
Civil
مع حلول الذكرى الأولى لاتفاق “خفض التصعيد” الاقتصادي الذي رعته الأمم المتحدة، أعلنت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، الثلاثاء 15 يوليو/تموز 2025، طباعة عملة ورقية من فئة 200 ريال، وإنزالها للتداول في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك بعد يومين فقط من إعلانها صك عملة معدنية من فئة 50 ريالاً.
هذه الخطوات المتتالية وغير المسبوقة، أثارت غضب اليمنيين من جديد، ووضعت الجهات الدولية الفاعلة في الملف اليمني، وخصوصًا المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غرودنبرغ، في موقف حرج.
ففي 23 يوليو/تموز 2024، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، عن اتفاق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي على “عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية”.
وأوضح المبعوث الأممي في بيان صدر عن مكتبها حينها، أنه تسلّمه نصًا مكتوبًا من الطرفين تضمّن “إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلًا عن أي قرارات أو إجراءات مماثله”. كما نص على “البدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والانسانية بناء على خارطة الطريق”.
وتعليقًا على البيان، رحبت الحكومة وجماعة الحوثي بإعلان المبعوث الأممي في بيانين منفصلين للجانبين.
وجاء ذلك الاتفاق بعد قرار البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، بتاريخ 10 يوليو /تموز 2024، بإيقاف تراخيص 6 من أكبر البنوك التي تقع مراكزها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد أسابيع من قرار وقف التعامل معها لعدم نقل مقراتها إلى عدن واستمرار تعاملها مع جماعة الحوثي.
وتأتي قرارات البنك عقب إعلان الجماعة، لأوّل مرّة، صك عملة معدنية من فئة 100 ريال. وهو ما اعتبره البنك المركزي اليمني “تصعيدًا خطيرًا وغير قانوني لا يأخذ بعين الاعتبار بأي شكل من الأشكال مصالح المواطنين”.
انقلاب على اتفاق يوليو
وردًا على إعلان الجماعة صك عملة معدنية جديدة، البنك المركزي اليمني في عدن، اعتبر هذه الخطوة “تصعيداً اقتصادياً خطيراً ينسف إعلان 23 يوليو/تموز 2024 برعاية المبعوث الأممي”.
وحذّر البنك المركزي، في بيان، المواطنين والقطاع المصرفي من التعامل بهذه العملة التي وصفها بأنها “غير قانونية”، محملاً الجماعة كامل المسؤولية عن تبعات هذا الإجراء الذي وصفه بـ”المدمر للاقتصاد الوطني”.
وفي بيان آخر أصدره الثلاثاء 15 يوليو/تموز الجاري، اعتبر البنك المركزي إعلان الحوثيين طباعة عملة ورقية بعد يومين من إعلانهم صك عمله معدنية بأنه إمعان في “تدمير أهم أُسس النظام المالي والاقتصادي اليمني”.
وقال البنك المركزي اليمني إنه بذل “جهدًا كبيرًا مع الدول الشقيقة والصديقة لإبقاء قنوات التعامل مع النظام المالي والمصرفي في مناطق سيطرة الجماعة مفتوحة بضوابط متفق عليها تسهيلًا لتعاملات المواطنين وإبقائهم على اتصال بالأنظمة المالية العالمية”.
ولوّح إلى إغلاق هذه القنوات قائلًا إن إصرار الحوثيين على “تدمير ما تبقى من أُسس النظام الاقتصادي والنقدي يعرّض تلك الجهود للخطر ويضع ما تبقى من هامش للعمل المصرفي والمالي في مناطق الاحتلال الحوثي تحت طائلة العقوبات الدولية“.
وحمّل جماعة الحوثي “كافة التبِعات على هذه الأفعال المُجرّمة قانونًا، وكل ما يترتب عليها من عواقب مالية وقانونية، دولية أو محلية، وما يلحق من أضرار جسيمة بالحقوق العامة والخاصة، وما سيترتب عليها من معاناةٍ تُلحِق بالمواطنين القاطنين في مناطق سيطرتها، وبتواصلهم وتعاملهم مع النظام المالي الإقليمي والدولي”.
وفي الردود الدولية، اعتبر سفراء دول الاتحاد الأوروبي لدى اليمن خلال لقائهم في مدينة عدن، بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد المعبقي، صك الحوثيين لعملة معدنية “تزوير غير قانوني”، مؤكدين أن البنك المركزي اليمني هو المؤسسة الوحيدة المخولة بإصدار العملة القانونية في اليمن.
غروندبرغ في الواجهة
كان إعلان المبعوث الأممي عن اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي في يوليو/تموز الماضي، قد أثار غضبًا واسعًا في الشارع اليمني تجاوز المواقف المعلنة في الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي إلى الخروج في تظاهرات غاضبة في العديد من المدن شرق وجنوب البلاد.
ورأى الغالبية العظمى من اليمنيين تراجع الحكومة عن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، استجابة لضغوط المبعوث الأممي، تفريطًا بأهم الأدوات السيادية للدولة، وتشجيعًا للجماعة الحوثية على التمادي في تهديد القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني.
وحذّر العديد من السياسيين والكتاب والنشطاء من الاستجابة لرغبات المبعوث الأممي، مذكّرين بمواقفه المعتادة والتي تصب دائمًا لصالح جماعة الحوثي، ومنها موقفه تجاه استهداف الجماعة لموانئ تصدير النفط الخام بمحافظتي شبوة وحضرموت أواخر العام 2022، وقالوا إن المبعوث التزم الصمت رغم تداعياته الكارثية التي حرمت الدولة من 70% من إيراداتها التي تعتمد عليها في صرف مرتبات الموظفين، وتقديم الخدمات للمواطنين.
وجاء الإعلان الحوثي الجديد، ليشعل غضب اليمنيين مجددًا على المبعوث الأممي الذي لم يعلن موقفًا حتى الآن، رغم مرور أيام على إعلان الجماعة صك عملة معدنية جديدة وتتبعها بإعلان طباعة أوراق نقدية، متجاهلة طليًا الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة والذي نص على عدم اتخاذ أي خطوات تصعيدية مستقبلية.
وقارن اليمنيون في تعليقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي بين موقف المبعوث تجاه إجراءات البنك المركزي في عدن، ومواقفه تجاه التصعيد الحوثي بين الحين والآخر، وأجمعوا على أنه في الأولى يكون حاسمًا، ودائمًا ما يتحرك لإجهاض أي خطوة حكومية قانونية وضرورية، بينما يلتزم الصمت المطبق تجاه تصرفات الجماعة المتمرّدة.
في إطار المقارنة، قال الصحفي هائل البكالي، في تدوينة بحسابه على منصّة “إكس” رصدها “بران برس”: “بينما كان المبعوث الأممي يقود تحركات مكوكية لمهاجمة قرارات البنك المركزي في عدن، التزم الصمت أمام خطوات الحوثيين الكارثية كصك العملة المزورة ونهب الإيرادات”. واعتبر موقف المبعوث الأممي “تواطؤ يفضح من يعمل لصالح من”.
ازدواجية المعايير
من جانبه، الإعلامي يحيى العابد، قال: “أحدثت إجراءات البنك المركزي في عدن وقراراته حالة فزع لدى جماعة الحوثي وتدخل المبعوث الأممي ليهزمنا للمرة العاشرة كسابقيه. واليوم الحوثي يوجه صفعه لبيان المبعوث الأممي بإصدار عمله شطريه جديده تعمق حالة الانفصام وركود الاقتصاد”.
وفي سياق المقارنات، قال الكاتب الصحفي عبدالله المنيفي، إن “المبعوث الأممي في حال اتخذت الحكومة اليمنية إجراءات فيما يخص الجانب المصرفي والنقدي: هذا يضر بالمواطن اليمني ويزيد تدهور الوضع الاقتصادي ويعرقل جهود التسوية السياسية و… و…. (ويتحرك لما يوقفها).
وأضاف في تدوينة بحسابه على منصّة “إكس” رصدها “بران برس”، أن “المبعوث هانس في حال اتخذت مليشيات الحوثي اجراءات كارثية مثل تزوير عملة: من راقب الناس مات هماً، هو إحنا نراقب الناس كلها؟! (وينام)” في إشارة إلى صمت المبعوث تجاه التصعيد الحوثي الجديد.
وتضمّنت ردود الأفعال الشعبية تعليقات ناقدة وساخرة، أشارت بعضها إلى أن “غروندبرغ”، سيتوارى عن الأنظار ويلتزم الصمت ما دام التصعيد من جانب الحوثي، لكنّه سيظهر محتشدًا متى ما اتخذ البنك المركزي في عدن أي خطوة قانونية لحماية القطاع المصرفي ومنع التداعيات الكارثية للتصعيد الحوثي على الاقتصاد والمواطنين.
سرعة قصوى في عدن ونوم في صنعاء
المراسل التلفزيوني محمد الحذيفي، تساءل أين المبعوث الأممي إلى اليمن، من خروقات جماعة الحوثي وآخرها الانقلاب على اتفاق 2024 فيما يخص البنوك والتوقف عن طباعة العملة والإجراءات المدمرة للاقتصاد؟. متسائلًا: “لماذا لا يتحرك غروندبرغ بالسرعة القصوى إلا عندما تخطو الشرعية خطوات لحفظ اقتصاد البلد؟”.
ويشير التساؤل الثاني للحذيفي، إلى رسالة “عاجلة” وجهها المبعوث الأممي في 10 يوليو/تموز 2024، إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، طالبه فيها رسمياً بإيقاف تنفيذ قرار البنك المركزي في عدن بسحب تراخيص البنوك الستة في صنعاء وتجميد تعاملها عبر “سويفت”، مبررًا أن القرار قد يؤدي إلى انقطاع تحويلات وتعقيد الوضع الاقتصادي والمعيشي. معتبرًا هذا الإجراء سيسبب “ضررًا لحياة اليمنيين وقد يؤدي إلى تصعيد عسكري”.
وجاء في مقدمة الرسالة: فخامة الرئيس.. أكتب إليك خطابي هذا بأعلى درجات الاستعجال والقلق بشأن القرار الذي اتخذه البنك المركزي اليمني مؤخرًا”. ويظهر أن تاريخ الرسالة بنفس اليوم الذي صدر فيه قرار البنك في سابقة لم تحدث من قبل أي مبعوث أممي إلى اليمن، ولم يحدث في تاريخ غرودنبرغ ذاته تجاه أخطر الأحداث التي شهدتها البلاد في عهده.
من جهتها، قالت الناشطة الحقوقية، وضحى مرشد، في تدوينة بحسابه على منصّة إكس، إن “صك الحوثي لعملات معدنية مزورة تظهر عجز المجتمع الدولي، وخصوصًا المبعوث الأممي، في وضع حد لابتزاز جماعة الحوثي الإرهابية، ومساعيها المستمرة لتدمير اقتصاد بلادنا، ومفاقمة الأزمة وصولًا إلى كارثة فعلية”.
فيما استغرب الناشط ناصر الطاهري، أن “يأتي هذا الإعلان من جانب جماعة الحوثي بالتزامن مع تشديد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن على ضرورة تجنب التصعيد بين الأطراف اليمنية، وذلك في إطار مناقشاته الأخيرة التي شملت زيارة إلى العاصمة المؤقتة عدن، وإحاطته أمام مجلس الأمن حول أولويات المرحلة المقبلة.
بينما شدد السياسي عادل الشبحي، على أن “خطوة إصدار العملة وطرح عملة معدنية بدون غطاء شرعي ومن طرف واحد من قبل الحوثيين يحتم على الشرعية تفعيل حزمة الإجراءات التي تم إيقافها العام الماضي”.