غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة - سعيد ثابت سعيد
Party
2 hours ago
share

• هل يمكن لمن يقتل أكثر من ستين ألف مدني، ويجوع مليونا ونصف، ويدمر مقومات الحياة في غزة أن يوصف بأنه مجرد موظف ينفذ الأوامر؟ وهل تفسر نظرية "تفاهة الشر" التي صاغتها (حنة آرنت) ما يفعله قادة الاحتلال الإسرائيلي اليوم؟

• عندما حضرت آرنت محاكمة النازي أدولف إيخمان، وجدت أمامها رجلا محدود الذكاء يخلو من التفكير ويطيع الأوامر دون شعور بالذنب، وبالتالي رأت أن الشر الذي مثله لا ينبع من حقد، وإنما من تفاهة تفرغ الإنسان من الضمير، وتحوله إلى أداة قتل طيعة..

• تكشف غزة اليوم عن وجه آخر للشر يتحرك بوعي، ويعلن أهدافه بوضوح، ويتقدم نحو الإبادة بخطى محسوبة؛ فنتنياهو يربط الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة بصراع بين النور والظلام، ويمنحها طابعا (دينيا-مسيانيا) يضفي على الجريمة صفة الرسالة ويجعلها مقبولة في وعي التيار الذي يقوده.

• أما الجنود والضباط من حوله، فيوثقون جرائمهم، ويجاهرون بنشوة التدمير، ويطلقون شعارات وهتافات التشفي والكراهية.. وهنا يظهر الفارق بين (النازي إيخمان) الذي تحرك داخل منظومة لم يفهم أبعادها، و(الصهيوني نتنياهو) الذي صاغ المنظومة بيده، وغذاها بالمعنى العقائدي والسياسي.

• يتحرك الشر في غزة بوعي، ويصدر عن إرادة وتصميم يرى في الإبادة طريقا إلى الخلاص وتستلهم رؤيتها من عقيدة ترى في القتل وسيلة لتحقيق نبوءات توراتية، وتشارك في تنفيذه مؤسسات تعلن أهدافها بوضوح، وتعتبر القتل إنجازا لا ضرورة عسكرية.. هذا الشر لا ينتظر أمرا من جهة عليا، لأن من يصنعه يتحرك من داخل القيادة التي ترسم أهدافه، وتروج منطقه في الإعلام، وتمنحه غطاء شعبيا في الشارع. فمن يخطط للإبادة لا يبحث عن مبرر قانوني، لأنه يربط فعله بقناعة راسخة ترى في الاجتثاث حلا نهائيا، ويقدم المجازر التي يرتكبها باعتبارها استحقاقا ناتجا عن نبوءة مشتهاة.

• إن ما نراه في غزة يجسد شرا واعيا يتبنى القتل كرسالة، ويستند إلى تأويلات دينية تستخرج من نصوص التلمود لتمنح الإبادة طابعا خلاصيا، وتعيد تشكيل الجريمة في هيئة مشروع وجودي يرى في الفتك ذروة الانتصار.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows