زيف الادعاءات بوصول الإغاثة الآمنة والعاجلة لغزة
Facts
9 hours ago
share

تأسست “مؤسسة غزة الإنسانية” في شهر شباط من العام الجاري 2025، وبرز اسمها بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة عن إعداد نظام جديد لتقديم المساعدات الإنسانية في غزة مطلع أيار الماضي، فيما بدأت المؤسسة في توزيع المساعدات نهاية الشهر ذاته حتى لحظة إعداد هذا التقرير في عدد محدود من مراكز التوزيع.

ما الذي تدعيه “مؤسسة غزة الإنسانية”؟ 

تقول “مؤسسة غزة الإنسانية” إنها “ملتزمة بتقديم مساعدات غذائية طارئة وضرورية إلى سكان غزة بشكل آمن ومباشر”. وتؤكد أنها تعمل “بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمجتمعات الفلسطينية المحلية”.

تشدد المؤسسة على أنها “تضمن وصول الغذاء إلى من هم في أمس الحاجة إليه بشكل عاجل وآمن ودون أي تدخل من خلال عملية محايدة وشفافة ومستقلة”، وأنها تعمل على “إنشاء بنية تحتية موثوقة وآمنة وقابلة للتوسع لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة”. 

تقول المؤسسة إن تصميم مواقع توزيع المساعدات التي تسمى “SDS” يعزز “أقصى درجات الأمان وسهولة الوصول لجميع سكان غزة، بما في ذلك النساء والأطفال”، فيما يتعلق بمن لا يستطيع الوصول إلى هذه المواقع تعمل المؤسسة “بنشاط على تطوير مسارات بديلة وآمنة لنقل الغذاء من خلال شركاء فلسطينيين موثوقين”. 

خطاب المؤسسة الموجه لأهالي القطاع 

تقدم “مؤسسة غزة الإنسانية” عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي تحديثات تتعلق بمراكز المساعدات المغلقة والمتاحة وأوقات التوزيع، وتوجيهات حول آليات الحصول على المساعدات، وإعلانات تتعلق بعدم التوجه إلى المراكز قبل افتتاحها، كما وتنشر المؤسسة تقارير يومية لعملها في توزيع المساعدات. 

تعنون المؤسسة تقاريرها اليومية بما تسميه “الوجبات” التي توزعها وتقول إن عددها اليومي قد يصل إلى مليوني وجبة. ووفقًا لآخر تحديث نشرته بتاريخ 21.7.2025 فإن مجمل عددها أكثر من 82 مليون وجبة غذائية منذ بداية عمل المؤسسة في غزة. 

ولكن بالتدقيق في التحديث اليومي للمؤسسة والجدول المرفق، نجد أن عنونة هذه التقارير بعدد الوجبات يعكس توجهًا بإبراز وتضخيم حجم المساعدات، وهو ما يتضارب مع الواقع، فمجمل عدد الطرود الغذائية التي توزعها المؤسسة يوميًا يصل إلى نحو 25 ألف طرد، وبالتالي من المفترض أن تستفيد نحو 25 ألف عائلة فقط من هذه المساعدات في حال وزعت بأفضل شكل ممكن. 

ما صحة ادعاءات “غزة الإنسانية”؟  

الادعاء الأول: إيصال الغذاء بشكل آمن وعاجل، ولكن: 

استشهد 798 شخصًا بينهم 615 في محيط مراكز “مؤسسة غزة الإنسانية” منذ مباشرة المؤسسة عملها نهاية آيار 2025 حتى السابع من تموز وفقًا للأمم المتحدة، وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شمداساني خلال مؤتمر صحافي في جنيف إن شخصا آخرين قتلوا “على الأرجح على طرق قوافل المساعدات”. 

بينما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بتاريخ 20.7.2025 أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 995 مدنيًا خلال محاولتهم الحصول على الغذاء وانتظار المساعدات، في حين بلغ عدد المصابين 6011 شخصًا إلى جانب 45 مفقودًا، منذ 27 أيار 2025 حتى تاريخ نشر البيان. 

فيما أعلن الدفاع المدني في غزة بتاريخ 21.7.2025 عن استشهاد 93 فلسطينيًا على الأقل عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار باتجاه أشخاص ينتظرون الحصول على مساعدات، غالبيتهم في شمال القطاع. 

ووفقًا لتقرير صدر بتاريخ 22.7.2025 عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة فإن حصيلة الشهداء الذي كانوا يتنظرون المساعدات ممن وصلوا المستشفيات وصلت إلى 1026 شهيدًا، إضافة إلى 6563 إصابة. 

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتاريخ 22.7.2025، إن صور المدنيين الذين يُقتلون في غزة أثناء توزيع المساعدات الإنسانية “لا يمكن تحملها”، وجددت دعوة الاتحاد الأوروبي إلى إيصال المساعدات الإنسانية بحرية وأمان وسرعة وإلى احترام القانون الدولي.

وأصدرت 171 منظمة غير حكومية بيانًا في جنيف دعت فيه إلى إنهاء نشاط “مؤسسة غزة الإنسانية” وقالت المنظمات في البيان “يواجه الفلسطينيون في غزة خيارا مستحيلا إما الموت جوعا أو المخاطرة بالتعرض لإطلاق النار أثناء محاولتهم اليائسة للحصول على الغذاء لإطعام أسرهم”. ومن بين المنظمات الموقعة على البيان منظمة “أوكسفام” و”أطباء بلا حدود” و”هيئة إنقاذ الطفولة” و”المجلس النرويجي للاجئين” و”منظمة العفو الدولية”.

اعتبرت الأمم المتحدة أن “مؤسسة غزة الإنسانية” فشلت في الجانب الإنساني المتمثل في توفير المساعدة للناس بطريقة آمنة، وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” ينس لاركه خلال مؤتمر صحافي في جنيف بتاريخ 13.6.2025 “أعتقد أنه يصح أن نقول إن مؤسسة غزة الإنسانية، من حيث المبادئ الإنسانية، كانت فاشلة. إنهم لا يقومون بما يفترض أن تقوم به عملية إنسانية، وهو توفير المساعدة للناس في مكان وجودهم، بطريقة آمنة”.

ورفضت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسة، وبخاصة الدولية، التي تعمل في قطاع غزة في رفض التعاون مع “مؤسسة غزة الإنسانية”. 

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتاريخ 28.6.2025 على أن “مؤسسة غزة الإنسانية” “غير آمنة بطبيعتها، وتقتل الناس” وأفاد بأن “الناس يقتلون لمجرد أنهم يحاولون إطعام أنفسهم وعائلاتهم، يجب ألا يكون البحث عن الطعام حكمًا بالإعدام” مشيرة إلى الفلسطينيين الذي يقتلون أثناء انتظارهم للحصول على المساعدات قرب مركز التوزيع التابعة للمؤسسة. 

في حين طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي في بيان صدر بتاريخ 12.7.2025 بوقف عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” فورًا، وفتح تحقيق دولي مستقل لمحلاقة مسؤوليها “لتورطهم في عمليات قتل جماعي منهجية” داخل مواقع توزيع تُديرها المؤسسة. 

وأشار المرصد إلى أن “جيش الاحتلال الإسرائيلي فرض المؤسسة بالقوة كبديل عن الآلية الأممية التي كانت سارية في القطاع”. وذكر المرصد “أن قوات الاحتلال الإسرائيلي والعناصر الأمنية الأمريكية قتلت ما لا يقل عن 829 فلسطينيًا، وأصابت نحو 5500 آخرين، خلال أقل من شهرين، قرب نقاط توزيع المساعدات”.  

قال برنامج الأغذية العالمي بتاريخ 21.7.2025 إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق النار على حشود من الفلسطينيين الجائعين أثناء اقترابهم من إحدى قوافله الإغاثية في شمال غزة، وقال البرنامج إن حشدًا محيطًا بقافلة مساعدات “تعرض لإطلاق نار من الدبابات والقناصة الإسرائيليين ونيران أخرى”. 

وأكد برنامج الأغذية العالمي أن إطلاق النار بالقرب من البعثات الإنسانية والقوافل وتوزيع الأغذية “يجب أن يتوقف فورًا”، وأن إطلاق النار الأخير “يسلط الضوء على الظروف المتزايدة الخطورة التي تضطر العمليات الإنسانية إلى العمل فيها في غزة”.

وقالت وزارة الخارجية الألمانية بتاريخ 20.7.2025 تعليقًا على طريقة التوزيع الجديدة التي تطبقها “مؤسسة غزة الإنسانية” إنه “بات من الواضح من وجهة نظر الحكومة الألمانية أن هذه الآلية لا تصل إلى السكان المدنيين بشكل كاف، ولا تعمل وفق المبادئ الإنسانية”.

الادعاء الثاني: العمل على إنشاء بنية تحتية موثوقة وآمنة وقابلة للتوسع لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة، ولكن: 

طالبت منظمة “أطباء بلا حدود” بوقف نشاط “مؤسسة غزة الإنسانية” بتاريخ 27.6.2025، معتبرة إياها مسؤولة عن “مجازر متكررة”، وأشارت حينها إلى أن “أكثر من 500 شخص قُتلوا وأصيب نحو 4000 آخرين” أثناء توجههم إلى مراكز التوزيع. 

وأوضح أيتور زابالخوغياسكوا، منسق الطوارئ في أطباء بلا حدود بغزة، أن “مواقع التوزيع الأربعة (التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية) وكلها في مناطق تسيطر عليها القوات الإسرائيلية بشكل كامل بعد نزوح سكانها قسرا، يبلغ حجمها حجم ملعب كرة قدم وهي محاطة بنقاط مراقبة وسواتر ترابية وأسلاك شائكة. مدخلها المسوّر لا يسمح إلا بنقطة وصول واحدة”.

