخل المعادلة اليمنية، وما يتمتع به المؤتمر من قاعدة جماهيرية واسعة وقدرة على مخاطبة الشارع بخطاب الهوية الوطنية الجامعة.

وفي هذا السياق، شكّل ظهور مدين علي عبدالله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل، قبل أيام في برنامج “المعركة الأخيرة”، نقطة تحوّل لافتة. فرغم أن ظهوره بدا إعلامياً للوهلة الأولى، إلا أن قراءته في سياق اللحظة السياسية الراهنة يحمل دلالات أعمق. ووفق تحليل الباحث السياسي هلال المنتصر، فإن هذا الظهور “يحمل إشارات واضحة على أن ثمة ترتيبات تُدار بهدوء لإعادة المؤتمر الشعبي العام إلى صدارة المشهد، سواء من داخل معسكر الشرعية أو عبر قنوات إقليمية فاعلة”.

ويتابع المنتصر، في تصريحه لـ”يمن مونيتور”: “السعودية، التي كانت على خلاف حاد مع جناح أسرة صالح بعد 2014، باتت اليوم أكثر استعداداً لتقبّل فكرة شراكة مستقبلية مع المؤتمر، خاصةً بعد فشل مكونات الشرعية الأخرى في فرض حضور فعّال على الأرض أو تقديم نموذج سياسي مقنع, هذا التقارب الإقليمي مع المؤتمر، يفسّر إلى حد كبير حالة الذعر الحوثي من أي تحركات توحي بإحياء الحزب”.

فرصة المؤتمر الأخيرة…

ورغم أن حزب المؤتمر الشعبي العام لا يزال يعاني من حالة انقسام حاد بين تيارات متناحرة، تتوزع بين صنعاء وعدن والقاهرة وأبوظبي، إلا أن اللحظة السياسية الراهنة قد تفتح أمامه نافذة تاريخية نادرة لإعادة التوحيد وإعادة التموضع كقوة جمهورية قادرة على لعب دور محوري في مستقبل اليمن، بحسب مراقبين سياسيين.

ويشير المراقبون إلى أن التحولات الإقليمية، واستعداد بعض الأطراف الدولية لإعادة النظر في أدواتها السياسية داخل اليمن، إضافة إلى فشل بقية مكونات الشرعية في تقديم نموذج إداري أو سياسي فاعل، كلها عوامل تجعل من المؤتمر مرشحاً طبيعياً لقيادة كتلة وطنية بديلة تعيد شيئاً من التوازن إلى المشهد اليمني المختل منذ انقلاب 2014

لكن هذا المسار، رغم وجاهته، لا يبدو سهلاً. فوفق مصادر سياسية مطّلعة، لا تزال الانقسامات الداخلية عميقة، وحالة عدم الثقة متجذرة بين قيادات المؤتمر في الداخل والخارج. كما أن أدوات البطش الحوثية ستسعى، بكل ما أوتيت من قوة، لإجهاض أي تحرك يوحي بإحياء المؤتمر كجبهة سياسية مستقلة، خصوصاً في مناطق سيطرتها.

وتضيف المصادر أن إعادة إنتاج قيادة سياسية تحظى بقبول شعبي داخلي وتفهم إقليمي ودولي ليس أمراً هيّناً، بل يتطلب عملاً سياسياً منهجياً، واستعداداً لتقديم تنازلات مؤلمة وتضحيات كبيرة في سبيل مشروع وطني جامع.

غير أن القلق الحوثي المتزايد من أي تقارب جمهوري، كما يصفه الباحث السياسي هلال المنتصر في تصريح لموقع “يمن مونيتور”، يعكس حجم التهديد الذي قد يشكله المؤتمر إذا ما أُعيد هندسته سياسياً بطريقة ذكية. ويؤكد المنتصر أن “الجماعة ستواصل سياسات القمع والترهيب، لكنها قد لا تنجح في كبح التغير الجاري على الأرض، خصوصاً إذا ما التقت مصالح الداخل مع متغيرات الإقليم، وتحوّل المؤتمر من عبء تاريخي إلى فرصة وطنية”.

في المجمل، يرى مراقبون أن في حال فشل المؤتمر والإصلاح في توحيد صفوفهما ضمن جبهة سياسية واضحة، فإن المشهد السياسي في اليمن قد يدخل مرحلة ركود جديدة، تتيح للحوثيين إعادة تثبيت مشروعهم كأمر واقع، ما يجعل من هذه الفرصة آخر نافذة فعلية لتغيير موازين القوى.

 

 

The post هل تصعيد الحوثيين ضد حزب المؤتمر ناتج عن مخاوف من تحالف جمهوري وشيك؟ appeared first on يمن مونيتور.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows