ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية
Reports and Analysis
17 hours ago
share

لم يتوقع المزارع “ضيف الله الشاوش (45 عاما)”، أن ينهار موسمه الزراعي قبل أن يبدأ؛ فالرجل الذي اعتاد كل عام أن يحرث أرضه في محافظة ريمة، ويضع البذور في شهر مايو سنوياً التزاماً بتقليد زراعي متوارث، وجد نفسه هذا العام مجبرا على حراثة الأرض ووضع البذور مرتين؛ نتيجة شح الأمطار وتغير مواسم تساقطها.

خلال السنوات الماضية، تعرضت المحافظة الواقعة غربي اليمن لأخطار التغيرات المناخية وتقلبات الطقس، حيث شهدت خلال 2020 أمطاراً غزيرة مصحوبة بالبرد تسببت في فساد المحصول، وفي 2021 و 2022 تعرضت أجزاء واسعة من الأراضي للطمر نتيجة السيول الجارفة والأمطار المتقلبة، أما خلال هذا العام 2025، فشهدت المحافظة شحاً في الأمطار أجبرت المزارعين على إعادة زراعة أراضيهم مرة أخرى.

يقول الشاوش الذي ينحدر من مديرية السلفية لمنصة ريف اليمن: “حفظت كميات مختلفة من الذرة البلدي التي تم تنقيتها واختيارها بعناية من محصول العام الماضي كذرة مناسبة للزراعة في الموسم القادم”.


      مواضيع مقترحة

ويضيف:” بسبب شح الأمطار وتغير اوقات تساقطها، والذي نتج عنه فشل الزراعة الأولى، أجبرت ومعي كثير من الفلاحين في المنطقة على إعادة حراثة الارض وزراعتها من جديد في وقت متأخر ببذور أقل جودة”.

لم تكن خسارة البذور مسألة سهلة بالنسبة للشاوش؛ فتلك الحبوب التي ادَّخرها كانت بمثابة ضمان الموسم المقبل، ووسيلته لمواجهة الغلاء وندرة البذور الجيدة في الأسواق، إلا أن التغيرات المناخية التي تشهدها اليمن أضرت بالمزارع الذي وجد نفسه وحيدًا يقاوم الطبيعة بأمل الانتصار، في ظل غياب تام للجهات المعنية والرسمية.


أدى نقص الأمطار الموسمية في ريمة إلى خلخلة التقويم الزراعي التقليدي، ما تسبب في تعارض مواعيد زراعة البذور مع أوقات الحصاد المتوقعة


تتركّز أبرز التأثيرات المناخية في اليمن على قطاعات الزراعة والمياه، لا سيما في المحافظات الجبلية، حسب تقرير الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الصادر في ديسبمر 2023، والذي صنف اليمن ضمن أكثر دول العالم هشاشة مناخية؛ رغم كونها من أقل الدول إسهاماً في الانبعاثات.

ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية
صورة تظهر آثار نقص الأمطار على الزراعة في مديرية السلفية بمحافظة ريمة 16 يوليو 2025(ريف اليمن)

وبحسب التقرير؛ فإن التغيرات المناخية قد تُكلف اليمن بحلول عام 2060 ما يصل إلى 93 مليار دولار من الناتج المحلي، فضلًا عن تسجيل أكثر من 120 ألف وفاة مرتبطة بالمناخ، وقرابة أربعة ملايين حالة سوء تغذية إضافية.

الزراعة خارج التقويم

أدى تباين تساقط الأمطار الموسمية بشكل غير منتظم في ريمة إلى خلخلة التقويم الزراعي التقليدي؛ ما تسبب في تعارض مواعيد زراعة البذور مع أوقات الحصاد المتوقعة، وبحسب المزارع “نبيل محسن (55 عامًا)”، فإن الذرة الحمراء التي تزرع تقليديًا في السابع من مايو، اضطر المزارعون لإعادة زراعتها بعد هطول الأمطار في 20 يونيو؛ هذا التأخير كما يصفه محسن، أثار مخاوف المزارعين من عدم نضج المحصول في الوقت المناسب قبل نهاية الموسم.

ويتابع محسن: “بالنسبة للذرة البيضاء (الرومي) والصفراء، اللتان تُزرعان عادةً في أواخر مايو، فقد أجّلت ظروف الجفاف زراعتهما إلى ما بعد 20 يونيو، ما يعني خسارة جزء من دورتهما الإنتاجية”.

ويشير إلى أن كثيراً من المزارعين لم يبدأوا حتى اللحظة بزراعة محصول الدُّخن رغم انتهاء الفترة الزمنية المناسبة لزراعته، في حين لا يزال الأهالي ينتظرون استقرار الأمطار لزراعة الغِرِب (نوع من حبوب الذرة) الذي لم يُزرع بعد.


وفق تقديرات مكتب الزراعة في ريمة أن المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة تقدر بحوالي 200 ألف هكتار، بينما تُقدر المساحة المزروعة فعليًا بحوالي 70 إلى 80 ألف هكتار


بينما يزرع فلاحو ريمة أملهم مرتين في نفس الأرض، لا تزال السياسات المناخية الرسمية عاجزة عن مواكبة هذا التغير وتوعية المجتمع الزراعي الذي يشكل أكثر من 70% من السكان في اليمن بضرورة فهم هذه التغيرات والتعامل معها، وتقديم المساعدات الزراعية لاستصلاح الأراضي ومعالجتها.

الشاوش كغيره من مزارعي ريمة؛ لم تكن أزمته ناتجة عن قلة خبرة زراعية أو إهمال؛ إنما عن تغير مواعيد الأمطار واضطراب الطقس بشكل أربك الدورة الزراعية التقليدية، بالإضافة إلى انعدام الدعم الإرشادي للتكيّف مع التغيرات المناخية.

مخاطر وتداعيات 

تشير إحصائيات مكتب الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية بمحافظة ريمة إلى أن المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة تقدر بحوالي 200 ألف هكتار، بينما تُقدر المساحة المزروعة فعليًا بحوالي 70 إلى 80 ألف هكتار تتفاوت حسب العوامل المناخية والزراعية، فضلاً عن توفر المياه والموارد.

ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية
تغير مواعيد الأمطار واضطراب الطقس أربك الدورة الزراعية وأجبر السكان على وضع البذور مرتين دون حصاد يوليو 2025(ريف اليمن)

وبحسب كتاب الإحصاء الزراعي للعام 2021؛ تُقدر إنتاجية المحافظة من الحبوب بحوالي 50 ألف طن سنويًا، ومن البقوليات حوالي 12 ألف طن، ومن الخضروات 15 ألف طن، وتعتبر ريمة المحافظة الثانية في إنتاج البن بمساحة زراعية بلغت 7906 هكتارات، والكميات المنتجة 9210 أطنان.

ويحذر المهندس الزراعي “عبد القادر السميطي” من مخاطر تداعيات زراعة المحصول مرتين في نفس الموسم، مشيرًا إلى أن تكرار الزراعة في موسم واحد يؤدي إلى استنزاف التربة وزيادة احتياجها للتسميد، وارتفاع خطر إصابة المحاصيل الزراعية بالآفات والأمراض التي تفسد إنتاجها.


تكرار الزراعة في موسم واحد يؤدي إلى استنزاف التربة، وزيادة احتياجها للتسميد، وارتفاع خطر إصابة المحاصيل الزراعية بالآفات والأمراض التي تفسد إنتاجها


وفي الوقت الذي شدد فيه السميطي على ضرورة تسميد التربة بشكل مكثف لتعويض ما فقدته، ومراقبة دقيقة للآفات وإجراء المعالجات في وقت مبكر، أوضح أن مثل هذه الظروف المناخية يفضل زراعة محاصيل قصيرة الدورة.

ومن المحاصيل التي يقترحها السميطي الخضروات الورقية، وكذلك بعض أنواع الفاكهة كـ(الفراولة، والتوت) والمحاصيل الجذرية كـ(الفجل، والجزر، والبطاطا)، والبقوليات؛ حيث تعد هذه المحاصيل قصيرة الدورة إذا تمت زراعتها في مواسم مناسبة.

ويلفت إلى أن زراعة هذه الأصناف ستساهم في زيادة الإنتاجية الزراعية، وتحسين إدارة الموارد من حيث استخدام المياه والأسمدة والمبيدات، وتنوع الغذاء، ومكافحة الآفات والأمراض التي قد تصيب المحاصيل طويلة الدورة، وتحسين خصوبة التربة؛ إذ يمكن لبعض المحاصيل قصيرة الدورة -مثل البقوليات- أن تثري التربة بالنيتروجين.

ولتفادي الخسائر لمزارعي ريمة؛ يقترح المهندس الزراعي على وزارة الزراعة تقديم بعض الخدمات الإرشادية، والمنظمات الدولية مثل الفاو وبرنامج الغذاء العالمي وبعض المبادرات المحدودة لدعم المزارعين بالبذور والإرشادات.

محاصيل تقاوم المناخ

كما يوصي السميطي المزارعين والجهات الزراعية الحكومية بتعديل التقويم الزراعي سنويًا بناءً على التنبؤات المناخية، واعتماد أنظمة زراعة مرنة مثل الزراعة على دفعات، ونشر أصناف زراعية قصيرة الدورة وسريعة الإنتاج، وتعزيز التنوع الزراعي لتقليل المخاطر المناخية، ودعم بناء خزانات حصاد مياه الأمطار في القرى الجبلية، وتطوير برامج إرشادية سريعة للمزارعين حول “الزراعة الذكية مناخياً”.

وعن المحاصيل الزراعية المناسبة للزراعة -وفقًا للظروف المناخية المتقلبة في ريمة- يقول مختص تقييم الأثر البيئي “محمد الفقيه” إن الذرة الرفيعة (الذرة الحمراء)، والدخن، والشعير، والفاصوليا واللوبيا (محاصيل ذات دورات زراعية سريعة)، هي المحاصيل الأنسب للزراعة في ريمة كونها قصيرة الدورة، وتقاوم التغيرات المناخية القاسية.

ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية
لا تزال السياسات المناخية الرسمية عاجزة عن مواكبة هذا التغير وتوعية المجتمع الزراعي الذي يشكل أكثر من 70%، يوليو 2025(ريف اليمن)

ويشدد الفقيه خلال حديثه لمنصة ريف اليمن، على ضرورة توفير بذور مقاومة للجفاف، وبناء وتوسيع مشاريع الحصاد المائي، وإنشاء مراكز إنذار مبكر للتغيرات المناخية، وتوفير برامج تمويل صغيرة لدعم المزارعين المتضررين، بالإضافة إلى تنشيط دور الجمعيات الزراعية لتوفير البذور والمدخلات بأسعار مناسبة .

بينما ينوه المهندس السميطي على أهمية ممارسة الزراعة المرنة، من حيث تغيير أنواع المحاصيل المزروعة في نفس الأرض على مدار المواسم؛ لتقليل استنزاف التربة، وتحسين خصوبتها، وتقليل الحراثة التي تضر بالتربة وتزيد من فقدانها، واستخدام السماد الطبيعي بدلاً من الأسمدة الكيماوية، وزراعة الأشجار والشجيرات لحماية المحاصيل من الرياح القوية، واستخدام تقنيات الري الحديثة لتقليل استهلاك المياه.

وفي ظل استمرار تغيّر المناخ؛ تبقى معاناة مزارعي ريمة نموذجا واضحا لما قد تشهده محافظات اليمن الأخرى مستقبلا؛ فالكثير من المحافظات لا تزال تقف على خط تماس مناخي حاد، وسط غياب الجهات المعنية، فالأمر يتطلب تدخلا مؤسسيا أكثر اتساعا ومرونة، وتحديثا عاجلا للتقويم الزراعي بما يلبي إيقاع السماء المتقلب، ويقلل الخسائر التي يتعرض لها المزارعون.

The post ريمة.. نقص الأمطار يُربك الدورة الزراعية first appeared on ريف اليمن.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows