تعز.. الملاريا تفتك بالسكان في “شرعب”
Reports and Analysis
1 day ago
share

تشهد مديرية شرعب السلام، شمالي محافظة تعز، موجة جديدة من وباء الملاريا والحُمّيات، التي تضرب القرى والمناطق الريفية دون تدخل من السلطات الصحية، في تكرار مؤلم لأعوام سابقة، حيث يتحمل السكان وحدهم عبء مقاومة الوباء.

وخلال الفترة من 4 نوفمبر 2024 وحتى نهاية يونيو 2025، تم تسجيل 55 حالة إصابة مؤكدة بالملاريا بحسب مصدر طبي في مركز الصلاحي الطبي بقرية الأكروف. ويُعد هذا الرقم مؤشرًا خطيرًا في ظل غياب مراكز التشخيص والعلاج الكافية.

ويعد الملاريا مرضا فتّاكا تسببه طفيليات تنتقل إلى البشر عبر لدغات بعوض الأنوفيلس الحاملة للعدوى، وتظهر أعراض المرض عادة بعد 10 – 15 يوما من لدغة البعوض، وتشمل الحمى والصداع والقشعريرة، مع صعوبة التعرف عليه، وإذا لم يتلق المصاب العلاج العاجل، فمن الممكن أن تتطور الحالة إلى مرض شديد يهدد الحياة.


      مواضيع مقترحة

“تيسير السامعي”، نائب الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بالمحافظة، أكد أن المناطق الريفية في تعز تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الإصابة بالملاريا، في ظل شح إمكانيات القطاع الصحي نتيجة استمرار الحرب.

وقال السامعي لـ “منصة ريف اليمن” إن الحرب ألقت بظلالها على جهود مكافحة الأوبئة، وطغت أمراض وأوبئة أخرى على الساحة، وسط غياب الدعم الكافي من المنظمات الإغاثية، والسلطات الصحية المعنية.

4 آلاف حالة

وأضاف أن عدد حالات الإصابة بالملاريا في محافظة تعز بلغ 4 آلاف و338 حالة منذ مطلع العام الجاري دون رصد أي حالة وفاة مرتبطة بالمرض، لافتا إلى أن مديرية موزع سجلت أعلى نسبة إصابة بالملاريا؛ حيث شهدت إصابة 1157 شخصا، ثم مديرية المخا بـ867 حالة، وجاءت مديرية مقبنة في المرتبة الثالثة بـ689 حالة إصابة.

ويتواجد في مديرية شرعب السلام البالغ عدد سكانها حوالي 109 آلاف و814 نسمة، وفقاً لإحصاءات عام 2004م، 12 مركزاً صحياً فقط، موزعة بشكل غير عادل، ولا تلبّي احتياجات السكان المتزايدة، خاصة في القرى النائية.

ووفقا لتقديرات مسؤول في مكتب الصحة بالمديرية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإن متوسط عدد الإصابات السنوية بالحالات المرضية المتقدمة أو الطارئة يُقدّر بأكثر من 660 حالة، وهو رقم مقلق يعكس هشاشة البنية التحتية للقطاع الصحي، وغياب التجهيزات الأساسية للتشخيص والعلاج.

وأشار المسؤول إلى أن هذا العدد قابل للارتفاع في ظل غياب المستشفيات المحورية، وضعف الكادر الطبي، فضلاً عن توقف بعض المرافق الصحية بسبب انعدام الميزانية التشغيلية والدعم الدوائي.

أزمة متفاقمة

ويروي “عمر علي (25 عامًا)”، من أبناء سكان منطقة وادي نخلة، معاناته مع مرض الملاريا الذي أصابه نتيجة تعرضه للدغة بعوض، قائلاً: “عندما شعرت بحمى شديدة مصحوبة بتقيؤ مستمر، ذهبت إلى مركز الصلاحي الطبي وأبلغوني بأنني مصاب بالملاريا”.

ويضيف: “مرض الملاريا، الذي كان بالإمكان السيطرة عليه، أصبح وباء مخيفاً تتفاقم معه معاناة المواطنين يومًا بعد آخر، وبدلاً من السيطرة عليه؛ تحوَّل إلى أزمة موسمية تتكرر كل عام، تحصد الأرواح وتُضعف المجتمعات، في وقت تتزايد فيه التحديات الصحية في المناطق الريفية والمهملة”.


خلال الفترة من 4 نوفمبر 2024 وحتى نهاية يونيو 2025، تم تسجيل 55 حالة إصابة مؤكدة بالملاريا، بحسب مصدر طبي في مديرية شرعب السلام


وتتفشى الحميات في أوساط المواطنين بصورة سريعة ومفزعة، خاصة أنهم يفتقدون للرعاية الطبية اللازمة، وهو ما لم تستشعره الجهات المعنية بمسؤوليتها في المديرية، حيث تترك الناس لمصيرهم.

ويؤكد الدكتور “محمد عبدالمجيد”، الذي يعمل طبيبا في إحدى قرى المديرية، أن الوضع الصحي في المنطقة أصبح كارثيًا، مشيرًا إلى أن المركز الذي يعمل فيه يستقبل يوميًا من حالتين إلى أربع من المصابين بأعراض الحميات، ويعمل على تقديم العلاج المناسب رغم نقص الإمكانيات، حد قوله.

