
سبتمبر نت/ عميد ركن/ نجيب الناصر
هناك مؤشرات في استكشاف القائد الأمني المستقبلي، حيث إن القيادة في المجال الأمني لا تبرز فجأة، بل تتشكّل ملامحها منذ المراحل الأولى من المسيرة المهنية للضباط، فبعض الضباط يُظهرون سمات خاصة تميزهم عن غيرهم، وتُشير بوضوح إلى استعدادهم الفطري والنفسي لتحمّل المسؤولية واتخاذ القرار، هناك علامات وسِمات وصفات إذا ظهرت على أحد الضباط دلّت على أنه يحمل استعدادا لتحمل مسؤولية القيادة، فهو يستحق الصناعة والإعداد والتدريب القيادي ليكون من قادة المؤسسة الأمنية كي يحافظ على المكتسبات، ويسهم في تحديث وتطوير الفكر الشرطي.
* ولعل أهم وأبرز العلامات والمؤشرات ما يلي:
1- القدرة على التحليل.
الضابط الذي يواجه الأحداث بتفكير وتحليل عميق ويتعامل مع المواقف والحوادث الأمنية لا كمشاهدة عابرة، بل كوقائع مترابطة تتطلب فهما وتحليلا، هو شخص يتمتع بميزة نادرة في هذا المجال، فهو لا يكتفي بالتنفيذ، بل يبحث دائمًا عن الأسباب والتفاصيل والدوافع والآثار والنتائج المحتملة، فهذا الضابط يمتلك حسا أمنيا استباقيا، والتحليل من أهم خطوات اتخاذ القرار الفعال، فعندما نرى هذه القدرة في أحد الضباط فإننا ندرك أنه يمتلك استعدادا للقيادة، وبحاجة إلى إعداد وتدريب كقائد للمستقبل.
2- المبادرة.
الضابط الذي يبادر عندما يرى الخلل ويسهم في حله دون أن يُطلب منه هذا التحرك يلفت الانتباه، لأنه يتحرك بدافع داخلي، فيقترح ويسعى لإيجاد الحلول، فهذه الروح القيادية تعتبر من أهم المؤشرات على وجود شخصية قيادية فاعلة.
وعندما نلاحظ هذه الصفة نعلم أن الضابط لديه استعداد للقيادة وبحاجة إلى إعداد وتدريب ليكون من قادة المستقبل.
3- الشجاعة والإقدام.
الشجاعة في المجال الأمني ليست محصورة فقط في المواجهات الميدانية مع الخارجين عن القانون، بل تمتد إلى اتخاذ قرارات صعبة في المواقف الحاسمة والظروف الطارئة والثبات على الحق في أحلك الظروف وقول الحقيقة والوقوف في وجه الانحراف- حتى لو كان من أقرب الناس له- ولديه الاستعداد والقدرة على تحمل عواقب قراره، هذه سمة جوهرية في كل قائد ناجح. فعندما تتجلى هذه الشجاعة في سلوك الضابط، فإننا نرى فيه مشروع قائد يستحق الإعداد والتأهيل للمستقبل.
4- الطموح الإيجابي.
الضابط الطموح يعرف نقاط ضعفه، فيسعى إلى التطوير الدائم لذاته، لذلك ستجده يقرأ ويتعلم ويشارك بفاعلية وجدية في الدورات التدريبية، ويسأل ويناقش ويحاور الحوار البناء، فطموحه لا يقتصر على الحصول على الترقيات، بل ايضا خدمة وطنة ومجتمعة فتراه يترجم ذلك من خلال رغبته في التحسين والتجديد والابتكار.
وحين نجد هذا الطموح الناضج في أحد الضباط، نُدرك أنه يحمل الاستعداد للقيادة وبحاجة إلى إعداد وتدريب كقائد مستقبلي.
5- التوازن النفسي والسلوكي.
الضابط الذي يحافظ على هدوئه في المواقف الصعبة ويعرف متى يتحدث ومتى يصمت ومتى يستخدم الحزم ومتى يلجأ للمرونة هو ضابط يتمتع بتوازن نفسي وسلوك وعاطفي عال. هذا النوع من الضباط يُكسب فريقه الثقة، ويخلق بيئة عمل مستقرة وآمنة. التوازن يجعل من القائد عنصر ضبط، وانضباطا في آنٍ واحد.
وعندما يظهر هذا التوازن في سلوك الضابط، فهو بلا شك يمتلك قابلية للقيادة ويستحق الإعداد والتدريب كقائد للمستقبل.
6- الجدية والانضباط.
الضابط الجاد لا يتهاون في أداء واجبه، يحترم الوقت، يلتزم بالقوانين والأنظمة والتعليمات، ويتقن تفاصيل العمل، ويُعلي من قيمة المسؤولية، هذا النوع من الجدية يصنع قدوة بين الزملاء، ويبث شعورًا بالثقة لدى الرؤساء والمرؤوسين، الانضباط هنا لا يُفرض عليه من الخارج بل ينبع من داخله.
وعندما نرى هذا النمط من الانضباط والجدية في أحد الضباط، فإننا نوقن أنه مؤهل للقيادة وبحاجة إلى تدريب وتأهيل ليتحول إلى قائد أمني مستقبلي.
7- البيئة القيادية.
يجب أن يتم ذلك في بيئة محفزة للقيادة، فمهما توفرت الصفات الفردية فإنها لن تزدهر ما لم تُحتضن في بيئة مشجعة، فالبيئة القيادية الحقيقية هي تلك التي تسمح بالتعبير وتدعم التجريب، وتوفر التدريب، وتُقيّم الأداء بإنصاف. بيئة تنظر إلى القادة لا كمجرد منفذين، بل كمحركين للتغيير وركائز للثقة بين الدولة والمجتمع.
ولذلك، فإن وجود مثل هذه البيئة هو شرط أساسي لتنشئة وصنع القادة الأمنيين المستقبليين، وصقل مهاراتهم، وتحويل قدراتهم إلى أثر حقيقي.
ختاماً:
نؤكد ان القيادة الأمنية لا تُمنح، بل تُبنى، وعندما نرى ضابطًا يجمع بين التحليل، والمبادرة، والشجاعة، والطموح، والتوازن، والانضباط، فلابد أن نلتفت إليه، ونضعه على مسار التدريب والتأهيل ليكون في موقع القيادة مستقبلاً.
إن اكتشاف القادة في المؤسسة الأمنية هو استثمار طويل الأجل لتحقيق النجاح والريادة في العمل الأمني المطلوب اليوم ليس فقط أن ننتبه لمن يحمل هذه الصفات بل أن نضع له خارطة طريق واضحة ليكون من قادة الغد.
ظهرت المقالة في الفكر الشرطي الحديث.. المجهر القيادي أولاً على سبتمبر نت.