وأضاف “إذا وصل الناس مبكرًا واقتربوا من نقاط التفتيش، تُطلق عليهم النار. إذا وصلوا في الوقت المحدد وكان هناك عدد كبير جدًا من الأشخاص وقفزوا فوق السواتر والأسلاك الشائكة، تُطلق عليهم النار. إذا وصلوا متأخرين، فلا ينبغي أن يكونوا هنا لأنها تعد منطقة تم إخلاؤها، فتُطلق عليهم النار”.

ووصف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فيليب لازاريني “مؤسسة غزة الإنسانية” بـ “فخ موت سادي”، وأوضح أن “القناصة يطلقون النار عشوائيًا على الحشود كما لو كان مسموحًا لهم بالقتل”.

ووصف مفوض الأونروا أيضًا قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي للباحثين عن الطعام في غزة بأنه “مطاردة جماعية وسط إفلات تام من العقاب”، مضيفًا “لا يُمكن أن يكون هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، فالمساعدة الإنسانية ليست عمل المرتزقة”.

وذكر تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية أن النظام الجديد لتوزيع المساعدات والذي تديره “مؤسسة غزة الإنسانية” يتطلب من المدنيين السفر مسافات طويلة إلى أربعة مراكز للتوزيع، ووصف التقرير المراكز بـ “سجون مفتوحة” حيث يُحشر آلاف الناس داخل ممرات ضيقة بين الأسوار وتحت شمس قاسية. 

وتداولت وسائل إعلام ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد وشهادات حية تعكس حجم معاناة أهالي قطاع غزة خلال محاولتهم الحصول على المساعدات من مراكز “مؤسسة غزة الإنسانية” ومدى خطورة هذه المراكز.

الادعاء الثالث: الالتزام بالحياد والشفافية والاستقلالية، ولكن: 

وجهت الكثير من الانتقادات وأُثيرت الشكوك من قبل جهات محلية ودولية حول “مؤسسة غزة الإنسانية” التي أسست بدعم أمريكي – إسرائيلي منذ الإعلان عنها، وقد قدم الرئيس التنفيذي السابق للمؤسسة جيك وود استقالته قبل أن تباشر المؤسسة بعملها، وقال في بيان إن تنفيذ خطة المؤسسة غير ممكن “مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية” مشددًا على أنه لن يتخلى عن هذه المبادئ. 

وقال كريستوفر غانيس المتحدث السابق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في مقابلة مع وكالة الأناضول إن “مؤسسة غزة الإنسانية” يديرها “مجموعة من قدامى المحاربين، والمرتزقة، والجنود السابقين الذين خلعوا زيهم العسكري”، وأكد على أن المؤسسة انتهكت المبادئ الأربعة للمساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وهي “الحياد والاستقلال والمساواة وعدم التسبب في الأذى”.

وكانت الأمم المتحدة استبعدت التعاون مع “مؤسسة غزة الإنسانية”، وقال الناطق باسم الأمم المتحدة فرحان حق: “لا تتوافق خطتها مع مبادئنا الأساسية، بما في ذلك النزاهة والحياد والاستقلالية”.

الادعاء الرابع: ضمان وصول الغذاء إلى من هم في أمس الحاجة إليه، ولكن: 

منذ الثاني من آذار 2025 أطبقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على قطاع غزة، وأغلقت المعابر معه ولا تزال تمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، الأمر الذي أدى إلى  تفشي المجاعة. 

قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بتاريخ 20.7.2025 إن “السلطات الإسرائيلية تُجوع المدنيين في غزة، من بينهم مليون طفل”. ودعت إلى رفع الحصار عن غزة، والسماح لها بإدخال الغذاء والأدوية.

وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” بتاريخ 21.7.2025 أن الأطفال في قطاع غزة يعانون من سوء تغذية قاتل وصل إلى مستويات كارثية، مؤكدة على أن “الجوع منتشر في غزة والناس تموت وأن الغذاء نادر بشكل خطير والمياه النظيفة أقل من المستويات المقبولة في حالات الطوارئ”. 

وطالبت بالسماح للأمم المتحدة بتقديم المساعدات بجميع أنواعها على نطاق واسع وإلى الأسر أينما كانت، مشيرة إلى أن “المساعدات مقيدة بشدة ويشكل الوصول إليها خطرًا”. 

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بتاريخ 22.7.2025 وفاة 15 شخصًا بينهم 4 أطفال بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال الـ 24 ساعة الماضية، ما رفع حصيلة وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 101 حالة وفاة بينهم 80 طفل. 

أكد د. منير البرش المدير العام لوزارة الصحة في غزة، إن قطاع غزة دخل رسميًا المرحلة الخامسة والأخيرة من المجاعة، مشيرًا إلى ارتفاع المخاوف من تسجيل حالات وفيات جماعية في الساعات القليلة المرتقبة القادمة. في حين حذر د. بسام زقوت مدير الإغاثة الطبية بغزة من أن القطاع دخل مرحلة “الخطر من المجاعة”، حيث يتوقع أن يشهد القطاع “موتًا جماعيًا” للنساء والأطفال.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows