
الرشادبرس_ مقالات
بقلم- أ .محمد الشيخ
تحلّ علينا في الخامس عشر من يونيو الذكرى السنوية لتأسيس حزب الرشاد اليمني، الحزب الذي انطلق في مرحلة فارقة من تاريخ اليمن المعاصر، مستلهمًا روحه من التطلعات الشعبية التي عبّرت عنها ثورة فبراير 2011، ومواكبًا لحالة التحول الوطني الذي شهده اليمن في ظل أوضاع سياسية واجتماعية غير مسبوقة.
جاء ميلاد الحزب في وقتٍ كانت البلاد فيه تبحث عن بوصلة جديدة تعيد ترتيب أولوياتها، وتؤسس لمسار سياسي جامع وعقلاني، بعد عقود من الانفراد بالسلطة، والتهميش، وانغلاق الأفق.
وكان واضحًا منذ اللحظة الأولى أن “الرشاد” لا يسعى إلى مجرد حضور سياسي شكلي، بل يتبنى رؤية متكاملة، تنطلق من قيم الشريعة الإسلامية، وتنفتح على متطلبات الدولة المدنية الحديثة، عبر آليات الشراكة والتداول السلمي للسلطة، والحوار الوطني الشامل.
لقد تأسس الحزب على مبدأ الرُشد السياسي، الذي يتجنب المزايدات والمغالاة، ويبتعد عن ثقافة الصراع والصوت المرتفع. فاختار أن يكون ناطقًا باسم العقل، في وقتٍ علت فيه أصوات الفوضى، ورافضًا للغة الإقصاء، في زمن انتشرت فيه النزعات الطائفية والمناطقية والمصالح الضيقة. ولذلك، كان موقفه من الانقلاب الحوثي في العام 2014 واضحًا منذ البداية، إذ اعتبره تمردًا على الدولة، وخروجًا على الإجماع الوطني الذي تمثّل في مؤتمر الحوار، ومشروعًا لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من التمزق والدمار.
خطاب سياسي متزن وجامع
تميز خطاب حزب الرشاد بالهدوء والاتزان، مما أكسبه احترامًا واسعًا من مختلف القوى الوطنية، وأهّله للقيام بدور الوسيط والموحّد في لحظات الاحتقان السياسي. لم ينجرّ الحزب إلى الاستقطابات الحادة، بل سعى لتقديم مقترحات واقعية وعملية تُسهم في حلّ الأزمات، وليس تعميقها.
ويُحسب له في هذا الإطار، حفاظه على لغة راقية، تتجنب التهييج الإعلامي والتخوين، وتنأى بنفسها عن التخندقات الإيديولوجية، مما جعله مظلة سياسية وأخلاقية لشرائح مجتمعية واسعة، لا سيما من فئة الشباب والناشطين في العمل المدني .
صناعة جيل قيادي واعٍ
أولى الحزب اهتمامًا خاصًا بـبناء القيادات الشابة، مؤمنًا أن المستقبل لا يصنعه الخطاب فقط، بل الكوادر المؤهلة التي تمتلك الرؤية والبصيرة. ولهذا أطلق الحزب عدة برامج تربوية وتدريبية، ركزت على تمكين الشباب، وتنمية قدراتهم الفكرية والمهارية، وربطهم بقضايا الوطن بصورة مسؤولة ومتوازنة.
ولم يكن هذا التوجه مجرد شعار تنظيمي، بل تجسّد في ممارسات فعلية، أفضت إلى بروز وجوه شابة داخل الحزب، أثبتت حضورها في ميادين السياسة والفكر والعمل الميداني، متسلحة بالشرعية الفكرية والانضباط التنظيمي.
الحضور الوطني في محطات التحول
لقد كان لحزب الرشاد دور فاعل في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حيث شارك بجدية ومسؤولية في صياغة معالم الدولة المنشودة، التي تقوم على مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية، وركائز الحكم الرشيد. وقد قدّم الحزب خلال هذه المرحلة رؤى واضحة تجاه قضايا الحكم، والهوية، والحقوق، وبناء المؤسسات، مؤكدًا إيمانه بخيار الدولة الجامعة لكل اليمنيين، دون تمييز أو إقصاء.
ورغم التحديات التي فرضتها الحرب والصراعات، ظلّ الحزب ثابتًا في مواقفه، متمسكًا بخيار الحل السياسي الشامل، ورافضًا كل أشكال التطرف والإرهاب، ومدافعًا عن شرعية الدولة ومؤسساتها. فالرشاد لم يكن جزءًا من أدوات الصراع، بل ظل وفيًا لخيار السلام، حريصًا على وحدة اليمن وسلامة مجتمعه، معارضًا بوضوح أي مشاريع طائفية أو سلالية تقوّض فكرة الوطن الواحد.
في الذكرى.. عهد يتجدد
في هذه الذكرى العزيزة، يستحضر الحزب ومعه كل المخلصين، تضحيات الرواد الذين أسهموا في التأسيس، والقيادات التي واصلت حمل الرسالة رغم الصعاب، مؤكدين أن الرشاد سيبقى صوتًا للحكمة، ومنبرًا للرؤية، ويدًا ممدودة نحو كل شركاء الوطن.
إننا اليوم، وفي ظل ما يمرّ به اليمن من تحديات داخلية وخارجية، أحوج ما نكون إلى مشروع سياسي راشد، يستند إلى القيم، ويتحرّك بوعي، ويؤمن بأن اليمن لا يُبنى بالسلاح، بل بالعقل، وبالعمل الوطني المشترك، وبإرادة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
حزب الرشاد، في ذكرى تأسيسه، يؤكد من جديد أنه سيبقى متمسكًا بمبادئه، وفيًّا لعهوده، مؤمنًا برسالته، ساعيًا مع كل القوى الوطنية المخلصة لبناء يمن آمن، عادل، مستقر، تتسع دولته لكل أبنائه دون استثناء.