ويشير عبدالمجيد إلى غياب دور الجهات المعنية؛ ما ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة، لافتا إلى أن المرضى يُتركون يصارعون مصيرهم، في وقت تتسع فيه دائرة الفقر والعجز عن توفير أدنى متطلبات العلاج.

مراكز بلا أدوية

يقول “ماجد المخلافي”، طبيب في عيادة خاصة، لـ “منصة ريف اليمن” بأنهم يستقبلون أكثر من عشر حالات مصابة بالوباء يوميًا، غالبيتهم يعانون من ارتفاع درجة الحرارة، والتهابات تنفسية، وآلام في المفاصل والعضلات، وغيرها من الأعراض. ويضيف المخلافي أن مقاومة أعراض الحُميات تختلف من شخص إلى آخر، بحسب العُمر ومناعة المصاب، ويُعتبر الأطفال وكبار السن أشد الفئات تعرضًا للوباء.

بدوره، يقول “محمد علي”، موظف في منظمة إغاثية لفئة المهمشين، بأنه “مع دخول كل خريف ينتشر البعوض بشكل كبير جداً؛ وهو ما ينعكس سلباً على انتشار الحميات، خاصةً حمى الضنك؛ إذا ما توفرت لها البيئة الحاضنة تماماً كما هو حاصل في وادي نخلة، وكثافة القمامة في مجاري السيول، وكذلك ضعف الجهاز الرقابي لمكتب الصحة بالمديرية”.

تعز.. الملاريا تفتك بالسكان في "شرعب"
بلغت عدد حالات الإصابة بالملاريا في محافظة تعز 4 آلاف و338 حالة منذ مطلع العام الجاري (ريف اليمن)

ويشير إلى أن “عدم وجود كادر طبي متخصص لمكافحة الحميات بات مرضى الحميات يتلقون العلاج على يد أطباء وممرضين غير متخصصين؛ وهو ما يجعل المريض يعاني أكثر وتتضاعف حالته، وإذا ما رأينا الواقع ستجد أنه برغم من انتشار الحميات إلا أنه لا توجد أية مراكز خاصة لاستقبال هذه العينة من المرضى”.

وتقول “نجلاء سعيد”، طبيبة ومشرفة على وحدة التحصين في أحد المراكز الصحية بالمديرية، إنه “لا توجد أدوية كافية لدى المركز الذي أعمل فيه، وأجهزة الفحص السريع تنفد خلال أسبوع. كل ما نملكه هو محاولات فردية وساعات عمل لا تنتهي”. وتشير إلى أنه “تم رفع أكثر من ثلاثة تقارير إلى مكتب الصحة بالمديرية، ولم نتلقَ سوى الوعود، لا مبيدات، لا برامج توعية، ولا حتى نفقات تشغيل”.

اللجوء للأعشاب

في ظل عدم توفر الأدوية اللازمة، لجأ الأهالي للتداوي بالأعشاب الطبيعية، وبحسب الدكتور “أحمد الشرعبي”، وهو طبيب في أحد مراكز المنطقة، فإن المواطنين أصبحوا يلجؤون إلى التداوي بالأعشاب، بعد عجزهم عن شراء الأدوية، أو الوصول إلى المراكز الصحية.

ويضيف الشرعبي لـ”منصة ريف اليمن” أن “الملاريا أصبحت تشكل تهديدا رئيسيًا لحياة المواطنين، بل كارثة متكررة، يفتقدون من خلالها لأبسط الوسائل الوقائية، وعجزهم عن الوصول إلى المراكز الصحية التي تبعد عنهم مسافة 5 ساعات”.


لجأ المواطنون إلى التداوي بالأعشاب، بعد عجزهم عن شراء الأدوية أو الوصول إلى المراكز الصحية البعيدة عن مناطقهم الريفية


ويرجع أسباب انتشار أمراض الملاريا، بحسب الدكتور الشرعبي، إلى تواجد العيون وأنهار المياه والأشجار الكثيفة، وتعد مديرية شرعب السلام ضمن المديريات التي تشهد انتشارا لوباء الملاريا.

ورغم محاولات محدودة من الجهات الصحية بالمنطقة، تبقى قرى مثل “المخيمة” و”المعقاب” و”الثربة” في مرمى الوباء، بلا حملات رش منتظمة، ولا وسائل وقائية، سوى شباك ممزقة يعلّق عليها المواطنون آمال النجاة.

وفي سياق متصل يشير “عبدالرقيب المؤنسي”، ناشط مجتمعي، في حديثه لـ “منصة ريف اليمن” إلى أن معظم سكان المناطق الريفية يفتقرون حتى إلى أبسط المعلومات الأساسية حول سبل الوقاية من الأمراض، فضلًا عن غياب الأدوية أو الدعم الحكومي المنتظم.

وبحسب الصحة العالمية سجل اليمن ما يقارب من 210 آلاف و22 حالة ملاريا مؤكدة في العام 2024، مع 18 حالة وفاة مرتبطة بالملاريا، بينما تم فحص مليون و735 ألف حالة مشتبه بها عبر مرافق الترصد الصحية. كما تم تدريب أكثر من 2,294 من العاملين في مجال الصحة المجتمعية لدعم الترصد والاستجابة المحلية للملاريا.

The post تعز.. الملاريا تفتك بالسكان في “شرعب” first appeared on ريف اليمن.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows